آدم واينستاين وستيفن سايمون

هل حان وقت سحب معظم القوات الأميركية من العراق؟

3 شباط 2024

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

قوات أميركية في سوريا

قُتِل ثلاثة جنود أميركيين بالقرب من الحدود السورية، في شمال شرق الأردن، عبر هجوم بطائرة مسيّرة أطلقته ميليشيا موالية لإيران في آخر أحد من شهر كانون الثاني. تنتشر القوات الأميركية في تلك المنطقة لدعم الحملة المستمرة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» ولمراقبة النشاطات الإيرانية على طول الممر البري بين العراق، وسوريا، ولبنان. في ظل تصاعد الاضطرابات في الشرق الأوسط، أصبح الجنود الأميركيون معرّضين لمخاطر غير مسبوقة بسبب زيادة الاعتداءات التي تستهدف القوات الأميركية في المنطقة على يد ميليشيات تابعة لإيران. سُجّل أكثر من مئة اعتداء منذ بداية الصراع في غزة، لذا حان الوقت للتساؤل: هل تفوق مخاطر الحفاظ على تلك المواقع منافعه المتبقية؟



بعد المأساة الأخيرة، ظهرت مطالبات جديدة بمواجهة إيران، وهي تهدف إلى إعادة إحياء نظام الردع وإثبات قوة البلد. نتيجةً لذلك، قد تنجرّ واشنطن إلى صراع يمكن تجنّبه ضد خصم انتهازي تبدو تكتيكاته العنيفة سهلة التنفيذ طالما تنتشر القوات الأميركية في جوار إيران، تزامناً مع انتشار ميليشيات موالية للإيرانيين تعجز بغداد عن ردعها. يبدو أن إبقاء تلك القوات العسكرية لا يخدم الأمن الأميركي إذاً بل يُعرّضه لمخاطر متزايدة.

في واشنطن، سادت نزعة إلى الاستخفاف بالمخاطر المطروحة على الجنود الأميركيين في العراق وسوريا. لكن يُفترض أن يشكّل الهجوم الأخير على قاعدة في الأردن تُستعمل لدعم العمليات في سوريا جرس إنذار حقيقي. لا تهدف معظم الاعتداءات إلى قتل الأميركيين بل نشر الفوضى. لكن نظراً إلى طبيعة الأسلحة المستعملة ضد القوات الأميركية، بدءاً من قذائف الهاون وصولاً إلى طائرات مسيّرة متطورة بدرجات مختلفة، وفي ظل تفاوت كفاءات مستخدمي تلك الأسلحة، لا تستطيع الميليشيات أن تتأكد من أن اعتداءاتها لن تترافق مع سقوط ضحايا بدرجة تضمن تصعيد الوضع. سبق وأسفرت تلك الاعتداءات عن تعرّض عدد من الجنود الأميركيين لإصابات دماغية قوية، وقتلت مقاولاً أميركياً، وجرحت ستة أميركيين آخرين في سوريا، في شهر آذار من السنة الماضية.

هذا الوضع الهش يعكس المشكلة الحقيقية التي تواجهها القوات المنتشرة على الخطوط الأمامية. كلما اقترب الجنود من تلك الخطوط ومن أرض الخصوم التي ينتشرون فيها، سيصبحون أكثر عرضة للهجوم. في بعض الحالات، ينتشر الجنود بهذه الطريقة عمداً وبأعداد صغيرة نسبياً على شكل خط دفاعي أولي. لا تضطلع القوات العسكرية بهذا الدور في العراق، لكن قد تُستعمل القوات المنتشرة على الخطوط الأمامية وكأنها خط دفاعي. يطرح هذا الوضع مشكلة جدّية، إذ لا يمكن التأكد من مسؤولية طهران أو جهات أخرى عن اعتداءات الميليشيات ضد القوات الأميركية. إذا كانت إيران العقل المدبّر وراءها فعلاً، يرتفع احتمال أن تزيد الحسابات الخاطئة. وإذا لم تكن إيران مسؤولة عنها، يعني ذلك أن تلك الميليشيات تتحرك بقرار مستقل عن إيران خدمةً لمصالحها المحلية وتُعرّض طهران لمخاطر التصعيد مع أن الإيرانيين قد لا يحبذون هذا الوضع.

على المستوى الاستراتيجي، تُستعمل خطوط الدفاع الأولية كنظام ردع. إنها رسالة إلى الخصوم: إذا أقدموا على غزو المنطقة، لا مفر من أن يقتلوا الأميركيين ويواجهوا رداً مؤكداً ومدمراً على الأرجح. لكن لا تُستعمل القوات الأميركية في العراق وسوريا لتحقيق هذا الهدف.

ما سبب انتشارها هناك إذاً؟ لا تزال تلك الوحدات داعمة أساسية لقوات الأمن العراقية، وينتشر حوالى 2500 جندي أميركي في العراق. في العام 2022، نفّذت القيادة المركزية الأميركية، التي تتعاون عن قرب مع القوات المحلية، 313 عملية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، ما أدى إلى التخلص من 466 مقاتلاً في سوريا و220 على الأقل في العراق. استمر تدهور هذا التنظيم في العام 2023 بمساعدة المستشارين الأميركيين.

يعتبر صانعو السياسة في البيت الأبيض والبنتاغون الوجود الأميركي في العراق وسوريا أساسياً لقمع «الدولة الإسلامية». لهذا السبب، تُستعمل القوات العسكرية لتحقيق هدف معيّن في البلد ويجب أن يكون أي قرار بالانسحاب حذراً لأقصى حد.

