عماد موسى

من يفهم على حمد؟

23 حزيران 2020

10 : 00

أكتب باللغة العربية منذ أكثر من ثلاثة عقود كصحافي. ومنذ أن وعيت وأنا أقرأ، وأحياناً ألتهم الكتب من كل الأنواع: شعر. فلسفة. تاريخ. رواية. سيَر. نقد أدبي. سياسة. دين. وبتواضع حقيقي أقرّ أنني كوّنت، بعد هذا العمر، معرفة معقولة تؤهلني أن أقرأ وأفهم أي نص، أو على الأقل هذا ما ظننته، إلى أن واجهت هذه التحفة السوريالية بقلم وزير الصحة العامة الدكتور حمد حسن: "شحّت بشائرُ الرغد وضاقت السبل في دوامة القهر، ضاربة بالمُثُلِ عند أنين الفقر وشماتة الدهر، فلامست شفير سواد ما نخشى، حتى ابتُلينا بغشاوة البصيرة غضباً ضارباً بكل ألوان الحياة والحياء، ونال منه الأبيض الناصع عزاً نصيب الإفتراء رغم المدح والثناء"، ضيعان العلم بي. ذهب تعب أعوامي سدى وبات علي أن أبدأ من جديد لأفهم على حمد.

وأحمد الله، بعد هذا العمر الرذيل، أن بنيتي سليمة أمتحنها يومياً بضرب "المعدور" في الأرض لتحسين وضعية "التلم الأعوج"، وأمتحن قوة ساعديّ في اقتلاع الحجارة المغروزة في الجلّ، وفي حمل قناني الغاز بيسر عندما يتعطل المصعد، وفي قدرة معدتي على طحن كل ما يضرّ ويؤذي الجهاز الهضمي. صحتي، كما صحة معظم اللبنانيين ممتازة وما عرفت السبب إلاّ يوم الأحد الماضي، "الصحة ممتازة بفضل الجيش والشعب والمقاومة"، كما قال المفوّه حمد حسن.

هذا اكتشاف خارق يا حمد! أسرِع وسجّل براءته عند الأخ المجاهد راوول نعمة في وزارة الإقتصاد والتجارة، كي لا تسرقه شركات الأدوية الأميركية، ويمكن تطوير ما اكتشفته وتحويله إلى لقاح ثلاثي إلزامي للمواليد الجدد، فمع ولادة كل طفل يعطى 2 مل بالـ piqûre، "شعب جيش ومقاومة"، ما يكسبه مناعة طول العمر.

قول حمد بن شدّاد المحمول على الأكتاف حمّال أوجه، أو بمعنى آخر، يصلح لعدة إستعمالات. فإن ضربتنا، بعد الكوفيد-19، الحمى المالطية، فكيف نقضي عليها؟ بـ"الشعب والجيش والمقاومة". أطلّت الفتنة بقرنيها قرب كنيسة "التفاهمات العميقة"، فوراً ومن دون إبطاء نسحب تعويذة " شعب وجيش ومقاومة" ونئدها في مهدها.

طلع الدولار طلعته. وصل إلى العشرة آلاف كيف نتصدى له؟ بإصلاح هيكلي؟ باستعادة ثقة المجتمع الدولي؟ بتحسين العلاقة مع الدول الكريمة؟ لا. بقناعة حمد أن الثلاثية الماسية ستوقف عدوان الدولار ومؤامرة الدولار، كما ستمنع أن يتطور الخلاف بين علي حسن خليل وغازي وزني إلى حفلة شد الشعر. كل ذلك بفضل معادلة "الشعب+ الجيش+ المقاومة" السحرية، وإلى الإكتشاف العجائبي رمى وزير الصحة في مهرجان بعلبك جملة إعتراضية بزعمه أن "رغم كل الصعاب والتحديات والآهات، نعرف من أين تؤكل الكتف" مرة جديدة، رغم ثقافتي ونباهتي وتأوهاتي مش عم أفهم على حمد.


MISS 3