جيروم توبيانا

أوروبا تزيد أزمة اللاجئين السودانيين سوءاً

13 كانون الثاني 2024

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

مخيم للّاجئين السودانيين في الطينة | السودان، 22 تشرين الأول 2023

بحلول نهاية كانون الأول 2023، تهجّر أكثر من 7 ملايين سوداني بسبب الحرب الجديدة. حاول 1.3 مليون شخص منهم إيجاد ملجأ لهم خارج السودان، فاستقر نصفهم تقريباً في تشاد و380 ألفاً آخرين في مصر. وفق بعض المصادر، يتراوح عدد من وصلوا إلى ليبيا بين 5 آلاف و14 ألف شخص، لكن عَبَر عدد أكبر بكثير الحدود الليبية غير الخاضعة للمراقبة، مروراً بتشاد أحياناً. فتحت طرقات جديدة وأُعيد تنشيط طرقات قديمة، من تشاد إلى ليبيا، حتى أن بعضها يصل إلى النيجر، ثم الجزائر، وأخيراً تونس. سرعان ما أصبحت مناجم الذهب في المناطق الحدودية الصحراوية معاقل أساسية. يستطيع المهاجرون هناك أن ينتقلوا من شاحنة تشادية إلى سيارة أجرة ليبية، أو من مُهرّب من النيجر إلى مهرّب جزائري.



وصل عدد كبير من السودانيين إلى تونس سريعاً. وعلى عكس المهاجرين الأفارقة الآخرين، ما كانوا ينوون البقاء والعمل هناك. بل إنهم توجهوا مباشرةً إلى مدينة صفاقس التي أصبحت معقلاً أساسياً للمغادرة على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط، فهي تقع على بُعد 117 ميلاً فقط من جزيرة «لامبيدوسا» الإيطالية الصغيرة.

لم يحبذ السكان المحليون هذا الوضع. يقال إن لاجئاً سودانياً قتل رجلاً تونسياً في 3 تموز (مع أن مصادر أخرى أشارت إلى تورط شخصَين من الكاميرون). تلك الحادثة دفعت مثيري الشغب المحليين إلى اعتقال الأفارقة السود في محاولة منهم لطردهم من ثاني أهم مدينة تونسية. تظاهرت الشرطة بأنها تريد حماية المهاجرين، فوضعتهم في مركبات وسط تصاعد الصيحات العنصرية من السكان المحليين، ثم رحّلتهم إلى الحدود الليبية. تشتّت حوالى 1200 شخص في أرض مجهولة بين القوات التونسية والليبية طوال أسبوع، وبقي البعض هناك لأكثر من شهر.

وصل الوضع إلى طريق مسدود حين راحت القوات التونسية والليبية تتبادل المهاجرين قبل أن تبرم اتفاقاً يقضي بتقاسمهم بين البلدَين. تشير بعض التقارير إلى سقوط حوالى 30 قتيلاً، وقد مات بعضهم بسبب العنف والعطش. في البداية، كان البحر المصدر الوحيد للمياه.

إلتزم الاتحاد الأوروبي الصمت في ظل توسّع موجات العنف ضد الأفارقة السود في تونس. تزامناً مع تلك الأحداث، عقدت المفوضية الأوروبية وبعض الدول الأعضاء (أبرزها إيطاليا وهولندا) اتفاق تعاون مع تونس، بما في ذلك بند مرتبط بالهجرة اعتبرته رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين «برنامج عمل» لأي اتفاقات مماثلة في المستقبل. يهدف ذلك الاتفاق بشكلٍ أساسي إلى منح تونس أكثر من 115 مليون دولار لتشديد الإجراءات الحدودية، ومنع المهاجرين من الرحيل عبر البحر، والموافقة على إعادة التونسيين الذين ينجحون في عبور البحر.

رصدت مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة زيادة قوية في عدد المسجلين السودانيين في تونس، في شهر آب الماضي، فضلاً عن زيادة طالبي اللجوء السودانيين الذين ينتقلون من تونس إلى إيطاليا. في أحد مراكز المفوضية، كان 19 مريضاً من أصل 20 سودانيين، منهم 3 أشخاص وصلوا إلى تونس منذ شهر تقريباً. تعرّض 6 منهم لإصابات في القدم بسبب المشي المفرط.

