عماد موسى

إذن وتصريح

13 تموز 2020

01 : 26

إن كنت ماراً في شارع الحمراء، وشاهدت سيدة قرب أحد المصارف تحمل لافتة مكتوب عليها "سأحرق نفسي بعد ساعة إن لم يعطني المصرف ما تبقى لي من تعويضي" فلا تحاول، كصِحافيّ، استصراح السيدة أو تصويرها، بل توجّه فوراً إلى "المديرية" للحصول على ترخيص مسبق يتيح لك إجراء مقابلات صحافية حيث تقف السيدة، وقد تحصل عليه في أقل من 24 ساعة إن كان سجلك المهني نظيفاً، وقبل ذلك، أطلب من السيدة اليائسة ألّا تقدم على أي حماقة قبل أن تعود بالإذن والتصريح من المرجع المختص!

وإن عثرت بعد بحث وتحرّ وتقصّ على صرّاف متجوّل قرب السارولا، لا تقترب منه لسؤاله عن إمكان تصريف 10 آلاف دولار بسعر 10 آلاف ليرة للدولار الواحد، ولا تسله من يحدد سعر الصرف في السوق السوداء غير "العرض" (مع نقطة على الضاد) وشقيقه التوأم "الطلب"، ولا تحاول أن تحقق سكوب العمر إلا في حال حصولك على "إذن وتصريح" بالمقابلة تشرح فيها الأسباب الموجبة للمقابلة، وإن لم يأت الصرّاف على الموعد المضروب مرة جديدة يكون قد أصبح في ضيافة أمن الدولة لأيام يستيقظ فيها على "كاسة شاي" وسندويش قشقوان وجنبون وينام على سندويش كباب، وفي خلال النهار "يأكل قتل حتى يفرّخ".

قيل أن هناك "إجراءات جديدة نظراً إلى الأوضاع الراهنة" عبارة واضحة ومحددة. وقيل أيضاً أن هذه الخطوة تهدف إلى حماية مخابرات الجيش للمراسلين والمصورين والصحافيين بشكل عام، من كل حادث يمكن أن يتعرّضوا له في الشارع والأماكن العامة خلال قيامهم بعملهم".

وقيل أن الإجراء الجديد يستند إلى قرار مُتخذ في العام 1998، أي في السنة الـ 23 على بدء الوصاية السورية على لبنان. وقيل أيضاً أن المستهدفين صحافيون يعملون لمصلحة وسائل إعلام غير لبنانية، وهؤلا في معظمهم مرتبطون بجهات أجنبية وغير محايدين ويحاولون تشويه صورة لبنان الجميلة وهزّ الثقة باقتصاده الواقف على شوار.

في آخر ثمانينات القرن الماضي، حطّم غاضبون واجهات أحد الشوارع في بغداد، وفيما كان أحد أصحاب المحال ينظّف الزجاج المتناثر سألته ما الذي حصل، فأجابني: "لم يحصل شيء". وماذا عن تحطيم الواجهات، من حطمها فجاوب: "تحطّمت هكذا"، بفعل هزة؟ هزّ برأسه إيجاباً. أنقذته من الإحراج وقبل أن أستطرد لأسأل عن طبيعة الهزّة، كان أحد الأصدقاء يجرني خارج "المنطقة المستهدفة" وينهرني: هل فقدت عقلك؟ ما هذه الأسئلة؟ لربما كان عليّ وقتذاك أن آخذ تصريحاً مسبقاً من المراجع الأمنية لأسأل المواطن المنكوب من نكبه في ظل حماية السيد الرئيس؟

نحن اليوم نعيش في ثمانينات القرن الماضي وفي بلد يشبه لبنان.


MISS 3