ستيفاني غصيبه

بيروت تتمايل على "مسرح المدينة"

Dust...الرقص لمواجهة تفجير "4 آب"

3 شباط 2024

02 : 08

فُتحت ستارة «مسرح المدينة» البارحة، على عرض راقص بطلته بيروت؛ هذه العاصمة التي تنفض عنها غبار الدمار دوماً، وتحلق عالياً... وأمس، تراقصت على ريمكس «اتمخطري يا حلوة يا زينة»، خلال عرض Dust (يستمر حتّى العاشر من الجاري) لمصممة الرقصات ندى كانو والفنّان «أنو»، بمشاركة ماريا زغيب ودانيال موسى (الراقصين الرئيسيّين)، إلى جانب مايا خضر، أكسيل رزق وريا حسيني. ولم يقتصر هذا العمل على بث الأمل والفرح للجمهور فحسب، بل للأطفال المصابين بالسرطان ايضاً في جمعية «شانس»، اذ عاد ريعه لدعمهم.



على نحو ساعة من الوقت، استمتع عشاق الفن بهذا العمل الذي يروي قصّة شابّة تسعى إلى الشفاء من الوجع الذي خلّفه تفجير مرفأ بيروت في داخلها، فتواجه حزنها وتجربتها الصعبة حتّى تتخطّاها. واللافت في هذا العرض أنّه تمكن من لمس هواجس ومشاعر كل فرد في القاعة، وبعدما اسدلت الستارة عاد كلٌّ إلى بيته مع خلاصةٍ خاصة به لا تشبه غيره.

المواجهة رقصة


التقى «أنو» الذي تولّى التأليف الموسيقي للعرض، بندى قبل بضعة أشهر، وكان التعاون بينهما بديهيّاً اذ كان كل منهما يدرس فكرة هذا العمل على حدة... الى أنّ امتزجت الأفكار مع بعضها خالقةً Dust. ويقول «أنو» إنّ «الهدف ليس أن يفهم المشاهد فكرة واحدة محدّدة، بل أن يتمكّن الجميع من بلورة رسالتهم الخاصّة»، مضيفاً: «المواجهة رقصة، تحمل أصواتاً وتحركات كثيرة، وتوصلك في نهاية المطاف إلى حياة مختلفة تماماً، إلى حياة أرقى وأجمل».

أمّا ندى فتشير الى أنّ «هذا العرض يتناول كلّ ما عشته أنت، ويذكّرك أنّ النسيان ليس احتمالاً مقبولاً»، لافتةً الى أنّ الموسيقى والرقص في هذا العمل يؤكدان «اننا لن نشفى من أي شيء إن لم نواجهه... لن نشفى من تفجير المرفأ، ولو بعد عشرين أو ثلاثين عاماً إذا لم نعبّر عمّا في داخلنا».





أمّا بالنسبة للراقصان الأساسيان ماريا ودانيال، فنكاد ننسى أنهما اثنان. حتّى عندما يفترقان، تظنّ أنّ الجسد نفسه انقسم إلى اثنين. يجرّها إلى الموت وترفعه نحو الحياة، أو العكس. يتواجهان، يتقاربان وينفصلان بعنف أحياناً. و»هذا العنف ضروريّ حتّى في حياتنا، لتخرج الروح الحقيقيّة من النفس المعذّبة» على حد قول «أنو».

تعتبر ماريا «الفن من أسمى وسائل التعبير». هي في الأصل راقصة باليه كلاسيك ومعاصر، طوّرت قدراتها مع ندى كانو منذ عمر الـ13 سنة. وعدا عن كونها محلّلة بيانات، وصلت إلى Dust بفضل منحة قدّمتها «الأونسكو» بالتعاون مع كانو. وتضيف: «الرقص يحرك كل أجزاء جسدنا، ويوصل أحياناً رسائل أقوى من كلّ ما يمكن للكلام إيصاله».

عرضٌ هادفٌ

يعود ريع العرض الأول من Dust لجمعيّة «شانس» لدعم الأطفال المصابين بالسرطان والتي ساعدت حتّى اليوم أكثر من 800 طفل مقيم في لبنان، وغطّت كلفة دخول 12500 حالة إلى المستشفى.


وبعد انتهاء العرض وإضاءة الصالة من جديد، اعتلت المسرح رئيسة «شانس» طبيبة أورام الأطفال رولا فرح مؤكّدةً جمال الكوريغرافيا والموسيقى والمعاني الجميلة والأساسيّة التي تحملها، مشبهةً أزمات لبنان، لا سيّما تفجير المرفأ، بسرطان مستشرٍ، واجبنا مواجهته.

وقالت: «لا نقدّر أهمّيّة صحتنا إلى أن تتحوّل خليّة صغيرة وتقلب كلّ المقاييس»، خاتمةً «الجمهور كانت مساهمته مضاعفة: من ناحية ساهم في إبقاء المشهد الثقافي اللبناني حيّاً، ومن ناحية أخرى دعم الأطفال المستفيدين من «شانس».

في النهاية، شعرنا أنّ هذا العرض غمرنا. وأنّ هذه الخشبة الصغيرة اللامحدودة قدمت مزيجاً شغل حواسنا وعقلنا. أمّا الهدف منه فواضح: طيّ الصفحة لن ينفع، ونسياننا تفجيراً أطاح بالمدينة وأهلها هو هروب وخيانة لأنفسنا أوّلاً، وبمثابة دفن تُبطله ذاكرتنا حتّى قبل انتهاء مراسمه.

MISS 3