كان عيسى واحداً منهم (فضّل عدم الكشف عن اسمه الحقيقي). هو ترك مخيّم المهاجرين بالقرب من مدينة الفاشر قبل أربعين يوماً. هو يقول إن حرس الحدود التونسي أعاده إلى ليبيا ثلاث مرات، ثم انتقل من ليبيا إلى الجزائر قبل أن يقطع 450 ميلاً سيراً على الأقدام في اتجاه الساحل التونسي. كان عبدالله من بين الأشخاص الذين أمضوا وقتاً أطول على الطرقات، فهو غادر الخرطوم في العام 2017، وأمضى سبع سنوات في ليبيا، ولم يحضر إلى تونس إلا بعد 12 محاولة فاشلة لعبور البحر. كان يقيم لاحقاً في مراكز الاحتجاز الليبية لفترة.

في الماضي، كان معظم السودانيين يحاولون كسب لقمة عيشهم في ليبيا. لكنّ توسّع أعمال العنف في البلد دفع الكثيرين إلى عبور البحر. تكررت الظروف نفسها هذه السنة في تونس، رغم حرص خفر السواحل على اعتراض طريقهم في حالات متزايدة.

تبرز مفارقة مريرة عند رؤية الذعر الذي يجتاح أوروبا بسبب توسّع موجة تدفق المهاجرين الذين يمرون بشريكتها الجديدة، تونس، بمن فيهم الأشخاص القادمون من السودان. في العام 2016، تحوّلت السودان بحد ذاتها إلى شريكة أساسية للاتحاد الأوروبي في ملف الهجرة، فاستضافت العاصمة مقر «عملية الخرطوم» الإقليمية التي قادها الاتحاد.

ثم اتُهِم الاتحاد الأوروبي بالتعاون مع نظامٍ يرأسه عمر البشير الذي اتهمته المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب إبادة جماعية، ومع «قوات الدعم السريع» التي كانت تحظى بثقة الرئيس حينها، فكلّفها بمراقبة موجات الهجرة وتباهى زعيمها محمد حمدان دقلو مراراً باعتقال المهاجرين بطلبٍ من أوروبا.

إكتفى الاتحاد الأوروبي بالاعتراف بتعاونه مع الشرطة التي شملت أيضاً جناحاً شبه عسكري كان متورطاً في الجرائم المرتكبة في دارفور، لا سيما الشرطة الاحتياطية المركزية التي تخضع راهناً للعقوبات الأميركية بسبب تورطها في قتل المحتجين الداعمين للديموقراطية في الخرطوم، في العام 2022.

بدأ جزء من القوات السودانية، التي استفادت من دعم أوروبا المالي (أو السياسي على الأقل) لمحاربة موجات الهجرة، تتقاتل في ما بينها اليوم، ما أدى إلى تدفق أعداد جديدة من اللاجئين.

يدرك اللاجئون السودانيون أنهم يملكون فرصة حقيقية لنيل صفة اللجوء في أوروبا وأميركا الشمالية، لا سيما منذ بدء الحرب الأخيرة. تعتبرهم الولايات المتحدة، وفرنسا، وبلدان أخرى، لاجئين شرعيين بمعنى الكلمة. في شهر آب الماضي، وسّعت الحكومة الأميركية نطاق الحماية الموَقتة التي تمنحها للمواطنين الأوكرانيين والسودانيين وصولاً إلى العام 2025.

منذ شهر تموز، منحت محكمة استئناف اللجوء الفرنسية صفة الحماية الموَقتة لعدد من اللاجئين السودانيين من الخرطوم ودارفور بعد رفض طلبات لجوئهم في البداية، فاعتُبِرت مناطقهم الأصلية غارقة في «حالة من العنف الأعمى والقوي على نحو استثنائي». نتيجةً لذلك، نشأت سوابق قانونية تمنح كل من يأتي من تلك المناطق شكلاً من الحماية، ولو موَقتاً.

تتعرض تلك المحكمة للهجوم من وزير الداخلية الفرنسي في الوقت الراهن، ويتعلق السبب على الأرجح بقراراتها السخية أكثر من اللزوم بنظر الحكومة. من المنتظر أن يُمهّد قانون الهجرة الجديد، الذي تمت المصادقة عليه في 19 كانون الأول، لتقليص لجان استئناف طلبات اللجوء المؤلفة من ثلاثة قضاة (يمثّل أحدهم مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة)، فتقتصر على قاضٍ واحد من الآن فصاعداً. في غضون ذلك، أُضيفت إلى القانون الفرنسي مخالفة مرتبطة بـ»الإقامة غير الشرعية»، ومن المتوقع أن يسمح ميثاق المفوضية الأوروبية الجديد في شأن الهجرة واللجوء باحتجاز بعض طالبي اللجوء على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي. هنّأ رئيس مفوضية اللاجئين، فيليبو غراندي، الاتحاد الأوروبي على هذه التدابير، وعبّر عن استعداده لدعمها في تغريدة له على «تويتر».

