تشهد الساحة الإعلامية في لبنان ضخّاً تعبوياً مكثّفاً لجمهور «تيار المستقبل» من أجل إقناعه بالنزول إلى ضريح الرئيس رفيق الحريري في ذكرى استشهاده ليعود رئيسه لأنّ الحكاية لم تنته بعد، وأنّ هناك تطورات وتحوّلات وإشارات وومضات وتوقعات تشير إلى حصول تغيير في الموقف السعودي من «الزعيم الغائب المنتظر» تستدعي أن يهبّ أنصارُه ويقوموا باستعراض شعبيتهم أمام الضريح حتى ترى القيادة السعودية أنّهم ما زالوا على قيد الحياة السياسية فترتفع أسهم «السعد» وتعود فرصه في العودة على حصان الزعامة السنية.
يقود الأمين العام للتيار أحمد الحريري الحملة لتحشيد حول الضريح في 14 شباط معتمداً أساليب متنوعة في مخاطبة الرأي العام. واللافت أنّه أبعد الإعلاميين والناشطين المنتظمين والمحسوبين على «المستقبل» لتجنّب تحمّل مسؤولية ما يُلقى في الإعلام من مواقف وتسويق سواء في ما يتعلّق بالهجوم على الخصوم أو في ما يرتبط بالموقف من السعودية.
أما مضمون الحملة الإعلامية التي يشرف عليها أحمد فيستند إلى الآتي:
ــ أنّ السنة من دون سعد لا قيمة لهم ولا وزن وغير قادرين على التوحد أو التأثير، وأنّه لا أحد غيره يصلح لقيادتهم وتمثيلهم مع استخدام عبارات «الولاء بالدم» وما يوازيها في الصور المنشورة في بعض الشوارع.
ــ أنّ سعد قدّم التنازلات لحماية السنة من إبادة كتلك التي حصلت في سوريا وأنّ معارضيه السنة فشلوا في تشكيل البديل.
ــ أنّ سعد كان سبّاقاً في ربط النزاع مع «حزب الله» وإيران في لبنان وهذا ما عبّر عنه أغلب من أدلى بدلوه في هذا المجال من خلال مقاربة المصالح الإقليمية ومنهم من يعتبر ناطقاً باسم سعد.
ــ أنّ المتغيرات الإقليمية دفعت السعودية إلى تغيير موقفها من سعد، وهذا ما ركز عليه البعض في الترويج لحتمية عودته للحياة السياسية ولو بعد حين.
ــ أنّ سعد يعود لمحاربة التطرف السني المتمثل في «الجماعة الإسلامية» التي عملت مع «حزب الله» في جبهة الجنوب مع الاستمرار في إطلاق النار على «القوات اللبنانية».
ــ أنّ ذكرى 14 شباط هذا العام اختبار سعودي لشعبية «تيار المستقبل» وأنّ هناك ضغطاً شعبياً لعودته مقابل عجز الرياض عن خلق زعامات بديلة قادرة على الإمساك بالقرار السياسي.
ردود مقابلة
في المقابل ردّت مصادر سياسية مطلعة على هذا الخطاب بالتساؤل عمّا إذا كان أحمد الحريري يعمل على الموجة نفسها مع سعد الذي يبعث برسائل الانفتاح وتوحيد الصف السني إلى بعض الشخصيات السنية تحمل عكس خطاب الجَلْدِ والإقصاء والتخوين والاستعلاء الذي يستخدمه ابن العمة.
وتضيف المصادر: «كيف يمكن تصديق الحملات التي تستهدف «الجماعة الإسلامية» ووصمها بالتطرف رغم رفضها الانسياق في أيّ صراعٍ داخلي؟ ألم تكن الجماعة إرهابية عندما تحالف معها «تيار المستقبل» في الانتخابات النيابية والتقى سعد قيادتها مراراً وتكراراً؟ أم أنّه وَهْمُ استرضاء الخارج بالهجوم على الجماعة؟».
