أندو ف. كريبينفيتش جونيور

حان وقت الإستعداد لحرب طويلة مع الصين

5 كانون الثاني 2024

المصدر: Foreign Affairs

02 : 00

صواريخ صينية باليستية عابرة للقارات خلال العرض العسكري بمناسبة الذكرى السبعين لتأسيس جمهورية الصين الشعبية | بكين، 2019

خلال العقد الماضي، انتقل احتمال العدوان العسكري الصيني في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ من عالم الفرضيات إلى غرف المخططين الدفاعيين الأميركيين. سرّع الزعيم الصيني شي جين بينغ الحشد العسكري المحلي الذي أصبح في عقده الثالث اليوم. في الوقت نفسه، أصبحت الصين أكثر قوة في مساحة واسعة من المحيط الهادئ، فباتت تجاهر بمطالباتها البحرية التوسعية وتخترق المساحات المائية التابعة لأهم حلفاء واشنطن وشركائها الأمنيين، بما في ذلك اليابان والفيليبين وتايوان. أكّد شي مراراً ضرورة ضمّ تايوان إلى الصين، ورفض التخلي عن خيار استعمال القوة لتحقيق ذلك الهدف. وفيما تنشغل الولايات المتحدة بحروب كبرى في أوروبا والشرق الأوسط، يخشى البعض في واشنطن أن تستغل بكين الفرصة لتحقيق جزء من طموحاتها الرجعية عبر إطلاق عملية عسكرية قبل أن يتمكن الغرب من إبداء أي ردة فعل.



بما أن الصين والولايات المتحدة تملكان ترسانة نووية، يخشى عدد كبير من الخبراء الاستراتيجيين وقوع نتيجة كارثية من نوع آخر. هم يتوقعون اندلاع حرب مباشرة بين هاتين القوتَين العظميين، ما يؤدي إلى تصعيد الوضع بدرجة خارجة عن السيطرة. إذا تحقق هذا السيناريو، قد يحاول أحد الطرفَين العدائيَين أو كلاهما معاً التفوق على الطرف الآخر بشكلٍ حاسم بعد إطلاق هجوم أولي أو اندلاع صراع مسلّح، أو ربما يحاولان تجنب انتكاسة حادة عبر استعمال قوة مفرطة. قد تكون هذه الخطوة تقليدية، لكنها قد تدفع الخصم إلى استخدام الأسلحة النووية، ما يعني بلوغ نهاية كارثية. قد يصبح أيٌّ من هذه السيناريوات ممكناً، ويُفترض أن يأخذها صانعو السياسة الأميركية على محمل الجد.

لكن يبرز احتمال مختلف بالكامل أيضاً، وهو سيناريو واقعي جداً: قد تندلع حرب تقليدية مطوّلة بين الصين وتحالف تقوده الولايات المتحدة. قد يكون هذا الصراع أقل وطأة من الحرب النووية، لكنه سيفرض تكاليف ضخمة على الطرفَين. حتى أن ذلك الصراع قد يدور ضمن مساحة جغرافية شاسعة ويشمل حروباً لم تعتد عليها الأطراف المتناحرة. بعبارة أخرى، قد تطرح أي حرب طويلة مع الصين أصعب اختبار عسكري حاسم على الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها الديمقراطيين.

للتفوق في أي حرب مع الصين، يجب أن يضع الأميركيون وشركاؤهم في التحالف استراتيجية لمنع بكين من تحقيق انتصار سريع والحفاظ على دفاعاتهم خلال الحرب الطويلة. في الوقت الراهن، يبقى الهدف الأول شاقاً. يفتقر الأميركيون وحلفاؤهم على ما يبدو إلى مقاربة متماسكة لردع الهجوم الصيني أو هزمه. إذا استولت الصين على جزر أساسية على طول سلسلة الجزر الأولى، سيصعب على الأميركيين وشركائهم استرجاعها بكلفة مقبولة. وإذا حققت الصين النجاح، قد تقترح اتفاقاً سريعاً لوقف إطلاق النار بهدف ترسيخ مكاسبها. قد يعتبر بعض أعضاء التحالف الذي تقوده واشنطن هذا العرض بديلاً جاذباً عن أي معركة مكلفة قد تخرج عن السيطرة وتتخذ منحىً كارثياً.

