طوني كرم

"نادي القضاة" ومشروع استقلالية القضاء... عيوب تفخِّخه

14 كانون الأول 2023

02 : 00

لنصّ صريح لا يُخضع القضاة لقانون الموظفين (فضل عيتاني)

يتصدّر بتّ مآل قيادة الجيش إهتمام غالبيّة القوى السياسيّة بُعيد تحوّل هذا الملف إلى عبءٍ ثقيل يتم تقاذفه بين الحكومة والمجلس النيابي. توازياً، وجد الرئيس نبيه برّي في المطالبة بعقد جلسة تشريعيّة، مدخلاً لفكّ «الحصار التشريعي» عن المجلس والشروع في إقرار مروحة واسعة من مشاريع واقتراحات القوانين التي أنجزتها اللجان النيابيّة، قبل عرض الإقتراحات المعجّلة المكررة، ومنها تلك المرتبطة بتأجيل تسريح القادة الأمنيين والعسكريين.

وهذا ما أعاد إلى الواجهة من جديد، الحذر من إمرار اقتراح قانون استقلال القضاء العدلي وشفافيته، المدرج في البند 11 من جدول أعمال الجلسة التشريعيّة، بصيغته المُناقضة للمعايير التي تحقِّق الهدف من إقراره، بما يشوبها من عيوب تشكّل ضرباً متعمداً لإستقلاليّة السلطة القضائيّة، كما يرى معارضو المشروع.

وتفادياً لإنعكاسات إقرار القانون بصيغته الأخيرة، جدّد «نادي قضاة لبنان» التحذير من تعمّد المشرّع النظر إلى القضاء كوظيفة لا كسلطة، وتحديداً مع استبعاد عبارة سلطة قضائيّة، وعدم إيرادها في عنوان القانون أو في أي مادة من مواد الإقتراح، والإستعاضة عنها بعبارة السلك القضائي والوظيفة القضائيّة في بعض مواد اقتراح القانون بما يشكل مخالفة واضحة لقرار المجلس الدستوري 23/2019، ودعا إلى وضع نصّ صريح في القانون يشير إلى عدم إخضاع القضاة لقانون الموظفين.

وإذ يصبو «نادي القضاة» إلى إقرار قانون يشكّل وسيلة لتحقيق الإستقلال الفعلي وتكريس المعايير التي تسمح بعمل قضائي منتظم وسليم، برز تخوّف من أن يؤدي إقرار قانون لا يحقق المفاعيل المرجوة إلى مزيد من الإحباط؛ مع تعمّد المشرّع، إفراغ القانون من مضمونه بنقض العديد من المبادئ المهمة التي تضمّنها بشروط تنزع عنها فعاليتها، على غرار تقييد حقّ القضاة في التجمّع وتأسيس جمعية مهنيّة والالتحاق بها، شرط ألا تتعارض الجمعيّة مع صلاحيات مجلس القضاء الأعلى أو مع مدوّنة أخلاقيات القضاة التي يشترك في وضعها هيئة التفتيش والتقييم القضائي مع مجلس القضاء الأعلى وموافقة وزير العدل، والتي يمكن أن تتضمن وفق النادي ما يحدّ من ممارسة حرية التعبير والتجمّع.

الملاحظات

وفي ضوء ذلك، ورغم وجود ملاحظات تفصيليّة على كل مادة، أبدى «نادي قضاة لبنان» ملاحظات أوليّة وعامة على اقتراح القانون، متوقفاً عند خمسة محاور أساسيّة، هي:

أولاً- تكوين مجلس القضاء الأعلى واستقلاليته:

اعتبر أنّ إبقاء القانون المقترح صلاحية تعيين المراكز القضائية الثلاثة الأساسية في يد السلطة التنفيذية، وهي رئيس مجلس القضاء الأعلى والنائب العام التمييزي ورئيس التفتيش القضائي، يساهم في عدم تحقيق الإستقلاليّة، فيما المطلوب تحرير كل المراكز القضائية من تدخل السلطة التنفيذية دون أي استثناء، أي الإبتعاد عن التعيين.

