علي الأمين

اللبنانيون على "الأرض يا حكم"... هل يُصلح الغرب ما أفسده الشرق؟!

13 تموز 2020

02 : 00

يتحضّر أهل البلد لإعلان إستسلامهم (رمزي الحاج)

صحيح أن لبنان يحيا تاريخياً تحت خبط أمواج الأزمات المتلاطمة، ولم يهنأ أهله يوماً بعيش كريم داخل وطنهم بالمعنى التقليدي، لكنهم رغم ذلك تمكنوا من تمرير قطوع أزمة تلو الأخرى.

إلا ان هذه الأيام يتحضر أهل البلد لإعلان إستسلامهم تحت نير هذا القهر الممنهج، الذي بدأ يتجلى بأشكال لم يعهدوها من قبل، تتراوح بين الموجعة والمبكية والعنيفة، من جراء الضغوط المتزايدة لتآمر السلطة "السادية" داخل الحدود وخارجها عليهم، مستعينة بـ"أساطير" من الشرق لقطع الطريق على الغرب، والتي "تتلذذ" بتعذيبهم والتفرج عليهم يستغرقون في صراخهم وآهاتهم المؤلمة، وعلى رأسها "حزب الله" الراعي الرسمي للعهد والحكومة، التي أنتجت "أم الأزمات" ولم تترك لهم مجالاً للمناورة وافقدتهم السيطرة على تفاصيل حياتهم برمتها، فتركتهم على "الأرض يا حكم" وعلى طريقة "ضربتك... قتلتك"! القطاعات الاقتصادية والجامعية والتربوية مروراً بالسياحية والمصرفية تتعثر وتتقهقر الواحد تلو الآخر او كحلقات مترابطة، وهذه الحال مرشحة لمزيد من التردي طالما أن السلطة بمختلف ادواتها وبراعيها "حزب الله" ليس لديها ما تقدمه من حلول سوى تلك الأهازيج عن "المنكوش" واستعراضات رئيس الحكومة عن البلد الذي لن يتداعى طالما هو موجود في السراي رئيساً للحكومة.


وإذا كانت السلطة وسيدها سماحة الأمين العام، ينافسان المخرجة نادين لبكي في دعوتهما المتلفزة للبنانيين من اجل الاهتمام بالزراعة، ولو في الشرفات المنزلية او أسطح المباني، فان ذلك يكشف عن المزيد من الهزال والعجز في مقاربة الأزمة التي بات الحدّ من استفحالها والتمهيد للخروج منها واضحاً، ولا يحتاج للكثير من التفكير والتبصر، بل يتطلب قراءة الواقع الاقتصادي والمالي ومتطلباته السياسية الداخلية والخارجية.

بقاء هذه السلطة حاكمة يعني المزيد من التدهور، طالما انها رهنت وجودها في الحكم، بعدم القيام بأي خطوة اصلاحية على مستوى الادارة العامة والسياسات التي احالت لبنان الى الدرك الأسفل بين الدول مالياً واقتصادياً.

الانهيار بدأ. وسنرى تباعاً سقوط القطاعات الطبية والصحية، التعليمية، مستويات المعيشة، المواد الغذائية وبالطبع الليرة اللبنانية.

