بارت سزيوزيك

مبررات توسيع حلف الناتو وزيادة جرأته

10 كانون الثاني 2024

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

زعماء الناتو في قمة فيلنيوس | ليتوانيا، ٩ تموز ٢٠٢٣

فيما يستعد حلف الناتو للاحتفال بالذكرى الخامسة والسبعين لتأسيسه، لا شك في أن مهندسي الحلف الأصليين كانوا ليندهشوا بعدد أعضائه وأجندته المتوسعة اليوم.

يشمل الناتو راهناً 31 عضواً وأكثر من 30 شريكاً حول العالم. توسّعت أجندته كي تشمل مسائل تتجاوز الدفاع عن الأراضي، منها الأمن السيبراني ومكافحة الإرهاب. في السنة الماضية، أنشأ الحلف صندوق «مُسرّع الابتكار الدفاعي لمنطقة شمال الأطلسي»: تبلغ قيمته مليار يورو، وهو يُعنى بالتكنولوجيا الناشئة والتخريبية.

لكن في ظل توسّع أدوات الكفاءة السياسية رداً على التحديات الأمنية، تابع الناتو التركيز على الأهداف العسكرية. لكنه اكتفى بتحقيق أهدافه في هذا المجال أيضاً. يستطيع وزراء الدفاع مثلاً أن يُعبّروا عن التزاماتهم خلال اجتماعات الناتو، لكن قد لا يجد وزراء المال الموارد المطلوبة محلياً. بالنسبة إلى البلدان الأوروبية، ترافقت عضوية الناتو والاتحاد الأوروبي معاً مع زيادة المسؤوليات ومهّدت لتراجع الاهتمام بالجهوزية العسكرية. يأمل عدد كبير من القادة الأوروبيين حتى الآن بأن تهتم واشنطن أو بروكسل بهذا الجانب.

مع عودة الحرب إلى أوروبا والشرق الأوسط، وفي ظل احتدام المنافسة بين القوى العظمى في العالم، تبرز الحاجة إلى توسيع رؤية الناتو ونطاقه. لا يواجه الحلف العدوان الروسي فحسب، بل يتعامل أيضاً مع التحديات التي تطرحها الصين وجهات استبدادية ورجعية أخرى تسعى إلى الانقلاب على النظام العالمي. يقوم الأمن اليوم على حزمة متكاملة تشمل عقوبات اقتصادية وسياسات صناعية، وهو يحتاج إلى ضمّ أطراف مؤثرة أخرى.

في الشهر الماضي، اجتمع 31 وزير خارجية في مقر الناتو في بروكسل لمناقشة مجموعة من المسائل الأمنية، بدءاً من الحرب الروسية في أوكرانيا وصولاً إلى التحديات الصينية على المدى الطويل. لكنّ القرار المهم الوحيد الذي اتخذه ذلك الاجتماع الممتد على يومَين اقتصر على بيان مقتضب يتألف من ثلاثة مقاطع حول أوكرانيا ويستعمل مصطلحات متفق عليها مسبقاً. بالكاد تطرّق الاجتماع إلى الحرب المستمرة بين إسرائيل وحركة «حماس» وتداعياتها على الشرق الأوسط ككل، مع أن هذه المسألة كانت من أولويات عدد كبير من المشاركين ومن المتوقع أن يتأثر جزء من أعضاء الناتو الأوروبيين بتلك التطورات مباشرةً.

لهذا السبب، يُفترض أن يطمح الحلفاء إلى جعل الناتو أول منتدى لتحسين التنسيق بين ديمقراطيات العالم، بالإضافة إلى تكثيف التعاون العسكري العابر للأطلسي. يجب أن تضغط أوروبا والولايات المتحدة على الناتو لدعم النظام الدولي إلى جانب شركائه في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ. لتحقيق هذه الغاية، يُفترض أن تعطي هذه المؤسسة طابعاً عالمياً لأجندتها وتبتكر طرقاً فاعلة لتكثيف تعاونها مع شركائها خارج المنطقة الأوروبية الأطلسية.

