رامي الرّيس

قيام دولة فلسطين: التأييد اللفظي الغربي ليس كافياً!

3 شباط 2024

02 : 00

بوابة مخيّم المغازي أمس الأوّل (أ ف ب)

تتزايد التساؤلات في الأوساط الدوليّة والعربيّة ما إذا كان ثمّة مسار سياسي قد بدأ بالتبلور التدريجي يتصل بمسألة قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، على خلفيّة طرحه كأحد المخارج لمغادرة واقع الحرب التي ناهزت الثلاثة أشهر وأسفرت عن خسائر بشريّة وغير بشريّة هائلة، خصوصاً أن فعل الإبادة الجماعيّة بات ينطبق عليها قانوناً.

ولعل الحراك البريطاني الذي يقوده وزير الخارجيّة ديفيد كاميرون (رئيس وزراء بريطانيا بين عامي 2010 و2016 وزعيم حزب المحافظين بين عامي 2005 و2016)، هو أحد جوانب التساؤل عن هذا المسار الذي قد يكون جديداً بالشكل ولكن ليس بالمضمون. وكان كاميرون قد صرّح بأن «لندن تدرس الاعتراف بالدولة الفلسطينية»، وأكد «ضرورة إظهار تقدم لا رجعة فيه نحو حل الدولتين، للشعب الفلسطيني»، معتبراً في مقابلة مع «هيئة الإذاعة البريطانية» أن «بريطانيا تنظر مع حلفائها في مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، بما في ذلك في الأمم المتحدة».

لعل البعض يعتبر أن ثمة تحولاً جذريّاً قد حصل في الموقف البريطاني، وربّما الغربي عموماً، في هذه القضيّة، خصوصاً بالنظر إلى الالتصاق شبه التام بين السياستين الخارجيتين البريطانيّة والأميركيّة في الشرق الأوسط وبقع أخرى من العالم، بينما يُصنّف آخرون هذا الموقف وسواه من المواقف السياسيّة الأخرى الداعية إلى حل الدولتين بأنه مجرّد موقف لفظي لا يرتبط بأي سياسة عمليّة لدفع إسرائيل نحو السير بعمليّة السلام التي رفضتها على مدى عقود وقامت بكل الإجراءات السياسيّة والميدانيّة الكفيلة بتقويضها.

لم تكترث إسرائيل إلى المبادرة العربيّة للسلام التي أقرتها قمّة بيروت العربيّة للسلام سنة 2002، بعد أن كانت تنصّلت من معظم التزاماتها (المتواضعة أساساً) في إتفاقيّة أوسلو التي وقعتها مع الفلسطينيين سنة 1993، لا بل واصلت سياسة التوسع الاستيطاني والسيطرة العسكريّة والأمنيّة على الضفة الغربيّة والقدس ومناطق أخرى بحيث بلغ عدد المستوطنين هناك ما يناهز 800 ألف مستوطن، يُشكّل وجودهم عقبة كبيرة أمام قيام أي دولة فلسطينيّة مرتجاة.

على الرغم من أهمّية الاعتراف القانوني بدولة فلسطين، خصوصاً من دول كان لها دور كبير في دعم إسرائيل خلال العقود المنصرمة (وفي مقدمها بريطانيا التي سهلت المشروع الصهيوني في فلسطين منذ ما قبل استصدار وعد بلفور سنة 1917)، إلّا أن ذلك ليس كافياً ما لم يقترن بخطوات عمليّة تتيح فعلاً قيام هذه الدولة، وأن تكون دولة قابلة للحياة تتمتّع بالحد الأدنى من مقومات السيادة الوطنيّة في الدفاع والمال والحدود والنقل وسواها من العناصر الضروريّة لقيام أي دولة مستقلة.

في 15 تشرين الثاني من العام 1988، أعلن رئيس «منظمة التحرير الفلسطينية» ياسر عرفات قيام الدولة الفلسطينية المستقلة أثناء إنعقاد الدورة الـ19 للمؤتمر الوطني الفلسطيني في الجزائر، ونال هذا الإعلان إعتراف نحو 150 دولة في غضون أسابيع قليلة وشكّل محطة مهمة في مسار العمليّة السياسيّة والوطنيّة الفلسطينيّة. ولكن حدث بعد مرور نحو 5 سنوات أن إعترفت إسرائيل، بموجب إتفاق أوسلو، بمنظمة التحرير وليس بدولة فلسطين على عكس المنظمة التي اعترفت بالدولة العبرية.

الخلاصة من هذه التجربة أن الاكتفاء بالاعتراف اللفظي بالدولة الفلسطينية المرتجاة ليس كافياً. واضحٌ أن إسرائيل لم ترد السلام يوماً، وهي اليوم لا تريده أكثر من أي وقت مضى، لا سيما أنها محكومة من جماعات اليمين المتطرّف الذي يؤيد إبادة الفلسطينيين ويدعو لإعادة الاستيطان إلى غزة!

أمام مشروع الدولة الفلسطينية مرحلة طويلة قبل الوصول إلى الخواتيم المرجوة، وهو يتطلب عناصر داخليّة تبدأ بوحدة الصف الفلسطيني والاتفاق على الخيارات الاستراتيجية، وعناصر خارجيّة تتصل بطبيعة المواقف الدولية وانعكاسها على مجريات الصراع وموازين القوى فيه.

MISS 3