بلوشستان... منطقة مضطربة تدفع ثمن "لعنة الجغرافيا"!

02 : 00

تشهد منطقة بلوشستان الممتدّة في شكل أساسي على جانبَي الحدود الإيرانية - الباكستانية، صراعاً منذ سنوات بين قوات البلدَين ومجموعات إنفصالية من سكّانها البلوش الذين يدفعون ثمن «لعنة الجغرافيا»، إلّا أنّها تتسبّب راهناً في تصاعد التوترات بين طهران وإسلام آباد، حيث أفادت وسائل إعلام رسمية إيرانية بأنّ 9 أشخاص قُتلوا في ضربات جوّية باكستانية في مناطق البلوش في إيران أمس، بعد يومَين من تنفيذ إيران ضربات في مناطق البلوش في باكستان، ما أسفر عن مقتل طفلَين على الأقلّ.

وتُشكّل بلوشستان، المؤلّفة في صورة أساسية من محافظة سيستان بلوشستان في جنوب شرق إيران وإقليم بلوشستان في غرب باكستان، موطناً لشعب البلوش المسلم السني، ويُقدّر عددهم الإجمالي بـ10 ملايين، يعيش غالبيتهم في باكستان، بما في ذلك إقليم السند، مع وجود ملايين عدّة في إيران وأقلية أصغر بكثير في أفغانستان.

وتتقاسم إيران وباكستان حدوداً يبلغ طولها حوالى 1000 كيلومتر تشهد عمليات تهريب كثيرة، خصوصاً للوقود، بسبب طبيعة الحدود التي يسهل اختراقها. ولطالما تصاعدت التوترات على جانبَي الحدود، لكنّها نادراً ما تشتعل على غرار ما يحصل راهناً، إذ تضرب كلّ من إيران وباكستان ما تُسميه أهدافاً «إرهابية» داخل منطقتَي البلوش المعنيّتَين.

وقد عانى بلوش إيران الأمرَّين في ظلّ الجمهورية الإسلامية حيث يُشكّلون أقلية دينية وعرقية، إذ لطالما اشتكوا من أن محافظتهم تتعرّض لتهميش اقتصادي وسياسي من السلطات الإيرانية التي أعدمت أعداداً كبيرة من البلوش. وأشارت منظمة العفو الدولية إلى أنّ 19 في المئة من عمليات الإعدام في العام 2021 في إيران، كانت بحق أفراد من البلوش.

وواجهت محافظة سيستان وبلوشستان حال من عدم الاستقرار في عام 2022 عندما انضمّ سكّانها إلى ثورة «إمرأة، حياة، حرّية» التي اندلعت في مختلف أنحاء إيران على خلفية مقتل الشابة الكردية مهسا أميني على يد «شرطة الأخلاق» في طهران، إذ قُتل أكثر من 80 شخصاً في 30 أيلول 2022، عندما استهدفت قوات الأمن تحرّكاً في مدينة زاهدان الرئيسية في سيستان وبلوشستان، بحسب منظمة العفو الدولية.

في المقابل، حصلت هجمات داخل إيران خلال الأشهر الأخيرة نفّذها تنظيم «جيش العدل» الإنفصالي المتشدّد الذي أدرجته إيران على لائحة المنظمات الإرهابية. وكان «جيش العدل» قد تأسّس في السنوات الأولى من العقد الفائت بعد تفكّك تنظيم مماثل هو «جند الله» الذي نفّذ لسنوات هجمات ضدّ قوات الأمن الإيرانية، لكنّها تراجعت منذ أن أعدمت إيران قائد التنظيم عبد الملك ريغي في العام 2010 بعد أن اعتقلته. وكان «جيش العدل» قد تبنّى هجوماً في كانون الأوّل أسفر عن مقتل 11 عنصراً من الشرطة الإيرانية.

وعلى الجانب الآخر من الحدود، يشكو بلوش باكستان من أنهم محرومون حقوقهم ومن عدم إنفاق الإيرادات المتأتية من الموارد الطبيعية في شكل ملائم على الإدارة المحلّية والاحتياجات الاجتماعية. وتُقاتل القوات الباكستانية منذ نحو عقدَين أحدث تمرّد إنفصالي لشعب البلوش، أسفر عن مقتل المئات. ويقول البلوش وجماعات حقوق الإنسان إنّ حملة الجيش على التمرّد شملت حالات اخفاء قسري واسعة وعمليات قتل تعسّفي.

ومنذ العام 2014، استهدف الإنفصاليون أيضاً المشاريع المرتبطة بالممرّ الاقتصادي الصيني - الباكستاني، وهو مشروع تبلغ كلفته 58 مليار دولار ويُعدّ جزءاً من مبادرة «الحزام والطريق» الصينية التي تمرّ أجزاء كبيرة منها عبر بلوشستان الغنية بالمعادن. إلّا أنّ البلوش ليسوا المجموعة الوحيدة التي تستخدم المنطقة الباكستانية الشاسعة كقاعدة للهجمات، فسبق أن اتّهمت حكومات غربية باكستان بالسماح لقادة تنظيم «طالبان» باستخدام ملاذ آمن في بلوشستان، التي كانت تشهد أيضاً أنشطة لفرع متحالف مع تنظيم «الدولة الإسلامية».

MISS 3