سهجنان حسن الرز

أنقِذوا آثار غزة من الإبادة الحضارية!

6 كانون الثاني 2024

02 : 00

تعتبر الهوية مجموعة من العناصر والميزات التي يمتلكها الفرد والجماعة ويتمّ التعرّف إليه من خلالها ومنها لون البشرة، جنس الفرد، المكان الذي وُلد ونشأ فيه، ديانته وتاريخه وغيرها العديد من الميزات. تزيد معرفة الشخص لهويته وانتمائه إلى مجتمعه من احترامه وفهمه ذاته وبالتالي حفظ هويته، وللسيطرة عليه لا بدّ من تدمير كل ما يتعلّق بهويته وهذا ما يقوم به الكيان الإسرائيلي المحتلّ في فلسطين عامة ومؤخّراً في غزة خاصة، بحيث تتمّ إبادة العائلات بشكل جماعي وممنهج وعدة عائلات مسحت من سجل النفوس كما يتمّ محو كل معالم الأبنية والأحياء السكنية والتجارية لمحو ملامح المكان الذي ولد فيه الفرد، ويتمّ هدم الكنائس والجوامع لمحو انتمائه الديني كما المتاحف والمواقع التاريخية والأثرية لبتر كل ما يحفظ تاريخه ويثبت أحقيّته في الأرض. التراث الثقافي غير المادي من تقاليد وعادات وأزياء وأطعمة لم يسلم من التزوير والتضليل الإسرائيليين بحيث نسب الإسرائيليون العديد منها لأنفسهم. كما يتمّ استهداف المراكز التربوية والمسارح واستهداف الكتّاب والمفكّرين والفنانين بشكل ممنهج لدورهم الأساسي في تدوين التاريخ والأحداث من خلال كتاباتهم وفنّهم لمحو الماضي والحاضر والمستقبل. وتتميّز غزة بأنها غنية بالآثار فوق الأرض وكذلك المخزون الكبير تحت الأرض الذي لم ينقّب عنه أو يدرس بعد، إلّا أن القصف العدواني دمّر أكثر من مئة وخمسين موقعاً أثرياً.

قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بتدمير قصر الباشا ومتحفه الأثري في حي الدرج في المركز التاريخي لمدينة غزة الذي يعود للعصر المملوكي، وتدمير حمام السمره الأثري الوحيد المتبقي في وسط غزة بشكل كامل وهو يعود للحقبة السامرية، كما قصفت سبيل السلطان عبد الحميد الأثري العثماني، كذلك سوق القيصرية أو سوق الذهب الأثرية المملوكية، كما قصفت محيط قلعة برقوق المملوكية واعتدت على موقع برج السموع الأثري.



كنيسة القديس برفيريوس



وتعرّضت المساجد الأثرية في غزة للقصف الإسرائيلي وأبرزها المسجد العمري الأثري الذي يعود للقرن الخامس الميلادي، ومسجد ابن عثمان في حي الشجاعية الذي يعود للقرن الخامس عشر الميلادي ومسجد السيد هاشم جد النبي محمد (ص) المملوكي، وكذلك مسجد عثمان بن قشقار الأثري والذي يعود للعام 620 هـ.

الكنائس الأثرية لم تسلم أيضاً من الاعتداءات والقصف الإسرائيلي مثل الكنيسة البيزنطية في شمال قطاع غزة، وثالث أقدم كنيسة في العالم كنيسة القديس برفيريوس للروم الأرثوذكس الأثرية التي تحوّلت إلى تلّة من الركام.

تحتضن غزة حوالي 12 متحفاً تحتوي على آلاف المقتنيات الأثرية المعرّضة حالياً للأضرار بشكل كامل أو جزئي وتعرّضت لأضرار تراوحت بين تشقّقات في جدرانها وشقوق أو تدمير أو تكسير بعض المقتنيات، غير أن معظمها دون حراسة بسبب إبعاد أو قتل القيّمين على هذه المتاحف ما عرّضها للسرقة ونقلها وعرضها في متاحف إسرائيلية حالياً. من أبرز هذه المتاحف متحف القرارة، متحف رفح، متحف دير البلح، متحف خان يونس ومتحف العقاد.





إن التدمير والتخريب المنهجيين لقوات الاحتلال يشكّلان خرقاً فاضحاً للقوانين ومخالفة لكل المعاهدات والاتفاقيات الدولية لحماية التراث خاصة اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 واتفاقية لاهاي لسنة 1954 الخاصة بحماية الممتلكات الثقافية أثناء النزاع المسلح واتفاقيات اليونسكو حول حماية الممتلكات الثقافية والاتفاقية الدولية لحماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي لسنة 1972، وإعلان اليونسكو العالمي لسنة 2001 حول حماية التنوّع الثقافي. ولا بدّ للمجتمع الدولي ومنظمة اليونسكو من إلزام الاحتلال الإسرائيلي بوقف عدوانه على الشعب الفلسطيني وتراثه، هذه الأعمال الإجرامية لن تثني الشعب الفلسطيني عن الصمود والبقاء في أرضه ومواصلة معركته لنيل الحرية والاستقلال.

إن الحرب على غزة لا تستهدف الحاضر بمبانيه والمدنيين الساكنين بل تستهدف تدمير التاريخ الماضي... لإلغاء بناء المستقبل.



** أمينة سر لجنة متحف الآثار في الجامعة اللبنانية

MISS 3