يُعتبر الجيش الأميركي في العراق بمثابة ضيف دعته الحكومة العراقية إلى الحضور، وهو ينشط بموجب اتفاق الإطار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق من العام 2008. أُعيد التأكيد على هذا الاتفاق خلال الحوار الاستراتيجي الذي أطلقته إدارة دونالد ترامب وأنهته إدارة جو بايدن في تموز 2021. رغم تداول تصريحات رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، عن إعادة تقييم وجود القوات الأميركية وصدور قرارات غير مُلزِمة بترحيلها في البرلمان العراقي، لا يزال الطلب الرسمي باستمرار الوجود العسكري الأميركي بدوره الاستشاري قائماً وراء الأبواب المغلقة، ومن دون تحديد جدول زمني واضح لانسحاب تلك القوات.

لكن بدأ الوضع يتدهور قبل الهجوم الأخير في الأردن. قتلت ضربة أميركية جوية في بداية كانون الثاني مشتاق جواد كاظم الجواري المعروف باسم «أبو تقوى» في بغداد، إلى جانب شخص آخر أقل رتبة منه. حصلت عملية القتل المستهدفة تزامناً مع توتر العلاقات بين واشنطن وبغداد. اعتُبِرت تلك العملية تحذيراً أولياً للعراق، وتطرّق وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن مباشرةً إلى اعتداءات «كتائب حزب الله» و»حركة النجباء» ضد القوات الأميركية في حديث أجراه مع السوداني، في كانون الأول 2023.

لكن تجاهل الكثيرون هذا الإنذار، ما يشير إلى تراجع سيطرة السوداني على الميليشيات، حتى لو كانت تلك الجماعات تدير وحدات مسلحة تنقل الأحداث إليه رسمياً. في غضون ذلك، يبقى النفوذ الأميركي الميداني أكثر ضعفاً بكثير. كان منطقياً إذاً أن تحافظ الولايات المتحدة على ضبط النفس طوال ثلاثة أشهر رغم زيادة الاعتداءات وأن تستهدف قادة الميليشيات الذين يطلقون الصواريخ في اتجاه القوات الأميركية. من المتوقع أن تردّ إدارة بايدن الآن بضربات قوية في العراق وسوريا، ما قد يؤدي إلى تدهور العلاقات المتوترة أصلاً بين واشنطن وبغداد، فيصبح السوداني في موقف صعب. يعجز هذا الأخير عن كبح الميليشيات العراقية التي تدعم إيران وتستهدف القوات الأميركية. لكنّ التورط في اشتباكات متواصلة لإعادة فرض نظام الردع لن يحقق الهدف المنشود في نهاية المطاف. قد تدفع هذه الخطوة الميليشيات إلى إعادة تقييم الوضع على المدى القصير، لكن لا مفر على الأرجح من وقوع اعتداءات جديدة مع مرور الوقت أو تزامناً مع تصاعد الاضطرابات في الشرق الأوسط.

لا يمكن أن تساعد القوات الأميركية العراق ضد «الدولة الإسلامية» وتنجح في الوقت نفسه في احتواء الميليشيات الموالية لإيران من دون أخذ موافقة صريحة من الحكومة في بغداد والتعاون معها بالشكل المناسب. ينطبق الوضع نفسه أيضاً على 900 جندي أميركي في سوريا، إذ يتكل هؤلاء على دعم الجنود الأميركيين المنتشرين في العراق والدول المجاورة. لقد انتهى زمن زيادة القوات العسكرية المنتشرة وتفعيل القتال الأميركي. في ظل انحسار تهديدات «الدولة الإسلامية» حول العالم، تراجعت الاعتداءات بأكثر من النصف مقارنةً بالعام 2022. ويبدو أن المنافع التي يحصل عليها الشركاء العراقيون من عمليات القوات الأميركية لم تعد تضاهي مخاطر التصعيد إذ استمر استهداف الجنود الأميركيين. قد يعتبر البعض الانسحاب العسكري من العراق مفيداً لإيران وعملائها، وهم محقون في موقفهم. لكن قد ترسّخ الولايات المتحدة سبب وجودهم عن غير قصد إذا منحتهم جنوداً يمكن استهدافهم في أي لحظة وتزيد احتمال اندلاع حرب غير مرغوب فيها مع إيران.

يجب أن تبدأ الولايات المتحدة تحضيراتها إذاً لسحب معظم قواتها العسكرية من العراق لكبح عمليات الميليشيات وتخفيف احتمال أن تطلق تلك الجماعات الحرب على نطاق أوسع مع الولايات المتحدة من خلال استهداف الجنود الأميركيين. تتطلب هذه العملية بعض الوقت طبعاً، لكنّ تأخيرها سيزيد مخاطر البقاء بكل بساطة. يجب أن تُستبدَل «عملية العزم الصلب» في المستقبل القريب بمجموعة أصغر من المستشارين والعناصر الخاصة، فيصبّ تركيزهم هذه المرة على مكتب التعاون الأمني في بغداد. تستطيع بعثة محدودة تُشرِف عليها القيادة المركزية الأميركية أن تقدّم المساعدة على مستوى التدريب وتقاسم المعلومات الاستخباراتية مع معظم الوحدات العراقية النخبوية. لكن يجب أن تبدأ عملية الانسحاب في أسرع وقت وتُمهّد لنشوء بعثة ديبلوماسية أميركية طبيعية في البلد.