يوسف مرتضى

طوفان الأقصى يفجّر طوفاناً طلابياً في الجامعات الأميركية... هل سيساهم بإنهاء الحرب؟

29 نيسان 2024

12 : 02

تساؤلات كثيرة تثار بعد الذي تشهده غزة من قتل ودمار، حول جدوى عملية طوفان الأقصى، وحول ما يبدو من انسداد للأفق أمام نهاية قريبة لهذه المأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، وتلك الغطرسة الدموية المدعومة أميركياً لحكومة نتنياهو المجرمة. في هذا العرض سوف أقدّم مقاربتي المتواضعة للإجابة على تلك الأسئلة.



كما هو معلوم في العام ٢٠٠٥ انسحبت إسرائيل من قطاع غزة، وأخلت جميع المستوطنات التي كانت فيها. ومنذ ذلك التاريخ إلى اليوم تعرّضت غزة إلى خمس حروب إسرائيلية.



معظم تلك الحروب كانت تبدأ بتنفذ عمليات عسكرية إسرائيلية أو اغتيالات من حين لآخر، لقادة فلسطينيين في القطاع، فتحوّل بعضها إلى حروب استمرّت أسابيع وخلّفت آلاف الشهداء.



وبعد سيطرة حركة المقاومة الإسلامية(حماس) على قطاع غزة في حزيران 2007، أعلنت إسرائيل في أيلول من العام نفسه، غزة "كياناً معاديًا"، وفرضت عليه حصاراً شاملاً امتدّ لسبعة عشر عاماً، ولكن تخلّله في ذات الوقت تسهيلات صهيونية بظل حكومة نتنياهو سمحت بتمرير مساعدات مالية قطرية لحماس في غزة بلغت مئات ملايين الدولارات.


وكان هذا يؤشّر في العلن إلى تطمين متبادل بين حماس ونتنياهو.



في هذا الوقت، كانت اسرائيل تعيش أزمة حكم نتيجة الانقسامات السياسية بين مكوناتها الحزبية والدينية، حيث اضطرت لإجراء 4 انتخابات نيابية خلال 5 سنوات، انتهت في العام2021 بتمكين نتنياهو من تشكيل حكومة" الحكومة الحالية" بالتحالف مع الأحزاب الدينية المتطرفة.



وفي الوقت الذي كان نتنياهو يسهّل ايصال الإمدادات المادية القطرية لحماس في غزة، وسّعت حكومته حركة الاستيطان في الضفة الغربية، حيث وصلت بين عامي 2021 -2023 إلى208 مستوطنات، يقطنها 800000 الف مستوطن بعدما شرّدوا الفلسطنيين من منازلهم ومزارعهم، وتم حشرهم في مخيمات شعبية، تمهيداً لتهجيرهم.



ترافق ذلك بإجراءات مالية من حكومة نتنياهو ضد حكومة محمود عباس في الضفة الغربية عبر حجز أموال الضرائب عليها مما أعاقها عن توفير رواتب الموظفين والشرطة وتمويل الخدمات الصحية والتعليمية، وذلك بهدف التضييق على الفلسطينيين ودفعهم إلى الهجرة.



وفي أيلول من العام ٢٠٢٣ وقف نتنياهو في الامم المتحدة عارضاً خارطة إسرائيل "اليهودية" على كامل التراب الفلسطيني، وخالية من أي وجود فلسطيني.



هذه الظروف شكلت المقدمات للحرب الخامسة في غزة، التي بادرت اليها هذه المرة حركة حماس وأطلقت عليها، "طوفان الأقصى"، وذلك كان فجر يوم السبت 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 وشملت هجوماً برياً وبحرياً وجوياً، وتسللاً للمقاومين إلى عدة مستوطنات في غلاف غزة.



ويرجع سبب تسمية المقاومة لعمليتها بـ"طوفان الأقصى" إلى الانتهاكات الإسرائيلية المستمرّة للمسجد الأقصى.