مع ذلك، يملك الأميركيون وشركاؤهم المحتملون الوسائل اللازمة والوقت الكافي، حتى الآن على الأقل، لتحسين جهوزيتهم. يُفترض أن تعطي الولايات المتحدة الأولوية للاتفاقيات التي يتم التفاوض عليها لنشر المزيد من القوات الأميركية ومعدات الحرب على طول سلسلة الجزر الأولى، فيما يعزز حلفاؤها وشركاؤها دفاعاتهم في تلك المساحة. في غضون ذلك، قد تسهم القدرات الأميركية التي يمكن استعمالها بسرعة في سدّ الفجوة القائمة، بما في ذلك الأنظمة الفضائية، والقاذفات طويلة المدى، والأسلحة السيبرانية.

لكن يحتاج الخبراء الاستراتيجيون الأميركيون إلى التخطيط للمراحل اللاحقة، لأن تجنّب التحرك الصيني الحتمي قد يكون مدخلاً لحرب مطوّلة بين القوى العظمى. وعلى عكس العدوان الأولي، قد تتوسع تلك المواجهة في منطقة شاسعة وتمتد إلى نطاقات أخرى، منها الاقتصاد العالمي، والفضاء، والعالم السيبراني. ما من نموذج دقيق حول مسار هذا النوع من الحروب، لكن يكشف التفكير الاستراتيجي في حقبة الحرب الباردة أن التعامل مع صراع يمتد أفقياً ويشمل مجالات قتالية متنوعة بين القوى العظمى ممكن.

خلال السبعينات والثمانينات، طوّر الجيش الأميركي مجموعة متكاملة من مفاهيم العمليات أو الخطط الحربية للرد على الغزو السوفياتي التقليدي لأوروبا الغربية. حمل مفهوم منها اسم «معركة إيرلاند»، وهو يفترض أن يهزم الجيش والقوات الجوية «موجات» متلاحقة من قوات العدو المتقدمة من الاتحاد السوفياتي عبر أوروبا الشرقية. وفق هذا السيناريو، يحاول الجيش الأميركي كبح مسار القوات السوفياتية في الخطوط الأمامية، فيما يهاجم خليط من القوات الأميركية الجوية والبرية الموجات الثانية والثالثة التي تتقدم نحو حدود دول الناتو. في غضون ذلك، تنشر البحرية الأميركية غواصات هجومية لتجاوز الثغرات البحرية بين غرينلاند وأيسلندا والمملكة المتحدة لحماية عمليات الشحن التابعة للحلفاء والمتنقلة في أنحاء الأطلسي. كذلك، تنشر حاملات الطائرات الأميركية أجنحتها الجوية القتالية في شمال الأطلسي لهزم الطائرات الهجومية السوفياتية. ولمنع السوفيات من استعمال النروج كمنصة لإطلاق الاعتداءات، يستعد سلاح مشاة البحرية الأميركي أيضاً للانتشار في ذلك البلد سريعاً وضمان أمن مهابط الطائرات فيه.

كانت تلك المفاهيم ترتكز على دراسة حذرة ومنهجية للقدرات والاستراتيجيات السوفياتية، بما في ذلك الخطط الحربية، واستعراض القوة، ومفاهيم العمليات، ومستوى التعبئة المتوقّع. لم تُوجّه تلك المفاهيم أفكار وخطط القوات الأميركية وجيوش الحلفاء فحسب، بل إنها ساهمت أيضاً في إنشاء برنامج دفاعي واضح وتحديد أولويات الميزانية. كانت تلك الجهود تهدف بشكلٍ أساسي إلى إقناع موسكو بغياب أي مسار جاذب لشن حرب عدوانية ناجحة ضد الديمقراطيات الغربية. لكن لا وجود لأي خطط مماثلة للتعامل مع الصين اليوم.

