حزب مؤيّد للحرّيات يحلّ نفسه.. وردود فعل دوليّة مندّدة

بكين تفرض "الأمن القومي" على هونغ كونغ

00 : 16

لام خلال إلقائها كلمتها عبر الفيديو أمام مجلس حقوق الإنسان أمس (أ ف ب)

كما كان متوقّعاً، كشّر النظام الشيوعي في بكين عن أنيابه وأقرّ أمس بشكل سريع قانون الأمن القومي المثير للجدل في هونغ كونغ، الذي تُدينه واشنطن ولندن وبروكسل، ويعتبر منتقدوه أنّه يقضي على مبدأ "بلد واحد بنظامَيْن" ويُمهّد لقمع أي معارضة سياسيّة في المدينة التي تتمتّع بحكم شبه ذاتي. متجاهلاً دعوات الدول الغربيّة، أقرّ البرلمان الوطني الصيني هذا النصّ التاريخي الذي يأتي بعد سنة على التظاهرات الضخمة في المستعمرة البريطانيّة السابقة ضدّ نفوذ الحكومة الشيوعيّة المركزيّة.

وأكدت وكالة أنباء الصين الجديدة الحكوميّة أن اللجنة الدائمة في البرلمان الوطني، الهيئة التابعة للحزب الشيوعي الصيني، "تبنّت قانون الأمن القومي" والرئيس الصيني شي جينبينغ "وقّعه". وسيُدرج النصّ في "القانون الأساسي" الذي يُعدّ بمثابة دستور في هونغ كونغ منذ العام 1997. وحذّرت الحكومة الصينيّة من أن "هذا القانون، سيكون بالنسبة إلى أعضاء الأقليّة الصغيرة التي تُهدّد الأمن القومي، سيفاً مصلتاً فوق رؤوسهم".

وبحسب النصّ المنشور، يمنح القانون بكين سلطة قضائيّة على جرائم الأمن القومي "الخطرة للغاية"، وقد يُواجه المدانون السجن مدى الحياة. كما يُمكّن القانون الصين من إنشاء وكالة للأمن القومي في المدينة، يعمل فيها مسؤولون غير ملزمين بالقانون المحلّي عند أداء واجبهم. وستُكلّف الوكالة بشكل خاص جمع معلومات وملاحقة انتهاكات الأمن القومي. وفكرة منح هيئة تابعة للسلطة المركزيّة الشيوعيّة صلاحيّات في هونغ كونغ تُثير قلق المعارضة المحلّية والغرب. لأنّ مبدأ فصل السلطات ليس موجوداً في الصين القاريّة التي يُديرها الحزب الشيوعي الصيني.

ويُعيد القانون الجديد هيكلة العلاقة بين بكين وهونغ كونغ بشكل جذري، ويُسقط جدار الحماية القانوني القائم بين القضاء المستقلّ في المدينة والمحاكم التي يُسيطر عليها الحزب الشيوعي في البرّ الرئيسي. ويتضمّن النصّ ثلاثة سيناريوات يُمكن أن تتولّى الصين فيها محاكمة خاصة: قضايا التدخّل الأجنبي المعقّدة، والقضايا "الخطرة للغاية" وعندما يُواجه الأمن القومي "تهديدات خطرة وواقعيّة".

كذلك، يُمكن إحالة القضايا إلى البرّ الرئيسي للصين للنظر فيها من قبل النيابة الشعبيّة العليا، وستكون المحاكمة أمام المحكمة العليا. ونصّ القانون أيضاً على أنّ مرتكبي الجرائم الخطرة قد يُواجهون عقوبة السجن من 10 سنوات حتّى مدى الحياة "بغضّ النظر عمّا إذا تمّ استخدام العنف أو التهديد باستخدام العنف".

وفي الوقت الذي أعلنت فيه رئيسة السلطة التنفيذيّة في هونغ كونغ كاري لام، الموالية لبكين، أن القانون سيدخل حيّز التنفيذ في وقت متأخّر الثلثاء، كتب جوشوا وونغ، أحد شخصيّات الحركة المطالبة بالديموقراطيّة والحرّيات في هونغ كونغ: "هذا يعني نهاية هونغ كونغ كما كان يعرفها العالم. مع سلطات موسّعة وقانون أُعدّ بشكل سيّئ، ستتحوّل المدينة إلى منطقة شرطة سرّية".

وعقب تبنّي القانون، أعلن حزب "ديموسيستو" السياسي الذي أسّسه وونغ مع ناشطين آخرين العام 2014، حلّ نفسه. وكان الحزب يدعو خصوصاً إلى تقرير مصير المدينة. وكتب الحزب على "تويتر": "بعد نقاشات داخليّة قرّرنا حلّ الحزب ووقف أي نشاط جماعي نظراً إلى الظروف". وكان 4 قادة شباب في التحرّك المؤيّد للديموقراطيّة في هونغ كونغ، أعلنوا استقالتهم الثلثاء، مؤكدين أنّهم سيُواصلون نضالهم فرديّاً، ما يوحي بأنّهم يرغبون في حماية الحزب من أي ملاحقة قضائيّة أو استبعاد مع بدء تطبيق هذا القانون.

وفي ردود الفعل، طالبت 27 دولة في بيان في مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، الصين، بإعادة النظر في القانون الجديد للأمن القومي في هونغ كونغ، معتبرةً أنّه يُهدّد "الحرّيات" في هذه المدينة. وقالت هذه الدول وبينها بريطانيا وفرنسا وألمانيا واليابان: "نُطالب حكومتَيْ الصين وهونغ كونغ بإلحاح بإعادة النظر في إقرار هذا القانون"، بينما انتقدت كاري لام الضغوط الغربيّة في تصريحات عبر الفيديو أمام مجلس حقوق الانسان، قائلةً: "أحضّ المجتمع الدولي على احترام قانون بلدنا لجهة ضمان الأمن القومي وتطلّعات سكّان هونغ كونغ إلى الاستقرار والوئام".

وندّد الاتحاد الأوروبي بتبنّي النصّ، وقال رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال إنّ "هذا القانون يُهدّد بجدّية بتقويض الدرجة العالية من الحكم الذاتي لهونغ كونغ، وقد يكون له تأثير مضرّ على استقلاليّة السلطة القضائيّة وسيادة القانون"، في حين أعربت الحكومة البريطانيّة عن "قلقها الشديد" حيال القانون، مطالبةً الرئيس الصيني "بالتراجع عن هذا القرار". وقال رئيس الوزراء المحافظ بوريس جونسون: "نحن بالطبع قلقون للغاية حيال قرار تبنّي هذا القانون"، واعداً بدراسة مضمونه "بتمعّن" وذلك "لمعرفة ما إذا كان يتعارض مع الإعلان المشترك بين المملكة المتحدة والصين" العام 1997، فيما اعتبر وزير الخارجيّة البريطاني أن إقرار القانون "خطوة خطرة" و"مقلقة للغاية".

وفي خطوة استباقيّة للتصويت، أعلنت واشنطن الإثنين وقف بيع معدّات دفاعيّة حسّاسة إلى هونغ كونغ، لتجنّب أن "تقع بأيدي" الجيش الصيني، بينما هدّدت الصين بأنّها ستتّخذ "تدابير مضادة مناسبة" ردّاً على ذلك. وقال الناطق باسم وزارة الخارجيّة الصينيّة جاو ليجيان إنّ "المحاولات الأميركيّة لعرقلة مضي الصين في اعتماد قانون الأمن القومي لهونغ كونغ عبر ما يُسمّى عقوبات، لن تنجح أبداً".


MISS 3