رواد مسلم

واشنطن ترفع سقف الردّ لكبح "التهوّر" الإيراني

3 شباط 2024

02 : 00

صورة جوّية لقاعدة "برج 22" في شمال شرق الأردن (بلانيت)

يعدّ هجوم 28 كانون الثاني على قاعدة «برج 22» في شمال شرق الأردن، أكبر ضربة من حيث الخسائر البشرية تشهدها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط منذ أكثر من عقد. فبالرغم من الضربات المتتالية على قواعدها المنتشرة في سوريا والعراق منذ 17 تشرين الأوّل، وضربات الحوثيين المستمرّة ضد السفن الحربية الأميركية في البحر الأحمر، إلّا أنّ هذه الضربة تعدّ استراتيجية وتخطّت الخطوط الحمر بين الجماعات المدعومة من إيران والولايات المتحدة، فهي ضربت العنصر البشري الأميركي بقتل 3 جنود وجرح 47 آخرين، وفتحت مسرحاً جديداً للهجمات ضدّ القواعد الأميركية في المنطقة.

فإيران الداعمة للجماعات المسلّحة في العراق وسوريا، والتي يبدو أنّها زوّدت أذرعها بالمسيّرة التي إنفجرت فوق القاعدة الأميركية حسب التحقيقات الأميركية، تعرف أنّ الولايات المتحدة لا تريد الحرب المباشرة على أراضيها أو ضدّ عناصرها في سوريا والعراق، لكنّ هذه الضربة تستوجب ردّاً أميركيّاً حازماً لإعادة هيبة الردع الذي يبدو أنّه يتراجع منذ إندلاع حرب غزة، كما يستوجب إرسال إشارة قوية وإنتقامية إلى إيران ووكلائها، لكن من دون الدخول في حرب مباشرة ضدّ إيران من شأنها أن تؤدّي إلى حرب إقليمية مدمّرة.

من المعروف أنّ لدى الجيش الأميركي لائحة طويلة من الأهداف الإيرانية الحسّاسة في العراق وسوريا التي يمكن الاختيار من بينها، أعدتها وزارة الدفاع الأميركية بناء على معلومات استخباراتية من وكالة الاستخبارات المركزية ووكالة الأمن القومي، وقد فعلت ذلك عام 2020 عند إغتيال قائد «فيلق القدس» الجنرال قاسم سليماني في العراق، والتي لم تردّ عليها إيران بشكل متساوٍ.

والجدير بالذكر هنا أنّ ما يُميّز الجيش الأميركي، هو جرأة الإعتراف بقيامه بعملية الإغتيال، وهذا يعتبر مفخرة العقيدة العسكرية الأميركية، عكس الإيرانيين الذين يدفعون الفصائل المسلّحة إلى القيام بالأعمال العدائية وعند حدوث أي ضربة قويّة يتبعها نفي رسمي من إيران بعدم ضلوعها بأي شكل بالإعتداء، علماً أنّ الأجهزة الاستخباراتية والأسلحة جميعها من إيران.

يُمكن أن تردّ الولايات المتحدة على مواقع الفصائل الموالية لإيران في سوريا والعراق، لكن هذا الردّ وحده لن يكبح إيران عن متابعة التصعيد، مثل الردود على الحوثيين الذين ما زالوا يُهاجمون السفن في البحر الأحمر. الردّ الآتي يمكن أن يكون ضمن حملة ضربات دقيقة على مواقع إطلاق المسيّرات الإنتحارية، وضرب مخازن الصواريخ البعيدة المدى، والبنى التحتية الحساسة، وضرب المعابر الرئيسية بين العراق وسوريا، كما شنّ حرب سيبرانية لتعطيل الاتصالات بين الجيش الإيراني ووكلائه في المنطقة. وفي الوقت ذاته، القيام بعمليات إغتيال لشخصيات مسؤولة عن الهجمات ضدّ القواعد العسكرية الأميركية.

وعلى الرغم من إسراع إيران لسحب ضباط ومستشاري «الحرس الثوري» من سوريا خوفاً من استهدافهم، وبعثها رسالة للأميركيين بالتراجع الواضح لتخفيف حدّة الردّ، إلّا أنّ الولايات المتحدة سترفع سقف الردّ وبوضوح مطلق بعد تصريحات الرئيس جو بايدن بإعطاء الضوء الأخضر للردّ القاسي، لأنّه من الواضح أن الردّ المتوازي دفع الإيرانيين إلى الشعور أنّ بإمكانهم الاستمرار بتهوّرهم في تصعيد الضغط على أميركا بعد أكثر من 166 هجوماً على القواعد الأميركية في المنطقة، وكون العنصر البشري يعدّ من أولويات الولايات المتحدة. لذلك لن يكون الردّ بقتل عناصر مسلّحة عادية مدعومة من إيران.

يكشف التاريخ أنّ إيران تعتمد استراتيجية فتح الصراعات بالوكالة، بواسطة جماعاتها المسلّحة في المنطقة، وذلك لتحييد نفسها من المواجهة المباشرة. فهي تعمل على تقوية الفصائل في العراق وسوريا، وتدفعهم إلى ضرب أهدافٍ تخدم إيران وليس القضية الفلسطينية التي تكون عنواناً للهجمات، فبعض هذه الفصائل لديه الإمكانات العسكرية لفتح حرب شاملة ضدّ الإسرائيليين، ولكنّهم لم يستفيدوا من عنصر المفاجأة، ولم يستفيدوا من أحرج فترة كان يمرّ فيها الجيش الإسرائيلي في الحرب على جبهته الجنوبية عندما حشد قدراته القتالية كلّها في قطاع غزة.

أمّا بالنسبة إلى نجاح المسيّرة الإيرانية في الوصول إلى الهدف، فيبدو أن المُهاجم استخدم بنجاح عنصر المفاجأة، واستفاد من الإستعلام التكتي قبل العملية. فبحسب تقرير أميركي أوّلي، فإنّ الدفاعات الجوية الأميركية قد فشلت في اعتراض المسيّرة، حيث أنّ المسيّرة المعادية هاجمت في نفس الوقت تقريباً الذي كانت فيه مسيّرة استطلاع أميركية عائدة إلى القاعدة، ما أدّى على الأرجح إلى ارتباكٍ لدى عناصر غرفة التحكّم بالدفاعات الجوية حول ما إذا كانت المسيّرة معادية أو صديقة، علماً أنّ هذه القاعدة اللوجستية تضمّ 350 جنديّاً، وتعتبر في منطقة خطر متدنيّة كونها على الأراضي الأردنية، بعدما كانت معظم الهجمات تستهدف قاعدة التنف القريبة جدّاً، لكن داخل الحدود السورية.

MISS 3