في المقابل سنرى المزيد من انهماك قوى السلطة في استنزاف الاحتياطي المالي من العملة الصعبة لدعم الطاقة والصادرات النفطية والقمح وبعض المواد الاساسية، من دون القيام بأي خطوة سياسية تبني الثقة مع المجتمع اللبناني والدولي، فيما معظم التقديرات التي تصدر عن مراكز البحث المالي والاقتصادي، لا تبدي ايّ تفاؤل بقيام لبنان بما عليه للحصول على مساعدات من صندوق النقد الدولي. ان يتحدث السفير الفرنسي في لبنان برونو فوشيه عن "خداع" الحكومة اللبنانية للمجتمع الدولي في مقاربة الأزمة، لهو مؤشر الى ان فرنسا التي طالما ميزت سياستها في لبنان، بمراعاة النفوذ الايراني وسطوة "حزب الله" على الدولة، باتت شديدة الحذر من تغطية السلطة، وما الموقف الذي صدر عن بكركي بشأن استعادة الشرعية، الا مؤشر الى الخيبة الفاتيكانية من السياسات التي كانت رئاسة الجمهورية اللبنانية، تعد بانها ستعيد الاعتبار للدولة وشروطها ولو في الحدّ الأدنى. وبحسب مصادر ديبلوماسية غربية، فان زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان المرتقبة الى لبنان في الايام المقبلة، تحمل في طياتها تحذيراً فرنسياً الى الحكومة لجهة عدم المراهنة التي اعتادتها تجاه تساهل المجتمع الدولي في رفد لبنان بالمساعدات كما كانت الحال في مراحل سابقة، وهو سيؤكد ان المبادرة في يد لبنان ولا احد سواه يمكن ان يقوم بصياغة الحلول. والمسألة التي سيُعاد فرنسياً تأكيدها، تتمثل في ان مقررات مؤتمر "سيدر" هي بحكم المنتهية، وهي في مجملها استثمارات لا يمكن تحققها في ظل عدم الاستقرار المالي.

في هذا السياق أكد مصدر ديبلوماسي غربي ان فرنسا تبحث في امكانية الحدّ من تداعيات الانهيار على المؤسسات التربوية والصحية والاقتصادية، وكان السفير الفرنسي قد اكد في لقاء خاص قبل اشهر، ان السفارة تعد دراسات لكيفية منع انهيار قطاعات محورية في لبنان، وكيفية مساعدتها فرنسياً وبطرق مستدامة، ويرجح ان يكشف لودريان عن جانب منها.

ومن العناوين التي سيتناولها لودريان في بيروت، تتصل بمستقبل قوات "اليونيفيل"، في ظل التجديد المرتقب لهذه القوات في مجلس الأمن مطلع الشهر المقبل (آب) وبحسب المعلومات فان أميركا التي كانت اعلنت عبر مندوبتها في مجلس الأمن ضرورة تعزيز دور هذه القوات او عدم التجديد لها، حمل اخيراً قائد القيادة الوسطى للجيش الاميركي الجنرال ماكينزي رسائل واضحة للحكومة ولرئيس الجمهورية، مفادها ان التجديد لـ"اليونيفيل"، سيكون مشروطاً هذه المرة بمدى التزام لبنان بتنفيذ القرار 1701 ولا سيما بالتزامه دعم صلاحيات هذه القوات، ويحمل لودريان الرسالة نفسها لجهة تعزيز دور "اليونيفيل"، التي سيتم تزويدها بأجهزة مراقبة حديثة، تساعد في تنفيذ مهماتها بحسب الـ"1701"، وتشير المصادر الى ان وزارة الخارجية اللبنانية "إستدراكاً" وجهت رسائل الى الدول المعنية ولا سيما واشنطن وباريس تبدي فيها التزام لبنان بمقتضيات القرارات الدولية وتمسكها ببقاء "اليونيفيل"، ودعم لبنان لتنفيذ مهماتها.

وفيما اكد نائب الامين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم قبل يومين ان واشنطن تراجعت تكتيكياً لجهة ما يسميه حصاراً اميركياً، فان المعلومات المتقاطعة تشير الى ان الحكومة وبإيعاز من "حزب الله"، ابلغت واشنطن ومن خلال الرئيس نبيه بري، استعدادها لانهاء ملف الحدود مع اسرائيل، وكذلك الاستعداد لمعالجة الاشكاليات المتصلة بـ"اليونيفيل"، لا سيما تلك التي تتعلق بوقف عمليات "الأهالي" التي عرقلت الكثير من انشطتها.

لعل اللبنانيين يراهنون على ما يحمله القادم من الأيام غرباً، على أمل ان يصلح بعض ما افسده "عكس" السير شرقاً!


MISS 3