وهنا يطرح السؤال: هل ترك خيار للفلسطينيين المحاصرين والمشردين من منازلهم والمعرّضين للاعتقال والقتل والتهجير في أي لحظة بعدما زود وزير الأمن الإسرائيلي بن غفير المستوطنيين بالسلاح، غير المواجهة؟



ردت إسرائيل على عملية المقاومة بإعلان "حالة الحرب" وأطلقت عملية عسكرية أسمتها "السيوف الحديدية". وحدّدت حكومة نتنياهو ثلاثة أهداف لهذه الحرب:

١- انهاء حركة حماس وتدمير القدرات العسكرية للفصائل الفلسطينية في غزة.

٢- تحرير الأسرى والرهائن الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية

٣-السيطرة الأمنية على غزة بما يضمن أمن مستوطنات غلاف غزة.



لم تجار إيران حماس في هجومها على إسرائيل رغم تهديداتها وتوعداتها المتكررة بكب إسرائيل في البحر خلال دقائق معدودة، وهي كانت قد اخترقت العديد من البلدان العربية وأنشأت فيها أذرعاً لها تحت شعار تحرير فلسطين. ولكن تبيّن كيف أنها تخلّفت عن هذا الدور في عملية طوفان الأقصى، وعندما طلب رئيس حماس اسماعيل هنية من مرشد الثورة الإيرانية مشاركتهم في العملية، قال له: "نحن لن نقاتل بديلاً عنكم"، بينما أجازت إيران لأذرعها مشاغلة إسرائيل من الحدود اللبنانية والحدود السورية، ومشاغلة القواعد الأميركية في سوريا والعراق عبر ميليشياتها في هذين البلدين، وهددت الملاحة في البحر الأحمر عبر الحوثيين.



هذا الموقف الإيراني أطلق العنان لتعليقات المراقبين بأنه لم يكن في استراتجية إيران مبدأ تحرير فلسطين، بل استخدمت القضية الفلسطينية على مدى العقود الماضية كورقة استثمار لتحسين شروط تفاوضها مع الولايات المتحدة الأميركية لضمان وزيادة نفوذها في الشرق الأوسط .



إن الحرب الإسرائيلية على غزة التي اتخذت بعداً انتقامياً تحوّلت إلى حرب إبادة جماعية أين منها الممارسات النازية، وقد دخلت شهرها السابع، وذهب ضحيتها ما يزيد على ٣٤ ألف شهيد من المدنيين الفلسطينيين، ٧٠٪ منهم نساءً وأطفالاً وأكثر من ثمانين الف جريح والوف من المفقودين تحت أنقاض المنازل والمشافي والبنى التحتية التي دمرتها آلة الحرب الإسرائيلية، فضلاً عن ظروف المجاعة التي يفرضها الحصار الصهيوني على أهل القطاع، وتقنين المساعدات الإنسانية، أو منع دخولها إليه.



كيف نقرأ نتائج هذه الحرب الصهيونية على الشعب الفلسطيني مع دخولها شهرها السابع، والتهديد باجتياح مدينة رفح التي يعيش فيها ما يقرب من مليون ونصف المليون نسمة؟


أولاً، على الجبهة الإسرائيلية:



١-لم تحقق إسرائيل أياً من أهدافها المعلنة، فضلاً عن فشلها بتحقيق "ترانسفير" الفلسطينيين من غزة إلى سيناء، ومن الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية لنهر الأردن وإقامة الوطن البديل فيها، الذي أعرب نتنياهو وحكومته المتطرفة عن رغبتهم في تحقيقه إفساحاً في المجال لإقامة الدولة اليهودية الخالصة في فلسطين، وكانت مقدمات ذلك في إفشاله لصيغة إتفاق أوسلو. وتجنّد بايدن وبلينكن للضغط على مصر والأردن في الأيام الأولى بعد طوفان الأقصى لتمرير عملية "الترانسفير"، لكنهما لم ينجحا رغم التهديد والإغراءات.



٢-تخبط وانقسام في الطبقة السياسية الإسرائيلية وفي الشارع الإسرائيلي



٣-انكشاف قوة الردع الإسرائيلية التي لم تعد توحي بالثقة لشعب إسرائيل كضامنٍ لأمنهم بدون دعم الحلفاء الغربيين .