في الوقت الراهن، تتوزع المسائل التي تُعتبر أساسية لحماية أمن حلفاء الناتو على مجموعة متنوعة من المنتديات، ومجموعات التواصل، والقنوات الثنائية. يُكلَّف الناتو بحماية الأمن الجماعي في أوروبا وأميركا الشمالية. كذلك، يشمل الاتحاد الأوروبي بنداً دفاعياً مشتركاً بين أعضائه، وقد أحرز التقدم في مجال التعاون الدفاعي والتمويل. كثّفت الكتلتان تواصلهما الأمني مع الدول في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ، وتتداخل هذه الخطوة مع الحوار الأمني الرباعي الذي يشمل أستراليا، والهند، واليابان، والولايات المتحدة، فضلاً عن الميثاق المشترك بين أستراليا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة. كذلك، تشارك في هذه الجهود مجموعة السبع التي تحولت من منصة كلام إلى منتدى تتناقش فيه الديمقراطيات الرائدة حول العقوبات الاقتصادية والسياسات التكنولوجية. يتحمّل مجلس التجارة والتكنولوجيا المشترك بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مسؤوليات مشابهة لكنه يعجز، مثل مجموعة السبع، عن اتخاذ قرارات مُلزِمة. هذا المستوى من التداخل ينشر الارتباك وقلة التركيز، فتتراجع قدرة أعضاء الناتو على تطوير استراتيجية فاعلة أو اتخاذ قرارات مفيدة في زمن الصراعات.

للتخلص من هذه المنعطفات السياسية والعوائق البيروقراطية، من المنطقي أن يشهد منتدى واحد جزءاً كبيراً من هذه النقاشات والقرارات أو أن تتلاقى مختلف الأطراف في مكان واحد على الأقل. يُعتبر الناتو المكان المناسب، فهو يحمل أقوى سجل لمعالجة مسألة الأمن الجماعي. تشمل المسائل التي يُفترض أن تضاف إلى الدفاع العسكري العقوبات الاقتصادية، وقيود التصدير، والسياسات الصناعية والتكنولوجية، ومراقبة الاستثمارات الخارجية وتحديد قيودها، وسلاسل الإمدادات الآمنة، والتدابير التجارية.

في المقام الأول، يُفترض ألا تقتصر الاجتماعات المنتظمة على وزراء الدفاع والخارجية في الناتو، بل يجب أن يجتمع الوزراء المسؤولون عن التمويل، والتجارة، والتكنولوجيا، داخل الحلف أيضاً. تُعتبر هذه المجالات كلها أساسية لحماية الأمن القومي.

بالإضافة إلى إضفاء طابع عالمي على أجندة الناتو، يجب أن يوسّع الحلف أيضاً عدد المشاركين في هذه النقاشات كي يشملوا شركاء من منطقة المحيطَين الهندي والهادئ مثل أستراليا، واليابان، ونيوزيلندا، وكوريا الجنوبية. حضر قادة تلك البلدان الأربعة قمم الناتو السنوية في العامَين 2022 و2023، لكن من الأفضل إرسال دعوات مفتوحة لحضور قمم الناتو والاجتماعات الوزارية بدل التعاون في ظروف خاصة.

كذلك، يستطيع الحلف أن ينشئ مجلساً من أعضاء الناتو ودول منطقة المحيطَين الهندي والهادئ، بما يشبه مجلس الناتو وأوكرانيا، حيث يجتمع هؤلاء الشركاء ويصبحون بمصاف حلفاء الناتو. مع مرور الوقت، يمكن دعوة شركاء آخرين.

تتطلب هذه التغيرات تحولاً في العقلية السائدة داخل الحلف. من المبرر أن يعتبر الكثيرون الناتو أنجح تحالف عسكري في التاريخ، لكن يمكن اعتباره أيضاً المؤسسة الدولية الأكثر فاعلية لتنسيق السياسات الخارجية وتنفيذها. لكن تحوّل تركيزه المفرط على الضمانات الدفاعية الجماعية بموجب المادة الخامسة إلى شكل من ضبط النفس والحذر المؤسسي الراسخ.

