مريم مجدولين لحام

"عوده" و"بيبلوس" و"BBAC" وضعُها آمن ومهلة توفُّر الشروط تنتهي في 2021

العراق يضيّق على المصارف اللبنانية... من يستمرّ؟

3 تموز 2020

02 : 00

يتخوّف "المركزي" العراقي من تدهور تصنيف المصارف اللبنانية
تخيّم أجواء التوتر بين المصرف المركزي العراقي والفروع المصرفية اللبنانية العاملة في العراق، على خلفية تعاقب إصدار تعاميم وإجراءات استهدفتها وتعاملت معها بحذر شديد. كان آخرها عدداً من الشروط التي ينبغي أن تكون مستوفاة ضمن مهلة تنتهي في نهاية العام 2021، تخوّفاً من تدهور تصنيفها الإئتماني إلى ما دون درجة B، وتصدّياً لاحتمالية انتقال مشاكل القطاع المصرفي اللبناني إلى العراق، من باب ترابط الميزانيات بين المصارف الأم المتواجدة في لبنان مع ميزانيات فروعها في العراق.




الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي العراقي التي تهدف إلى تحصين القطاع المصرفي في العراق وتجعله أقل عرضة للسلوك المحفوف بالمخاطر، ألقت بثقلها على التواجد المصرفي اللبناني هناك، إذ تتجه ثلاثة مصارف من أصل عشرة نحو التصفية الطوعية، دافعةً ضريبة توسع أنشطتها للخارج، وأكدت ثلاثة مصارف أخرى قدرتها على الإستمرار. أما المصارف الأربعة المتبقية فصرحت لـ"نداء الوطن" أنها ستحاول الإلتزام بالمطلوب ويبقى مصيرها قيد الدراسة ورهناً بالوقت وقرارات إداراتها التي لم تُتخذ حتى الساعة.

الشروط الإحترازية

في التفاصيل، أصدر البنك المركزي العراقي، قراراً عمّمه على جميع المصارف العاملة في البلاد، يقضي بإجبار المصارف الاجنبية، وأهمها اللبنانية، التي تراجع تصنيفها الإئتماني إلى ما دون درجة B، الاحتفاظ بنسبة 70% من ودائعها بالعملة الاجنبية داخل العراق بمردود بسيط لا يتخطى 1.25%، وهي الفوائد على السندات الدولارية الدولية العراقية، بحيث خضعت أيضاً لضريبة تصل نسبتها الى 15% لمصلحة الخزانة العراقية.

كما نصّ القرار على أن تخفّض المصارف الأجنبية، بما في ذلك اللبنانية منها، أرصدتها في الخارج لتوازي نسبة 30% من ودائعها بالعملة الأجنبيّة، أو 20% من رأسمالها وإحتياطاتها، مشترطاً أن تكون هذه الإيداعات ليست في البنك الأم، بل في مصارف أخرى تحمل التصنيف الائتماني درجة B وما فوق أو نقلها إلى داخل العراق. كما طلب التعميم من المصارف تسوية أرصدتها في الخارج على ان يتحمل المصرف المخالف غرامة بنسبة 120% من عائد الاستثمار الخارجي التقديري، وفرض عدم إخراج الأرباح المحققة للأعوام 2019 و2020 و2021، وإدخالها في رأس مال الفرع.

من جهته، تلقّى مصرف لبنان مراسلة من البنك المركزي العراقي طالبه فيها بالايعاز الى المصارف اللبنانية التي لديها فروع في العراق، لإعادة الأرصدة المالية المخصصة لهذه الفروع، والمودعة في المصرف الأم، الى صناديق الفروع، وذلك بسبب انخفاض التصنيف الائتماني لهذه المصارف ما دون الفئة B. وذكّر "المركزي" العراقي في مراسلته انّ القوانين العراقية المرعية لا تسمح للمصارف العاملة في العراق بالاحتفاظ بأرصدة لدى مصارف مراسلة تمتلك تصنيفاً ائتمانياً دون الـB.



موافقة البنك المركزي العراقي على إقفال فروع "فرنسبنك"



إنقطاع "حبل السرة"

وبهذه الإجراءات الإحترازية، قطع "حبل السرة" بين الفرع المصرفي العامل في العراق وبين البنك الأم في لبنان بحيث لا تستطيع الفروع الإحتفاظ بأي أرصدة في المصارف الأم، كون تصنيف المصارف اللبنانيّة يقل عن المستوى B المحدد في التعميم. وهو فعلياً ما تقوم به أهم وأكبر المصارف اللبنانية العاملة في العراق، منذ ما قبل صدور التعميم، إذ تضع جزءاً من أموالها في بنوك الولايات المتحدة ذات التصنيف الإئتماني العالي والآمن وبالتالي استطاعت المحافظة على سلوكها المصرفي المعتاد في العراق، وبقيت تفتح الاعتمادات وتقوم بالتحويلات الى الخارج بشكل طبيعي في العراق بعكس سلوك مؤسساتها الأم في لبنان.