أما لجهة الاستقلال المالي، فأشار «النادي» إلى أنّ الاقتراح لم يتضمّن أية إشارة إلى الاستقلال المالي للسلطة القضائية، في حين أن هذا الأمر هو القوام الأساس لتحقيق الاستقلال الفعلي. ولفت إلى وجوب تكريس استثناء صندوق تعاضد القضاة من توحيد الصناديق في حال إقراره، بل الإبقاء على الصندوق باستقلاله المالي والإداري من دون تدخل من أحد دعماً لاستقلال السلطة عموماً.

ثانياً- التشكيلات القضائية:

شدّد «النادي» على وجوب إجراء التشكيلات القضائيّة بناء على معايير موضوعية وشفافة تُراعي النزاهة والمؤهلات والكفاءة. فيما عمد الاقتراح إلى تعقيد آليات وأصول إجراء التشكيلات القضائية ووضع شروطاً تعجيزية على كيفية تشكيلها، وبذلك يكون قد سمح بتجاوز المعايير التي وضعها في أغلب الحالات، وتضمّن في طياته ما يُمكّن من نسف ما أقرّ به من ضمانات.

وتوقف عند أهميّة المحافظة على المبادئ والمعايير المقرّرة من دون تعقيد الشروط والمبالغة التعجيزية لكي يكون بالإمكان تطبيقها دون أي تجاوز أو استثناء. ولفت إلى أنّ الاقتراح أبقى على صدور التشكيلات القضائية بموجب مرسوم بناءً على اقتراح وزير العدل، وعلّق نفاذها إذا لم تصدر بمرسوم، على ورود المشروع إلى ديوان وزارة العدل خلال فترة شهر، الأمر الذي يمكن أن يعرقل النفاذ إذا لم يسمح الديوان بتسجيل الورود، وهو أمر أمسى واجب الإلغاء وجعل التشكيلات نافذة بمجرد صدورها عن مجلس القضاء الأعلى.

ثالثاً- التفتيش القضائي:

أنشأ اقتراح القانون هيئة التفتيش القضائي بشكل تفتقد إلى الاستقلالية، لأن جميع أعضائها تعينهم السلطة التنفيذية. وأبقى على صلاحية توقيف القاضي عن العمل في يد وزير العدل بما يتناقض والاستقلالية المنشودة ومبدأ الفصل بين السلطات.

رابعاً- معهد الدروس القضائية:

أوضح النادي أنّ فرض سنة تحضيرية سابقة على الدخول إلى المعهد وفق ما ورد في اقتراح القانون، من شأنه تعقيد الإجراءات وتضييع الوقت والجهد، إضافة إلى إيجاد نوع من عدم المساواة بين المرشّحين، إذ يمكن أن تشكّل هذه السنة التحضيرية سبباً لعدم تقدّم بعض الأشخاص، فقد لا يتمكن غير المقتدرين من التفرغ لها دون مقابل، خاصة من هم في طور العمل ويعتمدون على رواتبهم للعيش ولا يستطيعون التخلي عن مصدر رزقهم للالتحاق بالسنة التحضيرية. ورأى أنه من الأحسن إلغاء هذه السنة؛ كما المراكز الإداريّة التي أوجدها الإقتراح في المعهد والتي من شأنها تعقيد العمل عبر تعدد الصلاحيات، ودعا إلى إبقاء المراكز على حالها.

خامساً- حرية التعبير والتجمّع:

إنّ اقتراح القانون بعدما أعطى الحق في التجمّع عاد فقيّد ممارسته بحصر الأنشطة التي يمكن أن يمارسها، وحصر إمكانية إيصال أفكاره ومطالبه بالمجلس الأعلى للقضاء، ما يشكّل ضربة قاصمة لحرية التجمّع وحرية التعبير ويخالف المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان.

وفي الختام، شدد نادي القضاة على وجوب السعي إلى إقرار قانون يحقّق الاستقلال الفعلي للقضاء ويتضمّن الضمانات الأساسية التي تسمح بعمل قضائي يحقّق الغاية في دولة الحق والقانون، وذلك من خلال مطالبته بوجوب إعادة النظر في الاقتراح بمجمله والسماح لكل المهتمين بالمشاركة في وضع دقائق مواد القانون لكي يخرج بالصيغة المثلى.


MISS 3