لتطوير مجموعة مشابهة من مفاهيم الحرب التي تناسب أي صراع محتمل مع الصين، يجب أن تبدأ الولايات المتحدة بتحليل عدد من السيناريوات المحتملة للعدوان الصيني. يُفترض أن تشمل هذه السيناريوات نقاطاً محورية متنوعة في سلسلة الجزر الأولى وأماكن أخرى بدل أن تقتصر على تايوان، وقد تشكّل ركيزة لتقييم وتحسين الخطط الدفاعية الواعدة عبر الألعاب الحربية، وتجارب المحاكاة، والتدريبات الميدانية. لكن يجب أن يراعي الخبراء الاستراتيجيون الأميركيون الموارد الضخمة التي تحتاج إليها أي حرب تمتد على أشهر عدة. سبق وأثبتت الحرب الروسية في أوكرانيا أن الأميركيين وحلفاءهم يفتقرون إلى القدرات اللازمة لزيادة إنتاج الذخائر. ينطبق الوضع نفسه على قدرات إنتاج أنظمة عسكرية كبرى مثل الدبابات، والطائرات، والسفن، والمدفعيات. لمعالجة نقاط الضعف الأساسية، يُفترض أن تعيد واشنطن وشركاؤها المحتملون إحياء قواعدهم الصناعية لتأمين الأنظمة والذخائر التي تسمح بخوض الحرب طوال المدة اللازمة.

على صعيد آخر، قد تترافق أي حرب طويلة على الأرجح مع تكاليف كبرى على مستوى التجارة العالمية، والنقل، وشبكات الطاقة والاتصالات، وقد تفرض أعباءً استثنائية على السكان في أجزاء كثيرة من العالم. وحتى لو تجنّب الطرفان الكارثة النووية أو بقيت أراضي الولايات المتحدة وأهم شركائها في التحالف سليمة جزئياً، من المتوقع أن يتجاوز نطاق الدمار المحتمل كل ما اختبره الشعب الأميركي وحلفاؤه يوماً. كذلك، قد يتفوق الصينيون بكل وضوح في هذا المجال: نظراً إلى العدد السكاني الهائل في الصين، وقيادة البلد الاستبدادية، وقدرته تاريخياً على تحمّل المشقات وتكبّد خسائر بشرية كبرى، قد يكون السكان الصينيون أكثر استعداداً للصمود على مر الحرب الطويلة. في هذه الظروف، ستكون قدرة التحالف على التمسك بالدعم الشعبي للجهود الحربية والاستعداد لتقديم التضحيات عاملاً أساسياً لتحقيق النجاح. يجب أن يقنع القادة في واشنطن والعواصم المتحالفة معها الرأي العام المحلي بضرورة تعزيز دفاعاتهم والحفاظ عليها في زمن الحرب والسلم، إلى أن تتخلى الصين عن أجندتها الرامية إلى فرض هيمنتها.

كان المشير الألماني هيلموث فون مولتكه الأكبر محقاً حين قال يوماً إن الحروب قد تتخذ واحداً من ثلاثة مسارات محتملة، لكنها تفضّل في العادة مساراً رابعاً. في ما يخص الصين، يصعب توقّع بداية الحرب، وتوقيتها، ومكانها، أو المسار الذي ستتخذه بعد اندلاعها. مع ذلك، تتعدد الأسباب التي توحي بأن هذا الصراع لن يبقى محدوداً بل إنه سيدوم لفترة أطول مما يتوقع الكثيرون.

لهذه الأسباب، يجب أن يبدأ الأميركيون وحلفاؤهم التفكير بعواقب أي حرب بين القوى العظمى، فقد يدوم هذا الصراع لأشهر أو سنوات عدة، حتى لو بقي تحت عتبة التصعيد النووي، ما يفرض تكاليف هائلة على اقتصادات تلك الدول، وبناها التحتية، وراحة المواطنين عموماً. كذلك، يُفترض أن يقنعوا بكين بأنهم يملكون الموارد الكافية والقدرة على الصمود للتفوق في هذه الحرب الطويلة، وإلا قد تستنتج الصين أن الفرص التي يضمنها استعمال القوة العسكرية لتحقيق مصالحها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ تتفوق على المخاطر المطروحة.

MISS 3