إضافة إلى ذلك، حدّد البنك المركزي العراقي للمصارف اللبنانية بأن يكون حجم ميزانية الفرع، موازياً لقيمة رأس مال المصرف العراقي البالغ 250 مليار دينار عراقي أي ما يعادل 210 ملايين دولار أميركي بعد خمسة أشهر، في نهاية 2021. بحيث من يبلغ هذا المستوى من المصارف تؤمن إستمراريته، ومن لا يتمكن من تحقيقه، يصبح ملزماً بالانسحاب والتصفية الطوعية.

الموجودات

وبناءً على آخر تقرير صادر بتاريخ 31 آذار 2020 هناك ثلاثة مصارف لبنانية فقط وضعها آمن وتندرج تحت هذا الشرط المتعلّق بتوفر حدّ أدنى من الموجودات في نهاية العام 2021، لا بل تتجاوز حالياً الحد الأدنى المطلوب مما يؤكد قدرتها على الاستمرار ما لم تقرر الانسحاب لاعتبارات أخرى. وهي بنك بيروت والبلاد العربية BBAC بموجودات تساوي 490 مليون دولار، يأتي بعدها بنك بيبلوس بموجودات تساوي 408 ملايين دولار ويليها بنك عوده بموجودات بقيمة 299 مليون دولار.

أما بنك البحر المتوسط الذي بلغت موجوداته 158 مليون دولار هو الأكثر ترشيحاً لإحتمالية زيادة موجوداته بهدف الإستمرار في العراق، كونه يحتاج فقط الى 52 مليون دولار وهو مبلغ يمكن لإدارة البنك تأمينه، ما لم يكن خيارها مختلفً نتيجة التكاليف المرتفعة التي تتحملها وتراجع ربحيتها وتطويقها، وتراجع حجم أعمالها بعد التعميم الأخير. وفي السياق نفسه، تقدم بنك فرنسبنك (73 مليون دولار من الموجودات) وبنك الاعتماد اللبناني (72 مليون دولار) بكتاب رسمي إلى البنك المركزي العراقي، مفاده قرارهما بالإنسحاب من السوق كلياً عبر بيع الكيانات المصرفيّة المملوكة منهما هناك، والتفاهم مع مصرف لبنان على استعمال جزء من مردود عمليّات البيع هذه لسداد إلتزاماتهما، وبالتالي التخلّص "بشكل اضطراري" من الضغوط المتعاقبة والتي يعمل المصرف المركزي العراقي على فرضها بتعاميمه المتتالية منذ حوالى السنة. كما أنه من المرجح أن يليهما البنك اللبناني الفرنسي (65 مليون دولار) في هذه التصفية الإجبارية.



و"الإعتماد اللبناني" في العراق



إلى ذلك، فإن قرارات بلوم (109 ملايين دولار) وبنك MEAB(109 ملايين دولار) وبنك IBL (97 مليون دولار) لم تتخذ حتى الساعة أو على الأقل لم يتم الإعلان عنها، وهي رهن بنتائج دراسة جدوى تقارن بين الفرص التي يوفرها سوق العراق لها من عدمه، ولكنها، بحسب مصادر تفكر جدياً بالإنسحاب، أو البحث مع المصرف المركزي العراقي للوصول إلى حلول وسط بديلة، مثلاً كسداد جزء من الإلتزامات المفروضة بعد بيع إستثماراتها كمصارف في العراق، على أن تتم جدولة الجزء المتبقي بترتيبات خاصّة، وذلك كي لا تفرّط هذه الفروع المصرفية بموجوداتها الإستثماريّة بالعملة الصعبة، في ضوء ما يحدث في لبنان ولحاجتها إلى الدولارات الطازجة من الخارج، وخشية من تبعات التصفية على الوضع المالي الداخلي في لبنان الذي سينعكس حكماً على المودعين. ولا يتوقع أن تقتصر الأضرار على "ربحيّة" فروع المصارف اللبنانية في العراق في حال قررت الإستمرار فحسب، وإنما ستمتد انعكاساتها إلى المصارف الأم في لبنان بما أن حجم الأرصدة المطلوبة هي مبالغ مرتفعة مقارنة بقدرتها على توفير هكذا سيولة في الظروف الحالية.

خنق القطاع المصرفي

وحذّر بعض النقاد من أن تشديد الإجراءات المصرفية ستخنق القطاع المصرفي في العراق ككل، وتدفع بالمصارف الأجنبية إلى تخفيض أنشطتها بسبب تراجع هوامش الربح مقابل ما تتكبده من تكاليف كبيرة. كما أنها ستدفعها للهروب أو الإنسحاب التدريجي، عبر خفض نسب الودائع الموجودة في العراق وسحبها إلى الخارج، بخاصة لعدم تكبدها خسائر ناتجة من كلفة الفوائد المستحقة على هذه الودائع، والتي كانت المصارف تؤمنها من خلال التوظيفات في الخارج. وبالتالي سينتج عن كل ذلك حتماً، ولو في المدى البعيد، تباطؤ في النمو الاقتصادي. أما في لبنان فهناك تخوف كبير من إمكانية تكرار هذا السيناريو العراقي في دول أخرى، حيث تتواجد المصارف اللبنانية كمصر وتركيا والبلاد الخليجية والأوروبية الأخرى.


MISS 3