مايز عبيد

مخاوف من عودة طرابلس ساحة صراع... ولِجان شعبية للحماية

18 حزيران 2020

02 : 00

لجان تساعد على ضبط الأوضاع

إختلطت المعايير في ثورة طرابلس وتداخلت العبارات، كما تتداخل الأحداث وتتشابك مع دخول العُنف عاملاً جديداً إضافياً عليها، حيث تتنوّع الجهات المسؤولة عنه، أو المُتّهمة به ربّما، وتتعدّد. ويتمّ تقاذف المسؤوليات بين فريق وآخر، بينما الجهة التي تملك قرار الحسم في تحديد الجهات المسؤولة، أي السلطة القضائية، لا تُعطي إجابات شافية تُريح الناس وتهدّئ من روع الشارع الطرابلسي.

في الشارع الطرابلسي وحديث الصالونات ورُوّاد المقاهي، كلامٌ كثير يُقال عن الجهات التي تقف وراء عمليات التخريب التي شهدتها طرابلس في السابق، ولا تزال مُرشّحة للاستمرار، خصوصاً وأن الإجراءات الردعية لم تتعدّ بعض التوقيفات والتصريحات، وبعض الوقفات التضامنية التي لا تأتي بحلّ.

يوزّع الشارع الطرابلسي والشمالي الإتّهامات والمسؤوليات في أكثر من اتجاه، يُصيب بشظاياه في الكثير منها، وتبقى معطيات محطّ تساؤلات، ترتبط بمجموعات المنتديات المحسوبة على بهاء الحريري وقوى "سرايا المقاومة" التابعة للأحزاب الدائرة في فلك "حزب الله" أيضاً، ومجموعات أخرى، بعضها محسوب على حزب "سبعة" وعلى الناشط الموقوف ربيع الزين وغيره، ومنها إلى الأطراف المُتضرّرة من توقيف شاحناتها، التي كانت تنقل المواد الغذائية إلى الداخل السوري عبر طرابلس.

الثابت والأكيد أن الأجهزة الأمنية العاملة على حفظ الأمن في نطاق طرابلس والشمال، لديها المعلومات الكافية عن هويّة مُفتعلي الأحداث ومن يقف وراءهم. لكن ما الذي يمنع من كشف الجهات المتورّطة بعد كشف الأسماء التي اعتُقلت؟ في هذا الصدد، يقول مصدر أمني شمالي مُطّلع لـ"نداء الوطن" أنه "بنتيجة التوقيفات التي حصلت على خلفية أحداث التخريب التي شهدتها مدينة طرابلس في الأيام الأخيرة، تكوَّنت لدى الأجهزة الأمنية مضبطة إتّهامية كاملة وملفّات موثّقة عن أسباب الأحداث ومُسبّباتها، وأُرسلت جميع هذه المعلومات إلى الجهة القضائية المختصة التي عليها أن تُصدر أحكامها وقراراتها بهذا الخصوص، وليس من مسؤولية الأجهزة الأمنية أن تفعل ذلك".

لجان شعبية للحماية

الكلّ دان ورفض ما حصل من تخريب في طرابلس، سواء من تلهج الألسنة باتّهامهم أم غيرهم. في المشهد نفسه كان لافتاً إعلان مجموعة حرّاس المدينة ومجموعات شبابية أخرى عن تشكيل ما سُمّي باللجان الشعبية المدنية لحماية المدينة وأهلها من التعدّيات. هذه الفكرة ذكّرت الناس بما كان يحصل إبّان تصاعد أزمة النفايات ونقل نفايات المناطق إلى طرابلس والشمال، قُبيل اندلاع الثورة. رئيس مجموعة حرّاس المدينة أبو محمود شوك يشرح لـ"نداء الوطن"، عن فكرة اللجان فيقول: "هي مجموعة من الشباب المُحبّ لطرابلس وتعوّدت عليهم الناس أيام الثورة وأُعجبت بأدائهم. هم لا يمارسون الشغب بالطبع ولا الإعتداء على الأجهزة الأمنية أو الممتلكات ووظيفتهم الأساسية إنسانية وليست أمنية، وطمأنة الناس والمؤسسات أننا إلى جانبكم". أضاف: "هناك مجموعات تدخل إلى الإحتجاجات السلمية في ساحة النور لتُمارس بعدها الشغب. إن مهمّتنا تفنيد هذه المجموعات والجهة المُوجّهة لها وتسليمها إلى القوى الأمنية. ما نعرفه أن من شارك في أعمال التخريب الأخيرة هي مجموعات جاءت من خارج طرابلس، منها من هو محسوب على الأطراف التي تمّ توقيف شاحناتها في طرابلس أخيراً فأرادت الإنتقام".

وفي وقت بدأت هذه اللجان عملها قبل ثلاثة أيام، وهي تملك بالفعل ثقة الطرابلسيين والحاضنة الشعبية، فإن أبو محمود شوك يعتبر أن عملها بعيد كلّ البعد عن الأمن الذاتي. ويقول: "مُجرّد أننا نُنسّق مع الجيش اللبناني والقوى الأمنية بتفاصيل الأمور، فهذا دليل قاطع على أننا نحتكم إلى الشرعية ولا نريد أمناً ذاتياً. نحن نساعد في ضبط الأوضاع في طرابلس، ونمنع تشويه صورة الثورة في عروسها".

وعن اتّهامه بأنّه يتواصل مع السفارة التركية ومخابراتها يقول شوك: "كفى اتهاماً للناس. من يتّهمنا فليُحضر دليلاً واحداً أو رسالة أو اتصالاً يؤكّد ما يقول وعندها نقبل الإتّهام. هذه اتّهامات لِحَرف الأمور عن مسارها الصحيح ونحن معروفون من نحن".

لطالما قيل وكُتب عن طرابلس بأنها ساحة صراع داخلي وإقليمي أيضاً، وصندوق بريد لتوزيع الرسائل في كلّ الإتّجاهات. اليوم تزداد المخاوف من عودة المدينة الى لعب نفس الدور بما يُشبه زمن حرب الجبل والتبّانة وجولات العنف الإحدى والعشرين التي تكرّرت، ودفعت المدينة وأهلها الأثمان من اقتصادها وانمائها، خصوصاً وأن الظروف الداخلية والإقليمية اليوم أشبه بتلك المرحلة، لا بل أكثر وأدقّ صعوبة وتعقيداً.


MISS 3