بدأت بنوك مصرية التحوّط من تمويل 7 قطاعات اقتصادية هي الأكثر تضرّراً من أزمة شح العملة الصعبة التي تشهدها البلاد، وتواجه مخاطر محتملة للتعثّر عن السداد، بحسب ما قاله 6 مصرفيين تحدثوا لــ»الشرق» مشترطين عدم الكشف عن هوياتهم نظراً لحساسية المعلومات.
تشمل القطاعات السبعة العقارات، والسياحة، والأسمدة، والأعلاف، وحديد التسليح، والأسمنت، والسيراميك، وهي القطاعات التي يتمّ تصنيفها حالياً في خانة «مرتفعة المخاطر للتعثر عن السداد»، في ظلّ ضغوط نقص النقد الأجنبي وارتفاع معدل التضخم، وفقاً للمصرفيين.
تسبّب شح الدولارات بتراكم قوائم الانتظار في البنوك لتمويل عمليات الاستيراد، وانتشار السوق الموازية للعملة، والتي وصل فيها سعر صرف الدولار إلى ضعف السعر الرسمي المتداول في البنوك حالياً عند 31 جنيهاً.
رئيس أحد البنوك الخاصة العاملة في مصر قال لـ»الشرق» إن مصرفه يعتزم تكوين مخصّصات للتحوّط من مخاطر تعثر محتملة تواجه قطاع التطوير العقاري، بسبب مخاوف عدم القدرة على التنفيذ والتسليم والتي تتزايد مع المبيعات غير المسبوقة التي يحقّقها المطوّرون.
التوتّرات الجيوسياسية
في نهاية كانون الأول الماضي حذّر رجل الأعمال نجيب ساويرس، من «قنبلة موقوتة» تنتظر قطاع العقارات في مصر، نظراً لارتفاع كلفة البناء بسبب أزمة الدولار التي تشهدها البلاد، مضيفاً أن «كلّ مطوّر عقاري تأخر في البناء سيواجه مشكلة كبيرة»، ولافتاً إلى أن ما يصل إلى 35% من تكلفة البناء يحتاج إلى مكوّن دولاري.
وأشار رئيس البنك الخاص إلى أن البنوك تتحوّط أيضاً حالياً من مخاطر تتعلق بالتوترات الجيوسياسية في المنطقة منذ حرب إسرائيل على غزة، وتمّت إضافة القطاع العقاري للقطاعات التي نتحوّط منها مطلع العام الحالي بسبب تضخّم المبيعات التعاقدية مقابل التنفيذات الحقيقية بالمشروعات، وسط ارتفاعات غير مسبوقة في التكاليف.
عملت الحكومة المصرية لتقليل استهلاكها من العملة الصعبة الشهرين الماضيين، من خلال تقليص مصروفاتها عبر تأجيل بعض المشروعات التي لم تبدأ فيها بعد خلال السنة المالية الحالية، وعدم التعاقد على أي تمويل خارجي، أو البدء في أي مشروع حتى من خلال مكوّن محلي يترتب عليه قرض أو مكوّن أجنبي إضافي.
المصانع المعتمدة على الغاز
نائب رئيس بنك حكومي في مصر أكد لـ»الشرق» أن مصرفه أصبح أكثر تحوّطاً تجاه 7 قطاعات حالياً، أغلبها يعتمد على الطاقة والغاز، واستيراد المواد الخام من الخارج؛ «حيث لاحظنا أن إنتاج معظم مصانع هذه القطاعات هبط بنحو 50%، بسبب مشكلة العملة الصعبة بشكلٍ أساسي».
انخفض إنتاج مصر من حديد التسليح خلال 2023 بنحو 4% إلى 8.047 ملايين طن، بحسب وثيقة حكومية اطلعت عليها «الشرق»، وأظهرت انخفاض حجم المبيعات أيضاً بنحو 17.7% إلى 6.5 ملايين طن.
نائب رئيس البنك أفاد «الشرق» بأن البنك المركزي اتّخذ إجراءً تحوّطياً لمواجهة احتمالات زيادة تعثّر شركات الأسمدة عبر إلزام البنوك بتكوين مخصّص منذ كانون الأول الماضي.
سياحة شرم الشيخ ودهب
إتّفق رئيسا قطاع ائتمان في بنك خاص وآخر حكومي خلال حديثهما مع «الشرق» على أن البنوك تتحوّط حالياً من تمويل قطاع السياحة منذ حرب إسرائيل على غزة، نظراً للمخاطر التي تحيط بحدود مصر في بعض المناطق، بما أثّر سلباً على أعداد السيّاح المتوقّعة للعام الجاري والإيرادات المستهدفة. زادت إيرادات مصر السياحية 8% خلال 2023 على أساس سنوي إلى نحو 13.2 مليار دولار، بحسب مصدر حكومي تحدث مع «الشرق» نهاية يناير الماضي شرط عدم نشر اسمه كون المعلومات غير معلنة. كانت أعداد السيّاح الوافدين إلى مصر ارتفعت العام الماضي 27.4% مقارنة بالعام السابق إلى 14.91 مليون سائح، مسجّلةً بذلك أعلى مستوى لها في تاريخ السياحة المصرية، رغم التوترات التي شهدتها المنطقة في الأشهر الثلاثة الأخيرة من 2023، مع اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس في 7 تشرين الأول .
مسؤول مصرفي اعتبر لـ»الشرق» أن «السياحة في مدينتي شرم الشيخ ودهب أكبر مثال على تضرّر إيرادات الفنادق نتيجة التوترات الجيوسياسية، بفعل تراجع قدوم الوفود السياحية، وانعكس ذلك على عزوف البنوك على تمويلها بعد تباطؤ العملاء من الفنادق وشركات السياحة في سداد أقساط القروض.