أردوغان يحشد "قاعدته الإسلاميّة" ويستفزّ "العالم المسيحي"

"آيا صوفيا"... من "رحاب الإنسانيّة" إلى "الحضن العثماني"!

02 : 00

الإسلاميّون يحتفلون بقرار تحويل "آيا صوفيا" إلى مسجد من أمام الكاتدرائيّة أمس (أ ف ب)

يبدو أن الرئيس التركي "الإخواني" رجب طيب أردوغان، المأزوم داخليّاً مع التدهور الخطر في الاقتصاد التركي والغارق إقليميّاً في أكثر من "رمال متحرّكة"، من العراق مروراً بسوريا وصولاً إلى ليبيا، والتي يطمح من خلالها إلى إعادة إحياء "السلطنة العثمانيّة" من تحت أنقاض التاريخ، أصبح يبحث عن "سترة نجاة" داخلية تُعطيه "جرعة أمل" سياسيّة وشعبيّة تُبعد عنه شبح هزيمة متوقّعة في أي استحقاق انتخابي في المستقبل.

وعلى هذا المنوال، لعب أردوغان على "وتر تركي حسّاس"، ووقّع مرسوماً يقضي بتحويل كاتدرائيّة "آيا صوفيا" البيزنطيّة السابقة إلى مسجد برئاسة الشؤون الدينيّة التركيّة، معلناً فتحها أمام المسلمين لأداء الصلاة اعتباراً من 24 تموز، ومشيراً في الوقت عينه إلى أنّها ستبقى مفتوحة "للجميع، أتراكاً وأجانب، مسلمين وغير مسلمين"، وذلك بُعيد إصدار مجلس الشورى التركي، أعلى محكمة إداريّة في البلاد، قراراً قضائيّاً يُبطل الوضع الذي كانت "آيا صوفيا" توصّف بموجبه "متحفاً".

وأوضحت المحكمة أن "آيا صوفيا" مسجّلة مسجداً في سندات الملكيّة التي تحمل اسم مؤسّسة "محمد الفاتح"، السلطان العثماني الذي غزا القسطنطينيّة في القرن الخامس عشر، وأن هذا التصنيف غير قابل للتعديل. و"آيا صوفيا" تحفة معماريّة شيّدها البيزنطيّون في القرن السادس، وكانوا يتوّجون أباطرتهم فيها. وقد أُدرجت على لائحة التراث العالمي لمنظّمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونيسكو)، وتُعدّ واحدة من أهمّ الوجهات السياحيّة في اسطنبول. وبعد احتلال العثمانيين القسطنطينية العام 1453، تمّ تحويل كاتدرائيّة "آيا صوفيا" إلى مسجد في العام نفسه، ثمّ إلى متحف العام 1935 بقرار من رئيس الجمهوريّة التركيّة الفتية حينذاك مصطفى كمال أتاتورك بهدف "إهدائها إلى الإنسانيّة".

وفي ردود الفعل، عبّرت الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة عن أسفها لعدم إصغاء القضاء التركي إلى "مخاوف ملايين المسيحيين"، ونقلت وكالة الأنباء الروسيّة "إنترفاكس" عن المتحدّث باسم الكنيسة فلاديمير ليغويدا قوله: "نُلاحظ أنّه لم يتمّ الإصغاء إلى مخاوف ملايين المسيحيين... يظهر أن كلّ المناشدات حول ضرورة التعاطي مع الوضع ببالغ الحساسيّة، تمّ تجاهلها"، فيما اعتبرت الحكومة اليونانيّة أنّ قرار القضاء التركي "استفزاز للعالم المتحضّر". وقالت وزيرة الثقافة اليونانيّة لينا مندوني في بيان إنّ "النزعة القوميّة التي يُبديها الرئيس أردوغان تُعيد بلاده 6 قرون إلى الوراء". ويُثير مصير "آيا صوفيا" قلق اليونان وروسيا اللتَيْن تُراقبان عن كثب الإرث البيزنطي في تركيا، بالإضافة إلى الولايات المتحدة وفرنسا اللتَيْن حذّرتا أنقرة من تحويلها إلى مسجد.

كذلك، أبدت الولايات المتحدة "خيبة أملها" إزاء قرار تركيا تحويل "آيا صوفيا" إلى مسجد، وحضّت أنقرة على إتاحة زيارتها أمام الجميع "على قدم المساواة"، بينما عبّرت الـ"يونيسكو" عن أسفها الشديد لقرار أنقرة، ولعدم إجراء حوار مسبق في شأن وضع الكاتدرائيّة البيزنطيّة السابقة. وقُبيل إعلان القرار القضائي، دعت الـ"يونيسكو" إلى الحوار قبل أي قرار من المرجّح أن "يُقوّض القيمة العالميّة" لهذا الصرح التذكاري العالمي.

وفي الأثناء، تجمّع مئات الأشخاص أمام الموقع وسط انتشار كثيف للشرطة ملوّحين بالأعلام التركيّة والإسلاميّة وهاتفين "كُسرت الأغلال" احتفالاً بالقرار القضائي، وأقاموا الصلاة. وبالفعل، يُتيح تحويل "آيا صوفيا" إلى مسجد في تركيا حشد القاعدة الإسلاميّة - القوميّة للرئيس التركي، وشق صفوف المعارضة وسط مواجهته أزمة اقتصاديّة مستفحلة ونزاعات إقليميّة منهكة، ولكن في ظلّ المخاطرة الكبيرة بتأجيج التوتر مع "العالم المسيحي"، وفق ما يرى محلّلون.

وعلى الرغم من وضعيّتها كمتحف، فقد تضاعفت الأنشطة ذات الطابع الإسلامي داخلها منذ وصول أردوغان إلى السلطة العام 2003، من بينها تلاوة القرآن وتنظيم صلوات جماعيّة أمامها. ومن خلال القرار الأخير، يتطلّع الرئيس التركي "الإخواني" إلى إعادة التأكيد على قوّته وعلى "الهويّة المسلمة لتركيا"، هذا فضلاً عن أنّ تحويل "آيا صوفيا" إلى مسجد يُتيح لأردوغان حصد نقاط لدى رأي عام "يؤيّد بغالبيّته هكذا قرار، مدفوعاً بمشاعر دينيّة وقوميّة"، بحسب مراقبين.

ويأتي القرار التركي وسط تصاعد التوتر بين أنقرة والاتحاد الأوروبي بسبب قيام تركيا بعمليّات تنقيب عن الغاز مثيرة للجدل في شرق البحر الأبيض المتوسط، وفي وقت يُثير تدخّلها في ليبيا أزمات، خصوصاً مع فرنسا وروسيا، إضافةً إلى تدخّلها في العراق وسوريا وغيرهما.


MISS 3