ترتكز صفة الحماية الموَقتة على قوانين قديمة وأكثر سخاءً أصدرها الاتحاد الأوروبي سابقاً، أبرزها توجيه صدر في العام 2001 لمنح حماية فورية للاجئين بدل احتجازهم عند حصول موجة من الهجرة الجماعية. أصبح ذلك القرار ساري المفعول للمرة الأولى لصالح أوكرانيا، في آذار 2022. هو تزامن مع تدابير لتسهيل دخول الأوكرانيين وتنقلهم داخل أوروبا، ما سمح لأكثر من 4 ملايين أوكراني بالاستفادة من حماية فورية في الاتحاد الأوروبي. لكن تتراجع نزعة أوروبا على ما يبدو إلى تطبيق القرار الاستثنائي الذي استفاد منه الأوكرانيون مع بلدان أخرى غارقة في الحرب.

لا يزال المهاجرون السودانيون مضطرين لبلوغ أوروبا وتجاوز العوائق بأنفسهم في أنحاء الصحراء الكبرى، والبحر الأبيض المتوسط، وجبال الألب بين إيطاليا وفرنسا. لا تُعتبر تلك العوائق طبيعية بكل بساطة، بل إنها تنجم أيضاً عن السياسات الأوروبية. بدأ الاتحاد الأوروبي يبني شبكة من الجدران الملموسة والحواجز القانونية في جنوب البحر الأبيض المتوسط، فانعكست تدابيره سلباً على المهاجرين الاقتصاديين واللاجئين السياسيين في آن، وانتهك بذلك اتفاقية الأمم المتحدة في شأن حقوق العمال المهاجرين من العام 1990 واتفاقية جنيف للاجئين من العام 1951، واستعمل جميع أنواع الأعذار لإعطاء طابع دائم للتدابير الاستثنائية، بدءاً من أزمة «كورونا» وصولاً إلى الحرب في أوكرانيا. في هذا السياق، ذكرت صحيفة «فورين بوليسي» في ذروة أزمة «كورونا» أن نهاية حقبة اللجوء باتت احتمالاً واقعياً. اليوم، يستعمل ميثاق الاتحاد الأوروبي الجديد مفهوم «الأزمات» المبهم للسماح لأعضائه بتجاهل واجباتهم المرتبطة بملف اللجوء.

لم تكن ردة فعل أوروبا على الحرب السودانية المستجدة قوية على نحو خاص، فهي اكتفت باعتبارها أزمة لجوء أخرى وجمعتها مع أزمة الهجرة التي يتعامل معها الأوروبيون أصلاً. دعت الأمم المتحدة إلى تأمين تمويل ضروري للاجئين الجدد ولم تتردد في استغلال مخاوف أوروبا لتحقيق هدفها. برأي الأمم المتحدة، من مصلحة أوروبا أن تبقي اللاجئين في مخيمات داخل تشاد، فتتولى تمويل جهود الإغاثة أو تواجه موجات متوسعة من تدفق اللاجئين.

لكن أدرك الوافدون الجدد فور وصولهم إلى تشاد أن من سبقوهم منذ عشرين سنة واجهوا المشكلات بسبب تقلبات قطاع الإغاثة الذي يتنقّل طوال الوقت من أزمة إلى أخرى. عندما تراجعت حصص الإعاشة، قرر الكثيرون السفر لإيجاد عمل (من مناجم الذهب في الصحراء الكبرى إلى قطاعات تتطلب يداً عاملة رخيصة)، فراحوا يرسلون التحويلات المالية إلى عائلاتهم في المخيمات.

بقيت عمليات إعادة التوطين بقيادة مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة محدودة جداً بسبب غياب الفرص في أوروبا وأميركا الشمالية. في تشاد، أو ليبيا، أو تونس، يتكلم الناس عن تراجع الحالات التي نجح فيها السودانيون في الاستقرار في الولايات المتحدة أو كندا. ينتظر البعض طوال عشرين سنة، ولا يزال البعض الآخر بانتظار البت في ملفاته حتى الآن.

أخيراً، تعترف مفوضية اللاجئين بأنها مضطرة لإيجاد «حلول دائمة» في تلك البلدان الأفريقية الثلاثة، مع أن اقتراحاتها ليست مستدامة ولا تُعتبر حلولاً فاعلة أصلاً. في ليبيا كما في تونس، يتم اعتقال اللاجئين المسجلين في المفوضية قبل احتجازهم أو ترحيلهم، حتى أنهم يتعرضون للاعتقال أحياناً أثناء تخييمهم أو احتجاجهم أمام مكاتب وكالة الأمم المتحدة.

MISS 3