ريتا ابراهيم فريد

معرض "زحلة بعدسة الزمن": ممرّ نحو المستقبل برؤية جديدة

16 كانون الأول 2023

02 : 05

الإعلامية والكاتبة نيكول صدقة
هي رحلة عبر الزمن، يتجوّل فيها الزائر بين مئات الصور القديمة والنادرة لمدينة زحلة من أرشيف الأستاذ إيلي أبو طعان. «زحلة بعدسة الزمن»، معرض تاريخي ضخم أقامته مجلة «أصداء زحلة» أمس الجمعة في كاتدرائية سيدة النجاة في زحلة، برعاية وحضور وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال محمد وسام المرتضى، وبالتعاون مع أبرشية الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك ومؤسّسة ميشال ضاهر. «نداء الوطن» تواصلت مع الإعلامية والكاتبة نيكول صدقة التي تحدّثت عن ظروف التحضير للمعرض، مشدّدة على أهمّية أن يتعرّف أبناء زحلة على تاريخ مدينتهم، خصوصاً جيل الشباب.

في أيّ ظروف بدأ التحضير للمعرض وكيف تمّ جمع المادّة الأرشيفية والصور؟

مدينة زحلة عاشت عصراً ذهبياً وماضياً عريقاً، إلا أنّ الكثيرين لا يعرفون ذلك عن مدينتهم. وبما أنّنا نعيش اليوم في عصر الصورة، فلندع هذه الصورة تتكلّم. ولنحاول أن نستقطب أكبر عدد ممكن من الجيل الجديد كي يتعرّفوا على تاريخ زحلة عبر الصور، من هُنا ظهرت الفكرة. وقد حاولنا منذ فترة أن ننشر صوراً قديمة لمدينة زحلة عبر مواقع التواصل الإجتماعي، فنالت تفاعلاً كبيراً يعكس الشغف للاطلاع على هذا التاريخ. فارتأينا أن نقيم معرضاً عن حقبات مختلفة لزحلة. وبالنسبة للأرشيف، هو يعود الى المصوّر الأرمني ختشادور وتلميذه الأستاذ حليم فاخوري، نسيب الأستاذ إيلي أبو طعان، وهو الذي ترك له هذا الميراث. وقد حافظ الأستاذ أبو طعان عليه طول خمسين سنة، وحماه من الرطوبة والتلف، وزوّدنا به اليوم لإقامة المعرض.

ماذا عن أبرز الصعوبات والتحدّيات التي واجهتكم خلال التحضير؟

التحضيرات استغرقت حوالى ستة أشهر، واحتاج الأمر الى جهد للبحث عن آلات لتظهير الصور، لأنّها تعتمد على تقنيات قديمة. المرحلة الصعبة كانت أيضاً خلال تقسيم الأرشيف وإدراجه بحسب التراتبية الزمنية للحقبات التي مرّت بها زحلة، وكيف تطوّرت عمرانياً، مروراً بمرحلة استقطاب السياح وبناء الفنادق. فهناك حوالى 350 صورة تمّ ترقيمها مرفقة بشرح لمعاني كلّ منها. احتاج ذلك الى أبحاث مكثّفة وعودة الى مراجع قديمة واستفسارات من كبار السنّ. فهناك صور تستعرض أهمّ الزيارات التي قام بها أدباء وشعراء كبار لمدينة زحلة، وشخصيات سياسية مثل الرئيسين بشارة الخوري وكميل شمعون وصائب بك سلام وكمال بك جنبلاط وغيرهم، للدلالة على الدور التاريخي الذي لعبته، إضافة الى أنّها كانت أول جمهورية في الشرق لها علمها ونشيدها الخاص. كما تتطرّق الصور أيضاً الى الأعياد الخاصة لزحلة، مثل مهرجان الزهور الذي بدأ عام 1936، وعيدها الكبير «خميس الجسد الإلهي»، من دون أن ننسى الأدباء والشعراء الذين خرّجتهم زحلة.



ملصق المعرض



ما أهمية أنّ يتعرّف أبناء زحلة على تاريخ مدينتهم، خصوصاً الجيل الجديد؟

شخصياً أرى أننا اليوم ما زلنا نستعمل رصيد الماضي. فزحلة عاشت عصراً ذهبياً نفتخر جميعنا به. انه عصر ضمّ كبار الشعراء والأدباء والمفكّرين وترافق مع تاريخ مجيد. على سبيل المثال، الفنادق في زحلة يعود بناؤها للعام 1870. لذلك لا بدّ من أن نتعرّف على هذا الماضي، لا كي نغوص في أغواره، إنّما كي نتعلّم منه ليكون ممرّاً نحو الحاضر والمستقبل برؤية جديدة، وكي نكمل المسيرة وتبقى زحلة المدينة الجميلة التي كان يلجأ إليها كل من يبحث عن العيش بكرامة. كي تبقى زحلة دار السلام ومدينة الكنائس، ومدينة الخمر والشعر. ولا بدّ من أن نحافظ على هذه الألقاب، وأن نستمدّ من الماضي جسر عبور نحو تأسيس مستقبل أفضل للشباب، وفرص عمل تشدّهم للبقاء في هذه الأرض.

في إطار برنامج الافتتاح، كان هناك وثائقي عن زحلة من إعدادك. كإعلامية وشابة زحلاوية، كيف تصفين شعورك وأنت تغوصين وتقلّبين المادة الأرشيفية بين يديك؟

حين نفضتُ غبار السنوات عن الأرشيف، شعرتُ بعبقٍ لا يمكن وصفه. مع الإشارة الى أنّ الوثائقي الذي قمتُ بتحضيره يتضمّن أكثر من 150 صورة، ترافقت مع أغنيات قديمة لزحلة. لا شكّ في أنّ الغوص في دهاليز الماضي والعودة الى لحظات جميلة من ذلك الزمن هو شعور رائع، مثلاً حين أطلقوا لجنة تمثال سيدة زحلة والبقاع، وكيف أحضروه وأقاموا الافتتاح. أو صورة الرئيس كميل شمعون حين قدّموا له عنقود عنب (الذي يرمز الى زحلة) وكيف وضعه في جيبه. بالفعل عدتُ عبر الأرشيف الى عصر الأمجاد، وكيف كان الجميع يداً واحدة. وأثناء تحضيري للوثائقي، تمنّيتُ لو استطعتُ الدخول الى بعض الصور كي أسمع أحاديث الشخصيات فيها، وكيف كانوا يفكّرون.

انطلاقاً من مشاركتك في التحضير لهذا الحدث التاريخي الضخم، ماذا تقولين للشباب اللبناني الذي يصارع الظروف الصعبة اليوم؟

صحيح أننا جيل التكنولوحيا، لكن من غير المقبول أن نبتعد عن ثقافتنا وتراثنا وتقاليدنا. أقول لهم أن يتمسّكوا بأرضهم مهما كانت الظروف. الأرض غالية ولن ندرك قيمتها وأهمّيتها إلا حين نبتعد عنها. أتفهّم ظروف كل من يبحث عن فرص عمل في الخارج، لكن إذا فكّر الجميع بالهجرة، من سيبقى هُنا؟ هذه أرضنا، وإن لم نواظب على العناية بها، لن تكون لنا. ومهما اشتدّت الصعاب، نحن مثل طائر الفينيق سننتفض من تحت الرماد. المهمّ ألا نستسلم.


MISS 3