أمّا مشكلة من يدير تيار «المستقبل» اليوم مع أشرف ريفي فهي أنّ الأخير أثبت إمكانية الصمود السياسي بمعارضةٍ عالية السقف لـ»حزب الله» كما أنّه يتعامل مع الساحة السنية باعتبارها واحدة وليست منفصلة مناطقياً، وهو ما أثبته ريفي من خلال معالجته اعتداء «الحزب» على عرب خلدة مقابل تخلّي «المستقبل» عنهم، وتدخّله في حلّ الإشكال الذي وقع في شكا بين بعض العرب وشباب من «القوات» ودوره الفاعل نيابياً من خلال كتلة «تجدّد» العابرة للمناطق، وهذه عُقد حقيقية عند الزُرق.
أمّا لقاء الحريري بالوزير السابق محمد شقير ورئيس «جمعية بيروت للتنمية» أحمد هاشمية فكان محصوراً بالاستعانة بهما في تنظيم ذكرى الاستشهاد وتأمين النفقات اللازمة لاستحضار المشاركين من المناطق من دون أن يكون لهذا اللقاء أي بعد سياسي، أي أنّ حركة الوزير شقير التي حاول من خلالها إظهار التميّز والاستقلالية و»الزعامة» كانت مناورة في فنجان الحريرية لا أكثر.
وتلفت مصادر تابعت خلفيّات مواقف من ينظّر لحصول تطوّرات في الموقف السعودي، فتؤكِّد أنّ سعد ملتزم بصرامة بالصمت السياسي وبالتالي فإنّ ما أدلى به البعض لا يستند إلى موقف مباشر.
وحسب مصدر تابع حقيقة ما يروَّج عن وجود انفراج في علاقة الرئيس سعد الحريري بقيادة المملكة العربية السعودية فإنّ كلّ التقاطعات تؤكد عدم حصول أي جديد في هذا المجال وأنّ ما حدث فعلاً هو قيام الحريري باتصالات مع مسؤولين أميركيين طالباً إليهم التوسط لدى الرياض وأنّ جُلّ ما حصل عليه وعد بالتحدّث مع المسؤولين السعوديين من دون ضمانات ولا تأكيد ببذل جهد أكثر من إيصال الرسالة.
وفي مقلب آخر، حاول المستقبليون تصوير لقاء مستشار الحريري جورج شعبان مع ميخائيل بوغدانوف وكأنّه حدثٌ مفصلي في السياسة الدولية والمحلية، لكن فات هؤلاء أنّ روسيا خارج اللجنة الخماسية حول لبنان، وهي بالكاد تلتقط أنفاسها ما بين الحرب الأوكرانية وأوضاعها المضطربة في سوريا، وهي لم تهتمّ تاريخياً بالملف اللبناني.
مسألتان هامتان تبقيان في هذا النقاش:
ــ أنّ تغييراً كبيراً حصل في المشهد المرتبط بعلاقة الحريري بدار الفتوى: ففي السنوات السابقة كان مفتي الجمهورية يأتي إلى «بيت الوسط» مع كبار موظفي دار الفتوى للقاء الحريري، بينما صار يقصد المرجعية في دارها بعدما أصبحت مفتوحة لجميع المسلمين من أصدقاء أو خصوم للحريري، وبات فؤاد مخزومي يتقدّم لأخذ المبادرات إسهاماً في مساندة العلماء.
ــ في متابعةٍ لمواقف القيادات السنية نجد أنّها تلتقي على موقف واحد وهو أنّ أي تواصل وتعاون مع سعد الحريري يجب أن يحصل تحت غطاء القيادة السعودية.
تدرك الإدارة المحلية للتيار الأزرق أنّ لا شيء تغيّر، لكنّها تتحرّك لتحقيق مكاسب تحت عنوان التيار المعلّق سياسياً. وأكثر المتحمّسين للحريري يعترف أنّ لا عودة في الأفق وأنّ طريقه حالياً مسدود.