طوني فرنسيس

"الحزب" خلف الدولة

23 كانون الأول 2023

02 : 00

ما المخرج من الإشتباك اليوميّ على طول الحدود اللبنانية الجنوبية؟

حتى الآن لم يتضح تماماً المغزى أو المعنى أو الهدف الذي يمكن الوصول إليه من وراء قرار «حزب الله» فتح الجبهة. صحيح أنّه قرّر «مساندة» معركة «حماس» والفصائل الفلسطينية في غزّة، ولا يريد المغامرة بأكثر من محاولة إشغال القوات الإسرائيلية وتحويلها من غزّة إلى الشمال، إلا أن شروطه للمعركة التي نجح فيها نسبياً، قد لا تكون مقبولة في وقت لاحق. وهذا الوقت، على ما يبدو يضيق بسرعة.

طرف رقصة التانغو الحدودية المكلفة، الآخر، نتنياهو وحكومته وجيشه ومستوطنوه لا يبدو أنهم يرغبون بإكمال المسلسل الحدودي في الوتيرة نفسها. هم عبّروا عن رغباتهم وكشفوا عن خططهم أكثر من مرة، قبل غزّة وبعدها، وقالوا إنّهم لن يستمرّوا في التعايش مع التهديد الجاثم في الشمال. قالوا ذلك في السابق، والآن باتت تهديداتهم أكثر حدةً. وهي لا تصدر في ظروف «عادية» أو عن «أشخاص» طبيعيين. إنها حصيلة مناخ إسرائيلي عام أصيب بصدمة وجودية مع هجوم «حماس» في «7 اكتوبر» الذي يقارنه الصهاينة ببيرل هاربر و بـ11 أيلول الأميركيين، ليكسبوا المزيد من عطف أميركا، وبالهولوكوست ليضمنوا ولاء أوروبا. وهو أيضاً حصيلة صراع السلطة والبقاء بين نتنياهو ومنافسيه، والنتيجة العملية لكلّ ذلك المزيد من الحروب القاتلة التي لا تنتهي في غزّة، واستعداد لاعتبار لبنان غزّة ثانية وشنّ حرب ضدّه بأمل وضع حد لمعركة حزب الله المحدودة في مساندة القطاع، ولأي تهديد قد يشكّله هذا الحزب في المستقبل.

التهديد العدواني جدّي إلى أقصى الحدود وليس أمام حزب الله في الظروف القائمة سوى الاستعداد للإرتطام الكبير، وليس أمام لبنان سوى المزيد من الدمار والخسائر والضحايا.

في كلّ هذه الصورة السوداوية توجد احتمالات أخرى لإنقاذ لبنان من الحرب الكبرى. المساعي الفرنسية والأميركية جزء أساسي منها لكنها لا تكفي. صحيح أنّ مرجعية هذه المساعي هي في القرار 1701 والقرارات ذات الصلة، لكن الشائع أكثر أنها تنطلق من المطلب الإسرائيلي في إبعاد حزب الله كقوة عسكرية عن الحدود.

القرار 1701 ينصّ على ذلك، ولكنّه ينصّ على أشياء أخرى تحصّن لبنان، بدءاً من قضية المزارع وصولاً إلى وقف الخروقات الإسرائيلية كلياً فإلى إظهار الحدود وتثبيتها نهائياً.

في الوضع الراهن يبدو «الحزب» عالقاً بين خطابه الغزاوي والتزامه بالحرب المحدودة، فيما لبنان الرسمي ينتظر ما سيقرره الآخرون، خصوصاً في الحكومة الإسرائيلية. الحكومة اللبنانية التي تنصّلت من حرب الحدود وتحوّلت صندوق بريد في أفضل الحالات لا يمكنها الاستمرار على هذا النحو. إنها فرصتها الآن أن تعدّ ورقة صريحة بمطالب لبنان بالإستناد إلى القرار 1701 الذي تبنّاه ويتبنّاه الجميع، فربما تكون هذه الورقة مخرجاً للجميع، بما في ذلك الحزب الذي أعلن أمينه العام مراراً أنه يسير خلف الدولة.


MISS 3