سامي نادر

دراما إقتصادية على هامش صندوق النقد

22 حزيران 2020

02 : 00

لا يبدو أن أهل السلطة على عجلة من أمرهم. المفاوضات المفترض ان تكون ماراتونية مع صندوق النقد لم تتخطَ بعض الأمتار. الإقتصاد اللبناني يشبه ذاك المريض الذي يختنق، والأطباء المولجون إنقاذه مختلفون في الظاهر على تشخيص المرض العضال. وبدل الإنكباب على المعالجة، يتقاذفون التهم، والأرقام، أما ضمناً فهم متفقون على إبقاء الخلاف، وعملياً على قطع الطريق على صندوق النقد.

لا يبدو أبداً أن السلطة بركنيها السياسي والمالي ترحب بالمؤسسة الدولية. الأحزاب النافذة لا تريد الإصلاحات، ترفض الخطوات المسبقة التي يطالب بها صندوق النقد. تريد إصلاحاً على القياس، إصلاحاً لا يمس بامتيازاتها على مرافق الدولة والإقتصاد، ولا بمواردها بعدما أضحت بعض القطاعات المرتبطة بالوزارات "الخدماتية" مصادر تمويلها الأساسية. كيف لا؟ ومنذ حرب اليمن وانهيار سعر النفط، جُففت مصادر التمويل السياسي الذي طالما تدفق من الخليج العربي/ الفارسي.

أما السلطات النقدية اللبنانية فليست مستعجلة أبداً على فتح دفاترها والكشف عن حساباتها. أرقام "لازارد" لم ترق لها، حتى لو راقت لصندوق النقد الذي أكد أنها الأقرب لتوقعاته. شركة الإستشارات الدولية فتحت علبة باندورا، كشفت المستور في المصارف وفي ميزانية مصرف لبنان. كسرت قدس الأقداس: السياسة النقدية لحاكم مصرف لبنان الذي صفق له وبالإجماع ليس في الخارج فحسب، إنما في الداخل أيضاً، فجُدد له لثلاث ولايات متتالية، بموافقة الجميع من دون استثناء وعلى رأسهم من ينتقده اليوم، أبطال حملة "إسقاط حكم المصرف".

وضعت لازارد على المشرحة سياسة تثبيت سعر الصرف وكلفتها على الإقتصاد ومسؤوليتها في تمويل الفساد. حسناً فعلت، لكنها وقعت في الفخ. علقت في شباك نظام المحاصصة الخاضع لصراعات الإقليم. أخذت منها أحزاب السلطة ما يناسبها من إصلاحات، وأغرقت أهمها، بالعموميات. هكذا قفزت ورقة لازارد أو ما أخذ منها فوق الإصلاحات الهيكلية المتعلقة بالمالية العامة وبقطاعات الإنتاج. لم تذكر بالتفصيل الدقيق، أسوة بما فعلت على المستوى المصرفي والنقدي، كيف صرفت تلك الأموال التي ابتلعت ودائع المقيمين والمغتربين. لم تفصل النفقات الحكومية ولم تقم بدراسة جدواها، حتى تتضح كيفية ترشيد الإنفاق وتحديد وسائل وآليات مكافحة الفساد.

والآن وبعدما فشلت التسويات وفرغت صناديق المحاصصة، لم يبق أمام أهل النظام إلا الديون وهي غير قابلة للتحاصص. فانتقلوا إلى اللعبة التي يجيدون: تقاذف التهم، وللرياضة التي يتقنون: الهروب إلى الامام. تذكروا أن هناك قلة قليلة من المال في آخر درج في مصرف لبنان. فلس الارملة وهو بالكاد يكفي لتمويل حاجات البلد الصغير من غذاء ودواء لأسابيع قادمة. هذا الرصيد من العملات الأجنبية هو في الواقع ما تبقى من أموال المودعين المتبخرة. قيل إنها تساوي 20 مليار دولار علماً أن آخر تقرير لـ"فيتش" في آخر شهر من العام الفائت قدرها بأقل من ذلك بكثير (فهل من يذكر). فجأة شُحذت الهمم، وعَلا الصراخ من كل حدب وصوب، يطالب مصرف لبنان بضخ الدولار في الأسواق... تماماً كما جرت العادة في السابق ولم يكن هناك بعد قانون قيصر... مصرف لبنان رضخ للغضب المتفلت في الساحات...وضع المنصات...أصدر التعاميم، واحداً تلو الآخر...حدد سعر الصرف...إكتمل المشهد...لم يبق سوى انتظار تدفق الدولار...وإن اتضح أنه نفد، فعلاً نفد ...لا ضير، يبقى الأمل أنه قد يأتي من الصين يوماً.


MISS 3