جان كلود سعادة

كل لبنان وأنتم بخير

20 كانون الأول 2023

02 : 00

بينما لا يزال بعض الرومانسيين يحلمون بإعادة بناء لبنان وتخليصه من قبضة المنظومة المجرمة بهدف قيام دولة حديثة وديمقراطية وعادلة فيه، كانت أركان الإنقلاب على "لبنان الفكرة" ولبنان الدولة تكتمل واحدة تلو الأخرى. فالتغيير أصبح واقعاً يومياً ولكنه تغيير نحو "شيء آخر" مختلف تماماً عمّا حلمنا به وعملنا من أجله.


1 – التغيير الديموغرافي يتسارع وتساهم فيه أزمة النزوح ومشاكل المنطقة ومشاريع السيطرة وخطة سرقة اللبنانيين وتيئيسهم بهدف دفعهم إلى الهجرة أو التقوقع.


2 – التغيير السياسي أصبح ضرورياً وواجباً بعد وصول النظام اللبناني إلى حالة "الكربجة" التامّة. فتداول السلطة معطّل منذ عقود، والدولة مستقيلة من واجباتها ومن حقوقها، والتشريع مفخخ والقضاء معطّل ومركز الحكم الفعلي ضائع بين حطام الجمهورية القديمة وسلطة الأمر الواقع.


3 – التغيير الإقتصادي حصل بقوة البونزي والفساد الممنهج والسرقة "المؤسساتيّة" الذين جرفوا النظام الإقتصادي القديم وأقاموا مكانه "مزرعة المافيا للتبييض والكاش"، وطبعاً لا ننسى الفساد والتهريب والرشوة والإختلاس وكافّة أنواع الجرائم المالية. فتسلسل الأحداث والحوادث بات يوحي أن نظرية المؤامرة ليست مجرّد وهم وخرافة، بل كان هناك خطّة ما لتدمير دور لبنان عبر مجموعة من الممارسات والضربات التي لعب فيها أهل البلد أدواراً رئيسية ومتقدمة. فالحرب وما بعدها أدَت إلى هجرة متواصلة للمهارات والأدمغة ترافقت مع ضرب منهجي لجميع القطاعات المنتجة والتي تميّز بها لبنان حتى وصلنا أخيراً إلى تزيين التدمير الذاتي للقطاع المصرفي عبر الجشع والسرقة والإحتيال وفقدان الثقة. ترافق ذلك مع تدمير مرفأ بيروت والعاصمة نفسها في جريمة مروّعة أرادوا لها أن تبقى غامضة ومجهولة الفاعل والمتسبب.


4 – التغيير الفكري والتحلل الأخلاقي سبق ورافق موجات التغيير الأخرى. فعندما ضاعت البوصلة الكيانية والسياسية للبلد كان قد سبقها فقدان شبه كامل للشعور الوطني والأخلاق والرؤية. والدليل على هذا التحلل في القيم لا يحتاج إلى برهان علمي ومحسوس بقدر ما تظهره مجرّد نظرة سريعة حولنا إلى حالة كافة المؤسسات الدينية والتربوية والقانونيّة والوطنية والمندركات التي وصلت اليها إن من حيث الفكر أو من حيث الممارسة.


على خط موازٍ كانت مشاريع التسلّط والمتاجرة بالحقوق والتناحر السياسي العقيم تقضي على ما تبقى من البلد وتساهم في إكتمال أركان الإنقلاب على دولة لبنان القديم، والدفع نحو زوالها لقيام شيء آخر لا يشبه الأحلام الضائعة ولا الطموحات ولا ينتمي حتماً إلى عالم المستقبل.


في النهاية، ليست هذه نظرة تشاؤميّة إلى حال البلد بل محاولة لإزالة غشاء الوهم ومسح المساحيق وإسكات الضوضاء ولو للحظات، فنكتشف حقيقة الخراب الذي وصلنا إليه ونلمس عمق الجرح الذي حفره هوس السلطة والمال، ونشهد معاً على النتائج الباهرة لحروب الطواحين التي إنتهت إلى طحن البلد وتفتيته. كلّ لبنان وأنتم على ما أنتم عليه، فهذه حقيقتكم.


(*) خبير متقاعد في التواصل الاستراتيجي            

MISS 3