هنريك بونتوبيدان هو كاتب دنماركي معروف بثلاث روايات غنّية من حيث مواضيعها. في العام 1917، فاز هذا الكاتب بجائزة نوبل في الأدب. وبعد مرور عشر سنوات، تزامناً مع عيد ميلاده السبعين، أشاد به الروائي توماس مان باعتباره «كاتباً مندفعاً يدقق بحياة البشر والمجتمع لدرجة أن يصبح من كتّاب أوروبا الأعلى مستوى».
فيلم A Fortunate Man (رجل محظوظ) مقتبس من رواية روحية عميقة تحمل توقيع بونتوبيدان واسمها الأصلي Lucky Per. لم تُنشَر هذه الرواية باللغة الإنكليزية قبل العام 2010، مع أنها صدرت بشكلٍ متسلسل بين العامين 1898 و1904. اعتبرها الناقد فليمنغ بيرندت من أكثر الأعمال الخيالية التي أُعيدت قراءتها والتناقش حولها في تاريخ الأدب الدنماركي. يسهل أن نخمّن السبب عند مشاهدة الفيلم المقتبس منها للمخرج بيل أوغست.
يُركّز الفيلم على المغامرات المهنية والرومانسية لمهندس ثاقب البصيرة خلال حقبة من الاضطرابات الاجتماعية والسياسية والثقافية الكبرى، فقد تصادم حينها الأغنياء والفقراء، والمسيحيون وغير المؤمنين، والتقليديون والمعاصرون، في خضم محاولاتهم للسيطرة على مستقبل الدنمارك التي كانت محاصرة فكرياً. تُعرّفنا هذه التحفة الفنية أيضاً على مواصفات جاذبة في شخصية امرأة يهودية لامعة وجميلة تبدو قوية لدرجة أن تغيّر مسار حياتها وتبدأ رحلة مليئة بالمكافآت والغنى الروحي حيث تبدي الآخرين على نفسها.
تكثر مشاهد السعادة البشرية ولحظات الخسارة القاتمة في الجوانب الدرامية من القصة. حين نتعرّف على «بيتر» (إسبين سميد) للمرة الأولى، سنراه وهو يغادر منزله الريفي لارتياد كلية في كوبنهاغن. يرفض والده (أندرس هوف)، مبشّر مسيحي يؤمن بغضب الله وأحكامه، أن يعطيه أي أموال لأن «بيتر» لا ينوي أن يسير على خطى والده. ينتهي نقاشهما بتبادل الصراخ.
يسترجع «بيتر» الهدوء حين يصل إلى كلية الهندسة. هو يستمتع بمشاعر الحرية الجديدة التي تنتابه وبوفرة الاحتمالات المتاحة أمامه. هو مقتنع بأنه يستطيع الآن أن يشارك العالم رؤيته المعقدة والطموحة عن مستقبل تُستعمل فيه طاقة الرياح والمياه لتوليد الكهرباء وتحويل الدنمارك إلى لاعبة مؤثرة على الساحة الاقتصادية العالمية. هو مهووس بهذا المشروع لدرجة أن يعمل على تطويره ليلاً في شقته الصغيرة وخلال حصص الدراسة أيضاً.
يحصل هذا الشاب الواثق بنفسه على فرصة ممتازة حين يصبح الفتى المفضّل لدى «إيفان سالومون» (بنجامين كيتر)، ابن المصرفي «فيليب سالومون» (تومي كينتر) الذي يُعتبر من أغنى رجال البلدة. تحمل ابنتا هذه العائلة قيمة كبيرة وطموحات واعدة. في البداية، ينجذب «بيتر» إلى الفتاة اللعوب (جولي كريستيانسن). لكن حين تنحاز إليه شقيقتها الكبرى «جاكوبي» (كاترين غريس روسنثال) خلال نقاش على العشاء، يصبح مفتوناً بطريقة كلامها وروحها المستقلة. لكنه يواجه مشكلة عاطفية كبيرة: يتوقع والدا «جاكوبي» أن تتزوج ابنتهما من «أيبرت» (راسموس بيورغ)، رجل غني وعضو في المجمع اليهودي.
حين تبلغ أحلامه المهنية ورغبته في الفوز بـ»جاكوبي» أعلى مستوياتها، يبدأ حظ «بيتر» بالتعثر. يجتمع أفراد عائلة «سالومون» لمحاولة تمويل مشروع الكهرباء الذي يقترحه، لكنه مضطر أولاً لنيل موافقة مسؤول حكومي يُصرّ على فرض سيطرته. يردّ بيتر على هذه المطالب بكلمات غاضبة وبالشتائم، وتدمّر هذه النوبة العاطفية فرصه بتنفيذ المشروع. سرعان ما يتبيّن أن عجزه عن تقديم التنازلات، أو الاعتذار، أو إظهار أي شكل من التواصل، هو عيب قاتل في شخصيته.
كذلك، يتّضح عيب آخر في شخصية «بيتر» حين يرفض مسامحة والده، الواعظ المتقدم في السن، والتصالح معه في أيامه الأخيرة. بعدما تعامل مع والدته بقلة احترام حين كانت تحتضر، يحاول شقيقه التدخل لكن يتوقف تغيّر «بيتر» على قرارٍ منه.
أما العيب الثالث في شخصيته، فيتعلق بتوقعاته المفرطة. هو يتوقع من العالم أن يمنحه ما ينتظره طوال الوقت وأن يحقق دوماً أفضل الإنجازات الممكنة. في الأجزاء الأخيرة من الفيلم، سنشاهد نتائج عيوبه. لا يمكن أن يُشفى شخص كان يحلم بأن يصبح «سيّد الكون» إلا بطريقة واحدة: العودة بدل التشتت، والعطاء بدل الأخذ.