جورج العاقوري

"الشيطنة" الممنهجة لعلاقة "القوات" بـ"الجيش"

20 كانون الأول 2023

02 : 00

في خضم «الحرب الشعواء» التي شنّها «التيار الوطني الحر» ورئيسه النائب جبران باسيل على قائد الجيش العماد جوزاف عون ومسار التمديد له واللاعبين السياسيين الذين دفعوا بهذا الإتجاه، عاد العونييون إلى استحضار سرديتهم المستدامة عن العلاقة السيئة بين «القوات اللبنانية» والمؤسسة العسكرية. علاقة خضعت لـ»شيطنة» ممنهجة في إطار التشويه المستدام لصورة «القوات».

في الأساس، «القوات» ولدت في زمن الحرب كذراع عسكري لـ»الجبهة اللبنانية» ومن رحم خماسية: «الكتائب»، «الأحرار»، «حرّاس الأرز»، «التنظيم» وجزء من الشارع المسيحي غير الحزبي. هذه الأحزاب كانت تاريخياً متعاطفة مع الجيش لا بل إنّ «التنظيم» ساهم في تأسيسه وتدريبه ودعمه ضباط الجيش اللبناني. كما أنّ الشارع المسيحي يرتبط بالمؤسسة العسكرية إرتباطاً وجدانياً إلى جانب الإرتباط الوطني.

بيئة «القوات» قبل نشأتها وقبل الحرب كانت رأس حربة في التظاهرات المؤيّدة للجيش بوجه تلك المؤيّدة للقضية الفلسطينية وسلاحها وأولويتها على ما عداها. أما في زمن الحرب، فما يعرف بـ»المنطقة الشرقية» التي كانت تسيطر عليها «القوات» هي من كانت تحتضن مقرّات الجيش وعلى رأسها وزارة الدفاع حيث كانت تعمل بأريحية. كما أنّ ضباطاً كثراً كانوا يعملون في صفوف «القوات» ومن بينهم الجنرال ميشال عون الذي كان من فريق قائد «القوات» الرئيس الشهيد بشير الجميل في معركته الرئاسية والذي في الأساس شارك في معارك عدة منها دوره مدفعياً في معركة تل الزعتر. الإشكالات في زمن الحرب مع الجيش اللبناني، لم تكن محصورة بـ»القوات» وربما كانت معها محدودة نسبياً ما قبل 1988. فالجميع يذكر العلاقة مع حركة «أمل» و»6 شباط 1984»، كذلك مع «الاشتراكي» ومعارك الشحار في 14 شباط 1984 وأيضاً مع «حزب الله» والسيطرة على ثكنة «الشيخ عبدالله» في 3 ايلول 1983 ومسلسل إغتيالات ضباط الجيش اللبناني في النصف الثاني من الثمانينات ومنهم قائد قاعدة رياق الجوية العقيد سليمان مظلوم في 2 حزيران 1985.

أمّا مع وصول العماد ميشال عون إلى بعبدا على رأس الحكومة الانتقالية، فحربا الإلغاء بنسختي 14 شباط 1989 و31 كانون الثاني 1990 لم تكونا مع الجيش اللبناني كمؤسسة بل كأداة بعدما حوّلها عون إلى «حصان طروادة» لطموحاته بكرسي الرئاسة وكبّدها خسائر تفوق أي فواتير جراء مواجهاتها مع الميليشيات.

في زمن «الانقلاب على الطائف» بعد العام 1990، دفعت «القوات» ثمن الهيمنة على «الجيش» وتحويله إلى «عدّة الشغل» للنظام الأمني اللبناني – السوري. فكان التضييق عليها والتوقيفات التي بلغت حدّ وفاة أحد قيادييها فوزي الراسي تحت التعذيب في وزارة الدفاع وصولاً إلى تشريع سجن الوزارة «على شرف» قائد «القوات» سمير جعجع.

وفي كلا محطتي زمن عون الـ1988 وزمن «الانقلاب على الطائف» بعد العام 1990، لم تواجه «القوات اللبنانية» الجيش اللبناني بقدر ما واجهت أطرافاً إستغلوا الجيش خدمة لأجنداتهم. بناء على ما تقدّم يمكن فهم طبيعة نظرة «القوات اللبنانية» لـ»الجيش اللبناني» وعلاقتها به. لكن ما الذي دفع «القوات» اليوم إلى الإستشراس في التمديد لـلعماد جوزاف عون وأخذ تأمين النصاب بصدرها غير آبهة بما حكي عن أنها تراجعت عن مبدأ عدم التشريع لأن مجلس النواب تحوّل هيئة ناخبة أو أنها إنهزمت أمام الرئيس نبيه بري؟

أ- رفض تعيين قائد جيش جديد وكأن الحياة مستمرة بوجود رئيس للجمهورية أو عدمه.

ب- الخوف من أن يكون أي قائد جيش جديد على شاكلة الحكومة التي ستعيّنه ذات اللون الواحد المتخمة بالزبائنية. تالياً، هاجس إمكان العودة إلى مرحلة التسعينات والإضطهاد.

ج- التمسك باستقرار المؤسسة العسكرية والدور الذي تلعبه رغم الإنهيار الكبير.

يوم عيّن الرئيس ميشال عون في 8 آذار 2017 العميد الركن جوزاف عون قائداً جديداً للجيش بعد ترقيته إلى رتبة عماد، تحفّظ وزراء «القوات» في الحكومة على الطريقة التي كانت أشبه بفرض إذ لم تطرح أي خيارات أخرى على الوزراء ولم يتم إطلاعهم على أي سيرة ذاتية له (CV)... أما اليوم فاختبروه في أكثر من محطة مفصلية أو حادثة مستنسخة عن زمن النظام الأمني من حراك «17 تشرين» إلى أحداث «الطيونة - عين الرمانة» في 14 تشرين الاول 2021 إنتهاء بحادثة «القرنة السوداء» في 1 تموز 2023.

قد يعتبر بعضهم أنّ هذه الأسباب أشبه بطوباوية ولكن إصرار «القوات» على عدم إنهيار مؤسسة الجيش نابع إلى جانب ما تقدم من ريبتها من تكرار سيناريو 1975 يوم فرط الجيش ومن إدراكها ان وجود جيش قوي يحتكر حصرية السلاح هو شرط أساسي في مشروعها «العبور إلى الدولة». فحسابات «القوات» أبعد من تسجيل نقاط على جبران باسيل بقدر ما هي ربح جولة في مسيرة تحرير الدولة من قبضة «الدويلة».


MISS 3