أحمد الأيوبي

أمل شعبان... المعارك الأخيرة لـ"تيار المستقبل"

26 كانون الثاني 2024

02 : 00

الحريري يستميت في الدفاع عن شعبان

كشفت المعركة السياسية التي دارت حول أمل شعبان في وزارة التربية جانباً ممّا وصلت إليه العلاقات السياسية لـ»تيار المستقبل» مع من يُفتَرضُ أنّهم حلفاء للرئيس سعد الحريري، وبالتحديد الرئيس نبيه بري الذي أعلن ذات يوم أنّه مستعدّ لإحضار «لبن العصفور» كرمى لسعد، والنائب الأسبق وليد جنبلاط الذي طالما تمسّك بالعلاقة المميزة بـ»التيار الأزرق» باعتباره يمثّل الاعتدال السني ووفاءً للشهيد رفيق الحريري، فإذا بواقعة التحقيق مع شعبان تكشف أنّ هذين الحليفين المفترضَين يتعاملان مع «تيار المستقبل» ومع رئيسه باعتبارهما خارج الاعتبارات السياسية، بينما كان رئيس شعبة المعلومات العميد خالد حمود يعلن خروجه على الحريري بإصراره على استكمال التحقيق في وجه قرار اللواء عماد عثمان إقفال الملف.

في النتائج السياسية الأوضح لهذه المواجهة أنّ الرئيس بري والنائب الأسبق جنبلاط باتا يتعاملان على اعتبار أنّ «تيار المستقبل» بات خارج الحياة السياسية وبالتالي لا بأس من تقاسم إرثه في الإدارة كلّما سنحت الفرصة، وكان لافتاً أنّ قرار إزاحة شعبان جاء بعد يومين من زيارة جنبلاط لبري في إشارة إلى أنّ قرار الوزير عباس الحلبي أتى بتنسيق مشترك بين الرجلين، خاصة أنّ جنبلاط أيّد قرار الإزاحة باعتباره أمراً طبيعياً طالما يجري التحقيق مع شعبان وحرص على التأكيد على عدم التواصل مع الحريري منذ الانتخابات النيابية الأخيرة، بينما كان موقف بري دافعاً نحو إزاحة شعبان متجاهلاً الرغبة العارمة للحريري في إنقاذ ابنة شقيق مستشاره المقرّب وفي إغلاق ملفٍ قد يكشف ملفات كثيرة مزعجة ممتدة إلى عهود وزارية سابقة، وهذا يعني أنّ الحريري ظهر خارج حسابات السياسة والأمن والقضاء والإدارة.

لا شكّ أنّ هذا الملف أظهر رداءة القوى السياسية في التعامل مع شبهات الفساد في الوزارات، حيث لم يجد «تيار المستقبل» حَرَجاً في اعتبار نفسه قاضياً يصدر الأحكام ويعلن البراءة ويحاول فرضها بالأمر الواقع على القضاء والإدارة ليبرز السؤال: إذا كانت شعبان بريئة فلماذا لا تُـترك شعبة المعلومات لتكمل تحقيقاتها وتثبت براءتها وتكشف المدانين في هذا الملفّ بدل قيام اللواء عثمان بالتدخّل المباشر مع الضابط الذي يقوم بالتحقيق من الشعبة ليطلب منه إغلاق الملف، وهذا ما دفع هذا الضابط للاتصال بالمدعي العام المالي علي إبراهيم ليخطره بأنّ عثمان طلب منه إغلاق الملف، فجاء ردّ النائب العام المالي باستدعاء شعبان وتوقيفها على ذمّة التحقيق بضعة أيام؟

في التفسيرات السياسية أيضاً أنّ الضربة جاءت من الرئيس بري عبر القاضي إبراهيم بعزل شعبان ردّاً على محاولة اللواء عثمان اللعب خارج صلاحياته بإغلاق ملفٍ يشرف عليه المدعي المالي المحسوب على «دولته» وهو من المحامين العامين التمييزيين بينما اللواء عثمان ضابط عدلي مساعد للنائب العام الاستئنافي في معرض القيام بمهامه.

أظهرت هذه المواجهة أيضاً مدى جرأة رؤساء الأجهزة الأمنية على أخذ أدوارٍ خارج صلاحيّاتهم، وظهر أيضاً التصدّع في واقع هذه الأجهزة مع قيام اللواء عثمان بـ»معاقبة» شعبة المعلومات عن طريق نقل 4 ضباط ممّن تولّوا التحقيق إلى خارج الشعبة وهذا القرار غير مسبوق في تاريخها ولا يحصل في الجيش والمؤسّسات الأمنية الأخرى فلا يجري التشكيل إلا بالتنسيق مع رؤساء الأجهزة، فعلى سبيل المثال: رغم كل حملات التجنّي التي شنّها النائب جبران باسيل على قائد الجيش العماد جوزاف عون فإنّه لم تتّخذ إجراءات ضدّ الضباط المحسوبين على باسيل في الجيش لأنّه يفرّق بين النكد السياسي وبين الحفاظ على المؤسسة.

يُذكِّرُ بعض الرافضين لسياسات الحريري بأنّه مارس التخلّي عن مواقع سنية كثيرة في الدولة في إطار الصفقة الرئاسية مع العماد ميشال عون لا بل إنّه نكّل بالمدير العام السابق لهيئة أوجيرو عبد المنعم يوسف الذي صمد في وجه واحدة من أشرس حملات الاستهداف السياسي والإداري والقضائي ليثبت براءته من عشرات الدعاوى الكيدية التي طالته في ذلك الحين، بينما يستميت في الدفاع عن شعبان التي تحتلّ في الأصل موقعاً كان للسنّة وليس موقعاً «كاثوليكياً» وأعطاه الحريري لها تحت شعار العمل الوطني وتجاوز الحدود الطائفية، حيث يذكّر هؤلاء المعترضون بأنّ سياسة الحريري هذه أدّت إلى تداعي الحضور السني في الدولة وإلى تعاظم اللغة الطائفية نتيجة خطورة وتداعيات التنازلات الكبيرة التي قدّمها الحريري لخصومه من دون جدوى سياسية أو إنمائية.

عرف اللبنانيون مجدّداً أنّ هذه المنظومة الحاكمة قادرة على التحكّم بالقضاء والأمن على حساب العدالة وهم يشاهدون مشهداً جديداً من حماية الفساد عن طريق تعجيز القضاء عن القيام بمهامه كما حصل بشكلٍ فاقع في ملف جريمة تفجير مرفأ بيروت، وما يبدو أنّه مستمرّ ومتواصل طالما لبنان في قبضة منظومة تحالف السلاح والفساد.

MISS 3