بشارة شربل

مونتسكيو و"التفسير المستحيل"

1 آب 2019

01 : 22

صار ملحّاً الطلب الى فخامة الرئيس وصهره العزيز تنظيم المفاجآت رأفة بضعاف القلب من اللبنانيين.

فالأول صدم الناس بالامتناع عن توقيع "الموازنة اللقيطة" ثم أفرج عنها مرفقة برسالة لتفسير المادة 95 دبّجها وزير البلاط المستحق عن جدارة لقب "مونتسكيو قصري بعبدا والمهاجرين".

والثاني واكبها بتهديد صريح للمسلمين، إن لم يسلّموا بتفسيره للمناصفة، وهو عبارة من ثلاث كلمات جوهريات "لدينا خيارات أخرى".

وعلى أساس ان المعنى في قلب الشاعر، لم يشرح الوزير باسيل مقصده للعوام. لذا، ربما اعتقد ان مسيحيين كثيرين سهروا الليل يحلمون. هذا بتقسيم مريح يزيح كابوس الثلثين. وذاك بسويسرا الشرق ممزوجة بلاس فيغاس، فنقامر حتى الفجر على وقع الراقصات والمغنين، ثم ننام مطمئنين هانئين.

واقع الأمر اننا بتنا في حيرة من أمرنا. فهل تستحق الفقرة المتعلقة بناجحين مستحقين سلَّ سيوف تعديل الدستور والتهديد بما لا تحمد عقباه، أم ان استحالة استمرار تعطيل الحكومة بطلب من المشغِّل الرئيسي وحليفه الدمشقي واستعصاء كسر وليد جنبلاط دفعا الصهر والرئيس الى الخطة "باء" المتمثلة باختلاق أزمة دستورية كبرى تغطي بدخانها حادث قبرشمون ومطلب "المجلس العدلي؟".

في كل الحالات، فإن الرسالة الموجهة الى شيخ اللاعبين في البرلمان، وكلام باسيل الموحي بأن المخفي أعظم من الظاهر، ينقلان الأزمة التي نرزح تحتها الى مرحلة أكثر ايذاء كونها تعيد فرز اللبنانيين، من المصدر هذه المرة، اي على أساس الانتماء الطائفي والذاكرة المليئة ببشاعات الحرب وبهواجس الأقليات الحاضرة للإشتعال من جديد اذا وجدت ناقراً مناسباً أو محركاً احترف القنص على خطوط تماس الطوائف والمخاوف.

لن يفسر مجلس النواب المادة 95 وعبارة "حسب مقتضيات الوفاق الوطني" حسب رسالة عون ورغبة باسيل. والمرسل يعلم ذلك بلا أدنى شك. أولاً، لأن المسلمين في لبنان ليسوا جمعية خيرية تعطي بلا مقابل، ولا يمكنهم ان يكونوا في هذه القضية مقسومين مهما اعطى "حزب الله" العونيين من طرف اللسان حلاوة. وثانياً، لأن فتوى الوزير جريصاتي في هذا الشأن ليست أكثر من اجتهاد يقابله اجتهاد يساويه في منعة تفسير النص، ويفوقه في الاستناد الى عُرْفِ ثلاثة عقود صار بفعل التطبيق وموازين القوى، بمثابة نص دستوري.

أسوأ ما يمكن ان يكون الرئيس والوزير باسيل فكرا فيه هو ان تكون حاجة "حزب الله" الاستراتيجية لغطائهما المسيحي في مرحلة اقليمية دقيقة، تتيح لهما الدخول الى ملعب الدستور الفسيح وانتزاع ما يعزز وضعهما المسيحي من خلال الضرب على وتر حساس لدى المسيحيين.

انه توجه خطير لمجموعة أسباب أهمها اعلانه بلا لبس أن "اتفاق الطائف" لم يعد اطاراً يصلح لعيش كل اللبنانيين، وتحويله المسيحيين من شركاء طبيعيين الى أقلية متوترة تبحث عن حق تقرير المصير.


MISS 3