بشارة شربل

"تصريف" المبادئ لا الأعمال

19 كانون الثاني 2024

02 : 00

يحق للبنانيين المساقين كرهاً، إما الى تدمير تحت عنوان وهْمي اسمه «مساندة غزة»، أو الى عدم استقرار يضيف الى الانهيار حرماناً من جرعة أوكسجين للاقتصاد، أن يسألوا: هل يجوز ان تكون الأحداث في المنطقة ممتدة من معبر رفح في غزة الى باب المندب وبلوشستان، فيما يواجهها لبنان بحكومة مريضة الأفكار، ذليلة المواقف، فاقدة الحيلة؟

لا تُعفي الحكومةَ ذريعةُ «تصريف الأعمال». فالرئيس ميقاتي ووزراؤه ارتضوا بطيبة خاطر «تحمّل المسؤولية». ومعظم هذه «التضحية» المجزية يقع في باب الاستئثار وتجاوز حدّ الصلاحيات، مع قدر من تربُّح غير مشروع تفوح رائحته في وزارات يعيث الى جانب رأسها «سلطانٌ سليم». كلُّ هذا مفهوم. أما أن يصل الأمر الى التنازل المطلق عن السيادة وحقوق الدولة لـ»حزب الله» و»القسّام» و»كتائب العز» المجهولة العنوان، فهو شناعة لا يجوز فيها قولان.

يسري الاستئثار على الرئيس ميقاتي أولاً، لأنه بالتكافل والتضامن مع رئيس مجلس النواب، يصادران صلاحيات رئيس الجمهورية الماروني بالممارسة المتعلقة بـ»توضيب» المراسيم والقوانين، وبالسلوك السياسي القائم على التناغم بين التعطيل المجلسي المنتهِك للدستور وبين التضليل الحكومي الذي يذرّ الرماد في العيون بالاستناد الى كذبة أنّ «الطبيعة تأبى الفراغ»، لذا وجب ملؤها بما تيسّر من مصالح وولاءات!.

ويراقب المواطن الحائر بين القرف والاشمئزاز كيف أنّ الدولة اللبنانية تستسلم لمقولة إنّ الحرب في الجنوب لن تتوقف إلا إذا انتهت حرب غزة. وهي فكرة يصرّ الرئيس ميقاتي، الذي استفاقت عروبته بعد المشيب، على تكرارها ولو بتأتأة لافتة وتلعثم لا يليق برئيس حكومة، فيما يجتهد وزيره للخارجية عبدالله بو حبيب في تنظير ساقطٍ مسبقاً، لأنّ معطياته خاطئة واستنتاجاته مبنية على»فوفاش»، تزيدها عبثاً لازمة «الجيش والشعب والمقاومة»، وسؤال: هل تريدوننا أن نذهب الى حرب أهلية؟ يليه استطراد مُفجع: أنا أفضّل الحرب الاقليمية على الأهلية!.

مؤسف أن يصل تبسيط المسائل الوطنية الجوهرية الى حدِّ استغباء الناس أو الفشل الذريع الذي يُحلُّ المكابرة والإنكار محل صدق المسؤول ومواجهته المواقف. فعَن أي حرب أهلية تتحدث معاليك؟ أم تُراك لا ترى في حلفائك ومن تسير في ركابهم إلا تلك النوايا وهذا الاستعداد؟

ليست المرة الأولى التي يُهدَّد فيها اللبنانيون بالحرب الأهلية إن طالبوا باستعادة الدولة وتطبيق «الطائف»، أو حماية لبنان من قرارات لم تقررها سلطة شرعية، ولا حكومة ولو مبتورة، ولا سلطات عسكرية يأتمنها اللبنانيون على شرعيتهم وأمنهم. بو حبيب آخر المتحدثين بهذا الموضوع. كان بديهياً أن يصدر هذا التهويل طوال السنوات الماضية عن جماعات الممانعين كلما رأوا فرصة أمام الشعب لإنزال المنظومة عن عرش تحالف الفساد والميليشيات والتحكم بمصير البلاد. أما أنّ وزير خارجيةٍ يرى في رفض الانزلاق الى الحرب تهديداً للسلم الأهلي، فذلك يدعو الى التشكيك بمعنى المصلحة الوطنية وجوهر العمل الديبلوماسي.

دولة الرئيس، أنت أذكى من أن تترك الخطاب الحكومي ينحدر الى هذا الدَرْك، وأن توصَم مسيرتك السياسية بهذا النوع المُعيب واللامسؤول من تصريف المبادئ قبل الأعمال.

MISS 3