مع ذلك، لا تستلزم جميع التحديات الأمنية تفعيل المادة الخامسة. وحتى لو تم تفعيلها، لا يحتّم البند الدفاعي إطلاق رد تلقائي في جميع الظروف. تنصّ المادة الخامسة بكل بساطة على التزام كل حليف بمساعدة البلد الذي يتعرض للهجوم عبر اتخاذ «خطوات تُعتبر ضرورية» إذا حصل هجوم مسلّح ضد أحد أعضاء الناتو.

من جهة، حقق الحلف نجاحاً لا مثيل له بسبب تركيزه على المادة الخامسة، إذ يدعم الناتو بكامل ثقله كل شبر من الأراضي، حتى أنه يحتفظ بخيار الرد النووي. على مر تاريخ الناتو الطويل، لجأ الحلف إلى المادة الخامسة في مناسبة واحدة فقط: بعد هجوم 11 أيلول الإرهابي ضد الولايات المتحدة. ومن جهة أخرى، أدى التركيز على المادة الخامسة إلى كبح قدرة الحلف على اتخاذ خطوات سياسية أكثر سلاسة.

سيستفيد الناتو حتماً من زيادة مرونته الاستراتيجية لمعالجة مشاكل السياسة الأمنية. تتعلق مقارنة تاريخية مفيدة بالتحول الذي شهدته السياسة الخارجية الأميركية خلال الحرب الباردة، حين انتقلت واشنطن من عقيدة الرد المفرط إلى الرد المرن. خلال الخمسينات، عرّفت إدارة أيزنهاور سياسة ردعها واحتوائها بناءً على الرد الساحق على أي تجاوزات من جانب الاتحاد السوفياتي أو الكتلة الشيوعية. لكنّ هذا الالتزام المفرط جعل السياسة الخارجية متصلبة ومحدودة أكثر من اللزوم: في النهاية، لا تتطلب جميع مشاكل العالم حلاً نووياً. لهذا السبب، صمّمت إدارة كينيدي لاحقاً مقاربة أكثر سلاسة تشمل خيارات عسكرية وغير عسكرية لحل كل أزمة بحسب الظروف المحيطة بها.

يملك الناتو أصلاً الآلية المؤسسية لتطبيق مقاربة أمنية متوسّعة. تنصّ المادة الرابعة مثلاً على إجراء مشاورات سياسية عندما يفترض أي عضو أن «وحدة أراضيه، أو استقلاله السياسي، أو أمنه» أصبح مُهدداً. يشير هذا الجانب إلى مسؤوليات متزايدة وتراجع عتبة التحرك، ما يسمح بمعالجة التهديدات الأمنية التي لا تصل إلى مستوى الهجوم العسكري. يُفترض أن تتعلق ركيزة الحلف المؤسسية بدمج أدوات محورية من السياسة الأمنية، بما في ذلك العقوبات الاقتصادية وقيود التصدير.

كذلك، يرتكز الناتو على أساس واضح لمعالجة مسائل مثل السياسة الصناعية والتكنولوجية كوسيلة لتطوير القدرات الدفاعية والأمنية. بموجب المادة الثالثة، التزم الحلفاء «بالحفاظ على قدراتهم الفردية والجماعية وتطويرها لمقاومة أي هجوم مسلّح» عن طريق «الجهود الشخصية والمساعدات المتبادلة». يجب أن يُحسّن الناتو طرق تنسيق الاستثمارات الدفاعية ويضمن استمرار تفوّق الحلفاء التكنولوجي على المدى الطويل في المنافسة القائمة مع الخصوم.

قد يسمح الناتو المتوسّع والعالمي بتجاوز عمليات صناعة القرارات المتخبطة وبالغة التعقيد وسط الحلفاء في المنطقة الأوروبية الأطلسية وشركائهم في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ. مع ذلك، يجب ألا يتوقع أحد تلاشي أهمية عامل السياسة بفضل هذه التركيبة المؤسسية وحدها.

تعكس المنظمات التي تشبه الناتو طبيعة أعضائها. لكن قد تسهم أي تركيبة مؤسسية تتّسم بالبساطة والتصميم المتطور في تسهيل صناعة القرارات في زمن الاضطرابات الحتمية.

MISS 3