رامي الرّيس

بين الإعتبارات الإسرائيليّة الداخليّة والتصعيد الإقليمي: حرب غزة مستمرّة!

20 كانون الثاني 2024

02 : 01

خلال قصف إسرائيلي على خان يونس أمس الأوّل (أ ف ب)

ثمّة وجهة نظر في التحليل السياسي تقول إنّ الولايات المتحدة وبريطانيا صعّدتا في البحر الأحمر ردّاً على الواقع القانوني المستجدّ عقب انعقاد محكمة العدل الدوليّة للنظر في الدعوى القضائية التي قدّمتها جنوب أفريقيا لمقاضاة إسرائيل بجرائم الإبادة الجماعيّة، خصوصاً أن الدعوى مثبتة بالأدلة التي استندت في جانب منها إلى تصريحات المسؤولين الإسرائيليين أنفسهم الذين عبّروا عن مكنوناتهم، من جهة، وعن سياسات إسرائيل التقليديّة ضدّ الفلسطينيين، من جهة أخرى.

بات واضحاً أن الحرب على قطاع غزة دخلت أفقاً مسدوداً، وهي - كما كانت منذ اليوم الأول - تتعدّى مجرّد الانتقام لـ»غزوة» «كتائب القسّام» لعمق الأراضي المحتلّة، وصولاً إلى تنفيذ المشروع الصهيوني الأساسي القاضي بإقصاء الفلسطينيين عن أرضهم التاريخيّة، من خلال القتل الجماعي والتهجير والتنكيل، وما شهدته مناطق الضفة الغربيّة والقدس أثناء الحرب على غزة، لا يقلّ خطورة في إطار تنفيذ هذا المشروع.

ولكن، كيف يُمكن تفسير التحرّك الأميركي - البريطاني العسكري (الذي رفضت فرنسا الإنضمام إليه بالمناسبة) في البحر الأحمر في الوقت الذي تُنادي فيه واشنطن بصورة متواصلة بضرورة عدم توسعة الحرب وفتح جبهات جديدة، ولو أنها ربّما رأت أن «الإستفزاز» الحوثي قد بلغ مراحل متقدّمة وبات يُهدّد التجارة العالميّة وحركة انتقال النفط والبضائع بشكل انسيابي، ويضطر الشركات التجاريّة والنفطيّة إلى سلوك مسارات بحريّة طويلة ومكلفة وتستغرق وقتاً كبيراً قبل الوصول إلى الأسواق المرتجاة؟

وهل يمكن فعلاً تلافي المزيد من التصعيد العسكري في المنطقة برمتها أم أن الرد الأميركي - البريطاني جاء محدوداً في الزمان والمكان والحجم والعمق، وهو لا يعدو كونه مجرّد خطوة لـ «تقطيع الوقت» بانتظار أن يهدأ التصعيد الإقليمي الكبير عقب وقف إطلاق النار في غزة، وهو ما لا تقبل به إسرائيل لغاية الآن، لا بل هي تواصل القصف المدمّر كما منذ اليوم الأوّل للحرب وهو، أدّى، في جانب منه من ضمن ما أدّى إليه، إلى أن تقتل أسراها المحتجزين في مناطق مختلفة من القطاع؟

بات واضحاً أن «التفلت» الأمني والعسكري الذي تشهده المنطقة على جبهات مختلفة لن يتوقف قبل وقف الحرب الإسرائيليّة على غزة التي أدّت إلى سقوط ما يزيد عن 24 ألف شهيد منذ أكثر من ثلاثة أشهر، فضلاً عن تدمير كامل القطاع بمستشفياته ومدارسه وجامعاته ومساجده وكنائسه وكلّ مرافق الحياة فيه، لجعله غير قابل للعيش والسكن عندما تتوقف الحرب، ولا بدّ أن تتوقف يوماً ما عندما «يستفيق» الضمير العالمي من سباته العميق.

لم تتمكّن إسرائيل من تحقيق الأهداف التي أعلنتها منذ بداية الحرب، فهي لم تستطع فك أسر محتجز واحد في قطاع غزة خارج صفقة التبادل اليتيمة التي حدثت منذ أسابيع ولم تنجح الجهود السياسيّة في تمديدها، فعاد القصف والقتل، كما تواصل قصف حركة «حماس» للأراضي الفلسطينية المحتلّة، من دون أن تتمكّن الحرب من إنهاء هذه القدرة الصاروخيّة. وبالتالي، ليس هناك من أفق جدّي في هذا المجال إلّا من خلال إعادة تكثيف الجهود السياسيّة التي لا بدّ من أن تبدأ من وقف لإطلاق النار واستعادة الهدوء على ضوء عدم تحقيق الأهداف إيّاها، وقد نفيت المعلومات التي تحدّثت عن ترحيل قادة حركة «حماس» إلى خارج قطاع غزة.

الضغط الدولي لم يصل إلى المستوى المطلوب، لا بل هو لربّما لم يبدأ بعد في ظلّ إصرار واشنطن، بمختلف مؤسّساتها، على منح الأسباب التخفيفيّة لإسرائيل لمواصلة حربها المدمّرة التي تجاوزت فيها كلّ الحدود ولم تكترث لأي من قوانين الحرب أو حقوق الإنسان.

لقد أفشل الكونغرس الأميركي مشروع قانون تقدّم به السيناتور التقدّمي المستقلّ بيرني ساندرز، يضع شروطاً على المساعدات الأميركيّة لإسرائيل وطريقة استعمال الأسلحة المصدّرة إليها. كما أن استطلاعات الرأي في داخل إسرائيل تؤكد أن الحرب لا تزال تحظى بنسب تأييد مرتفعة.

بين هذا وذاك وعوامل أخرى، ستتواصل الحرب والقتل والدمار.

MISS 3