لا يكف المحامي الإيراني المعروف صالح نيكبخت عن المزاح لتخفيف وقع مواقفه اللاذعة بشأن إيران ووضع حقوق الإنسان المزري في بلده، فيقول: «في إيران لديّ حرية التعبير، لكني لا أتمتع بالحرية نفسها بعد التعبير عن آرائي». منذ أكثر من سنة، أصبح نيكبخت (71 عاماً) محامي عائلة مهسا «جينا» أميني (22 عاماً) التي توفيت في 16 أيلول 2022 بسبب مظهرها الذي اعتُبِر «غير إسلامي بمعنى الكلمة». كان موتها كفيلاً بزعزعة البلد كله.
تُعتبر موجة الاحتجاجات التي اجتاحت إيران، بعد وفاة تلك الشابة الإيرانية التي كانت من أصل كردي، الأقوى والأطول في تاريخ الجمهورية الإسلامية. ولم تكن حملة القمع التي استهدفت المجتمع كله وأسفرت عن مقتل 525 مدنياً كافية لثني عائلة أميني ومحاميها عن المطالبة بتحقيق العدالة.
في بداية كانون الأول، منعت أجهزة الأمن الإيرانية والدَي مهسا أميني من مغادرة إيران إلى فرنسا لتلقي جائزة «سخاروف» لحرية الفكر التي يريد البرلمان الأوروبي تقديمها إلى ابنتهما وحركة «المرأة، الحياة، الحرية». وحده محاميهما نيكبخت سُمِح له بمغادرة البلد. في 12 كانون الأول، قرأ نيكبخت باللغة الكردية رسالة والدة مهسا أميني، موجغان إفتخاري، التي كتبت ما يلي: «الألم الذي أعيشه بسبب موت جينا لن يزول، وهي خالدة بالنسبة إلى سكان العالم أجمع. أنا أؤمن بأن اسمها سيبقى رمزاً للحرية، إلى جانب اسم جان دارك».
لكن خضع نيكبخت، عند عودته إلى إيران في 22 كانون الأول، لاستجواب طويل في مطار الإمام الخميني الدولي في طهران. صودر هاتفه، وحاسوبه، وجواز سفره، وجائزة «سخاروف». أخبره المسؤولون هناك بأنه قد يدخل قريباً إلى سجن «إيفين»، في شمال طهران، حيث سيقبع لمدة سنة. أُدين هذا الخبير القانوني بتهمة إجراء مقابلات مع وسائل إعلام في إيران والخارج لانتقاد طريقة تعامل السلطة القضائية مع وفاة مهسا أميني.
قال نيكبخت في لقاء معه في باريس قبل مغادرته إلى إيران: «قادة الجمهورية الإسلامية حساسون جداً تجاهي. هم يطلبون مني ألا أجري أي مقابلات مع وسائل الإعلام، لكني سأتابع فعل ذلك حتى لو كلّفني الأمر حياتي».
في بداية تشرين الأول 2022، أعلنت الإذاعة الإيرانية أن وفاة مهسا أميني ناجمة عن مشاكل صحية سابقة. لكن رفض نيكبخت هذه الاستنتاجات في بعض وسائل الإعلام. في اليوم التالي، بدأت وسائل الإعلام التابعة للنظام والسلطات في طهران تُهدد المحامي بالانتقام منه. سمحت مثابرة عائلة أميني ونيكبخت للإيرانيين والرأي العام العالمي برؤية انتهاكات حقوق الإنسان في إيران.
تعرّض المحامي شخصياً للاعتقال في مناسبات متكررة، بدءاً من عهد محمد رضا بهلوي، الشاه الإيراني الأخير الذي أسقطته الثورة في العام 1979، ثم في عهد الجمهورية الإسلامية، بسبب نشاطاته الصحفية والسياسية. لكنه لم يفكر يوماً بمغادرة إيران رغم جميع المخاطر التي يواجهها، فيقول: «شجّعني عدد كبير من أصدقائي على الرحيل. لكني أريد البقاء في إيران. حتى لو كنتُ لا أفيد الناس، لن أُمْلِي عليهم ما يجب فعله من مكان بعيد على الأقل».
يتابع صالح نيكبخت انتقاد السياسات الغربية تجاه إيران. هو يظن أن العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلد تُفقِر الإيرانيين العاديين، من دون التأثير على الأشخاص المقرّبين من النظام، إذ «يعيش هؤلاء بكل هدوء في كندا، وأوروبا، والولايات المتحدة. يُفترض أن يطالب الغرب الجمهورية الإسلامية، خلال مفاوضاته مع إيران بشأن البرنامج النووي، بسماع مطالبات الشعب على مستوى الحريات السياسية والديمقراطية».
رغم حملة القمع التي تستهدف المعارضين، واستمرار الأعمال الانتقامية ضد أي مرأة لا ترتدي الحجاب، وتفاقم المصاعب الاقتصادية مع مرور الوقت، لا يزال صالح نيكبخت متفائلاً، فيقول: «بعد موت مهسا أميني، تغيّرت إيران كثيراً. انضم الإيرانيون من جميع أنحاء البلد إلى حركة «المرأة، الحياة، الحرية». لقد انتفضوا، لا ضد ارتداء الحجاب الإلزامي فحسب، بل تحركوا أيضاً للمطالبة بالحريات السياسية والفردية». من وجهة نظره، تأثرت العائلات المحافِظة بالأحداث الأخيرة أيضاً. هو يتساءل في النهاية: «كيف ستتعامل الجمهورية الإسلامية مع الأشخاص الذين ما عادوا يفكرون مثلها؟ أنا أثق بإمكانية بناء مستقبل ديمقراطي في بلدي».