سناء الجاك

موت غير رحيم منذ 14 شباط

14 شباط 2024

02 : 00

يواصل القتلة رسم خرائط الموت والخراب في المنطقة. افتتحوا مشروعهم هذا قبل 19 عاماً مع جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وكانوا قد بادروا إلى اختبار تمهيدي مع محاولة اغتيال النائب والوزير السابق مروان حمادة.

كُثر واكبوا هذه المسيرة وشاركوا فيها، فتحوا أبواب الجحيم واعتمدوا إيديولوجية الموت غير الرحيم، ووضعوا الدول والشعوب في صندوق أسود، وأغلقوه على مصير دموي منذ 14 شباط 2005... وربما قبل ذلك، وتحديداً مع شراكتهم للولايات المتحدة في عراق ما بعد صدام حسين.

بهذا الاغتيال، ارتكبوا جريمة سياسية هزّت المنطقة، وقلبت المعادلات، وسلسلة الاغتيالات التي تلت قتل الحريري وتصفيات القيادات السياسية والأمنية والإعلامية، توحي بأنّ رأس المحور كان ولا يزال يسعى إلى قبع كل من تسوِّل له نفسه وقيمه وقناعاته الاصطفاف في المعسكر الآخر.

فالمشروع كان يقضي بالتخلّص من رفيق الحريري وشطبه من لائحة الوجود حتى تبقى الفئوية والطائفية والقوى المتصارعة والمتقلبة الولاءات والتحالفات هي السائدة، ليس فقط في لبنان، ولكن أينما تمدّدت أذرع المحور، من لبنان الى سوريا، والعراق، وفلسطين، حيث بات إحصاء أعداد الضحايا والمعتقلين والمفقودين والمشرّدين أكبر من القدرة على الاستيعاب. وكأنّ الخوف على الحياة لم يكن كافياً لتضاف إليه برامج التجويع والتجهيل. أو كأن خطر العدو الإسرائيلي لا يكفي، وجرائمه لا تستوفي المطلوب لتغيير خرائط المنطقة وقلب دولها رأساً على عقب، أو كأنّ كلّ الدماء التي يستبيح إراقتَها هذا العدوّ لا تروي الظمأ إلى تحقيق النفوذ المنشود.

وقد يصحّ العكس، فوجود هذا العدوّ وهذا الخطر هو البوابة لاستكمال المشروع. والتطوّرات الأخيرة تثبت مدى الحاجة إليه، فهو الذريعة لافتعال أحداث تتسبّب في حرب تخاض بالدم العربي، وبوكلاء يصفون ما يفعلونه على أنه عمل وطني، مع تضخيم لمفعول «انتصارات المقاومة»، بحيث يحسب من يتابع ملاحم الصمود والتصدي أنّ القدس أصبحت قاب قوسين أو أدنى من التحرير، وكل الضحايا الذين سقطوا والخسائر التي قد تؤدي إلى ما هو أفظع ممّا حصل في 1948، مع إبادة جديدة في رفح، كل هذه العوامل ما هي إلّا ترويج لوهم بغية التغطية على الهزائم الملحقة بإسرائيل في الميدان.

ومهما حصل، واضح أنّ أصحاب المحور لم يغيّروا نظرتهم الاستعلائية منذ 19 عاماً، ولا استهانتهم بالأرواح، ولا استخفافهم بالقوى الإقليمية والدولية علناً، والسعي إلى كسب ودّها سراً، وتقديم أنفسهم وكلاء جاهزين لتولي شؤون المنطقة وضبط إيقاع التلاعب بها وفق مصالح هذه القوى، بعد اعتراف منها بشراكة ووكالة غير قابلتين للعزل.

والمهزلة، أنّه في جحيم هذا الموت غير الرحيم، يتركز هجوم الأذرع على الإدارة الأميركية التي تدعم حرب الإبادة الإسرائيلية للشعب الفلسطيني في غزة، سواء من العراق إلى اليمن، حيث أطلق الحوثيون صاروخين من مناطق سيطرتهم على سفينة شحن كانت تنقل الذرة من البرازيل إلى ميناء «الخميني» في إيران.

ولكن الأذرع التي تنفّذ ما عليها تنفيذه مع احتمال وقوع أخطاء، وجنوب لبنان خير دليل، حيث العمليات العسكرية لا تسند غزة المذبوحة ولا تردع الاغتيالات الإسرائيلية المتلاحقة لكوادر «الحزب»، ولا تعرقل الهدف الأساس الرامي إلى تفعيل المفاوضات بين تبادل بين إيران والولايات المتحدة، واستخدام أوراق غزة وجنوب لبنان والعراق وسوريا واليمن.

ولا غرابة أو مفاجأة في مثل هذه المقايضات المروّعة، ما يدفعنا إلى استعادة مراحل المشروع وتطوّراته، وكل هذا الموت غير الرحيم المستمرّ منذ انطلق، في 14 شباط، لنفهم لماذا تم اغتيال رفيق الحريري... وإلى أين يجب أن تصل تداعيات هذا الاغتيال.

MISS 3