٤- جرائم غير مسبوقة تصنّف بجرائم ضد الإنسانية، ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، ما تسبب لإسرائيل بعزلة دولية غير مسبوقة على المستوى الشعبي، وبداية بروز تحفظات لدى إدارات بعض دول الغرب عن تزويد إسرائيل بالذخائر وقطع الغيار



٥-قلق نتنياهو ووزير دفاعه ورئيس أركان جيشه من تعرّضهم للاعتقال بمذكرات توقيف من المحكمة الجنائية الدولية التي لوح بها رئيسها كريم خان، ويعمل نتنياهو على الاستنجاد ببايدن لإبعاد هذا الكأس عنه.



٦-طوفان من الاحتجاجات لطلاب الجامعات الأميركية المنددة بالمجازر الإسرائيلية والداعية إلى وقف التعاون مع إسرائيل وإلى وقف الحرب فوراً . هذا الطوفان يتمدد بسرعة إلى جامعات في بريطانيا وفرنسا وكندا واستراليا.


ثانياً، على الجبهة الفلسطينية:



١-أصيبت غزة بنكبة أين منها نكبة الـ١٩٤٨ إن لجهة عدد القتلى والجرحى، أو لجهة التدمير غير المسبوق للمباني السكنية والبنى التحتية فيه.



٢-نجح صمود المقاومة الفلسطينية في التصدي للعدوان الإسرائيلي واستمرارها بالقتال للشهر السابع على التوالي، ودون تمكين العدو من تحقيق أهدافه المعلنة.



٣-نجحت التضحيات البليغة للشعب الفلسطيني، وعدم بروز حالة معارضة شعبية للمقاومة، في التسبب بحجم التضامن العالمي غير المسبوق مع قضية الشعب الفلسطيني، وفي عزلة إسرائيل الدولية.



٤-تعلن حماس استعدادها العلني التخلي عن كيانها العسكري وتحولها إلى تنظيم سياسي، إذا كان من شروط وقف الحرب، الذهاب إلى حل الدولتين، وهذا ما يستدعي التقدم نحو تفاهمات فلسطينية جدية تحديداً بين فتح وحماس.


ثالثاً، على الجبهة اللبنانية:

١- وإن تسببت مساندة حزب الله لغزة في تهجير ما يفوق على ٢٠٠ الف مستوطن إسرائيلي من مستوطنات الشمال، وتكبيد جيش العدو في جبهة الشمال خسائر مادية وبشرية جسيمة، غير أن دلك قد أدى بالمقابل إلى خسائر بشرية لبنانية كبيرة، فضلاً عن تهجير ما يربو على ١٢٠ الف لبناني جنوبي، والتسبب بدمار كبير في العديد من القرى الحدودية، وضرب المواسم الزراعية فيها.



٢- ادّى تفرّد حزب الله بفتح جبهة الجنوب إلى تفاقم الانقسام الداخلي، في وقت لبنان هو أحوج ما يكون فيه إلى تماسك وحدته الوطنية الهشة، بظل فراغ متمادي في المؤسسات الدستورية وتحلل مؤسسات الدولة، وفي ظل أعمق أزمة مالية واقتصادي واجتماعية يعيشها هذا البلد المنكوب بمنظومته الحاكمة.



خلاصات:


١-الثابت المرجح، وجود توافق أميركي إيراني، على عدم توسعة الحرب



٢-السعي الجاد في ظل ضغوط دولية وإقليمية إلى صفقة في غزة تفضي إلى الإفراج عن الرهائن وإلى هدنة مؤقتة تتطور إلى دائمة وتفتح مسار الحل السياسي لليوم التالي، وهذا لن يكون ممكناً إلا بإخراج المتطرفين من حكومة نتنياهو.



٣- حرب غزة لم تعد نزاعاً فلسطينياً إسرائيلياً بحتاً، بل أصبحت قضية إقليمية دولية يرتبط بحلها تسوية مختلف الأزمات في بلدان الشرق الأوسط من لبنان إلى سوريا والعراق واليمن.



٤-أميركا الممسكة في هذه الأوراق تعيش إدارتها حالة ارتباك كبيرة، لتداخل المواقف من هذه الأزمات بالحسابات الانتخابية الداخلية.



٥-شكّلت انتفاضة طلاب الجامعات الأميركية عامل الضغط الأساسي على إدارة الرئيس نيكسون لوقف الحرب الأميركية في فيتنام، فهل تتكرّر التجربة مع إدارة بايدن لوقف المذبحة الصهيونية في غزة وفلسطين؟؟؟

MISS 3