أنشال فوهرا

هل ينجح مشروع إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح؟

19 شباط 2024

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

فلسطيني مواجهاً القوات الإسرائيلية خلال احتجاج على خطة الكيان لضمّ أجزاء من الضفة الغربية | 5 حزيران 2020

لطالما رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فكرة حل الدولتين، لكنه لم يعارضها صراحةً بقدر ما فعل خلال الأشهر التي تلت هجوم حركة «حماس» ضد إسرائيل في 7 تشرين الأول 2023 والحرب اللاحقة في غزة. يُصِرّ الرئيس الأميركي جو بايدن من جهته على وجود مسار فاعل لإقامة دولة فلسطينية مستقلة بالتعاون مع حكومة نتنياهو.



صرّح بايدن حديثاً أمام الصحافيين: «أظن أننا نستطيع التوصل إلى حل... أظن أن هذا الحل قد ينجح بطرق معيّنة». كان يشير في كلامه إلى اتفاق محتمل بعد الحرب لإقامة دولة فلسطينية تزامناً مع تجاوز اعتراضات نتنياهو.

يبدو أن بايدن يفكّر بإقامة دولة فلسطينية تكون مستقلة ومنزوعة السلاح في آن. ذكر موقع «أكسيوس» أن المسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية سبق وكُلّفوا باستكشاف خيار إنشاء فلسطين منزوعة السلاح «بناءً على نماذج أخرى من أنحاء العالم».

ثمة قبول متزايد لهذه الفكرة في أوساط المجتمع الدولي باعتبارها طريقة محتملة لتجاوز المعضلة الراهنة، لا سيما عبر تهدئة مخاوف إسرائيل الأمنية ومنح الفلسطينيين دولة خاصة بهم لإنهاء جولة العنف الأخيرة. تعليقاً على الموضوع، يقول رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز، إن أستراليا قد تعترف بالدولة الفلسطينية إذا كانت «منزوعة السلاح». حتى أن بعض اللاعبين المؤثرين في العالم العربي يدعمون هذه الفكرة. قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مؤتمر صحافي في تشرين الثاني 2023، بحضور رئيسَي وزراء إسبانيا وبلجيكا: «نحن مستعدون لتقبّل إنشاء هذه الدولة التي تكون منزوعة السلاح». السيسي حليف مقرّب من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، ويتشاور هذان البلدان مع القاهرة على الأرجح في أهم الملفات.

لكن لا بد من تجاوز مجموعة شائكة من التحديات الديبلوماسية لضمان نجاح هذه الفكرة. لا يمكن مقارنة أيّ من الدول والأراضي التي تفتقر إلى القوات المسلّحة راهناً مع الظروف الصعبة والاستثنائية التي يواجهها الإسرائيليون والفلسطينيون، ولا يطرح أي بلد منها نموذجاً يمكن الاقتداء به لحل واحد من أكبر الصراعات المستعصية في منطقة قد تكون من أكثر المناطق اضطراباً في العالم.

يفتقر حوالى 40 بلداً وأرضاً إلى جيش دائم، ويكون معظمها صغيراً نسبياً من حيث الحجم والعدد السكاني. يدخل جزء كبير منها في خانة الدول الجزرية، مثل غرينادا المعروفة بتصدير جوزة الطيب، أو دومينيكا المعروفة بالينابيع الساخنة الطبيعية والغابات الاستوائية المطيرة. يحظى عدد منها بالحماية من دول أكبر حجماً ومدجّجة بالسلاح مثل الولايات المتحدة، أو من حلف «الناتو» إذا كان البلد يقع في أوروبا.

لكن لا تملك ليختنشتاين مثلاً أي جيش وليست جزءاً من حلف «الناتو»، ومع ذلك يستفيد هذا البلد بطريقة غير مباشرة من مظلة الحماية التي يوفرها «الناتو».

صرّح سفير ليختنشتاين لدى الاتحاد الأوروبي باسكال شافهاوزر لصحيفة «فورين بوليسي» من مكتبه في بروكسل: «إذا اندلعت الحرب، ستتعرّض بلدان كثيرة أخرى للاجتياح أولاً». يقع هذا البلد غير الساحلي بين النمسا وسويسرا، وهو ينسّق جهوده الأمنية مع أقرب جيرانه ويحظى تلقائياً بحماية الدول المجاورة الأقوى منه عسكرياً، بما في ذلك ألمانيا وفرنسا. يقيم 40 ألف شخص من سكان ليختنشتاين في منطقة هادئة ومزدهرة، ولم يجد هؤلاء حتى الآن سبباً مقنعاً للانقلاب على القرار الذي أدى إلى نزع سلاح البلد في العام 1868.

لكن يبقى الوضع في ليختنشتاين بعيداً كل البعد عن ظروف فلسطين. تحمي ليختنشتاين نفسها من التهديدات الخارجية بفضل موقعها الجغرافي والدول المجاورة المزدهرة بالقدر نفسه. أما الأراضي الفلسطينية، فهي متاخمة لإسرائيل، عدوّتها اللدودة. كذلك، ستضطر أي دولة فلسطينية مستقلة للتعامل مع إيران المتطفلة، ومن المتوقع أن تتابع هذه الأخيرة مساعدة الجماعات المسلحة غير النظامية، مثل «حزب الله» والحوثيين، لإطلاق صواريخ في اتجاه إسرائيل وزعزعة استقرار أي ترتيبات يتم الاتفاق عليها.

على صعيد آخر، تُعتبر كوستاريكا على نطاق واسع نموذجاً للتنمية في منطقة أميركا اللاتينية. تتعدد العوامل المؤثرة وراء نجاح هذا البلد، لكن يُعتبر نزع سلاحه الأكثر تأثيراً بينها. في العام 1948، أقدمت كوستاريكا على إلغاء جيشها. وعلى عكس عدد من جيرانها، لم تتعرض هذه الدولة لانقلابات عسكرية منذ ذلك الحين، بل إنها صرفت الأموال التي كانت لتنفقها على ميزانية الدفاع لتحسين التنمية البشرية. لكن على عكس فلسطين، لا يحاول أي بلد مجاور لها أن يغزو أراضيها أو ينظّم فيها انتفاضة مسلّحة.

مع ذلك، تقدّم الظروف الأمنية الداخلية المتبدلة في كوستاريكا درساً مفيداً. في مقالة جديدة بعنوان «خرافة نزع السلاح في كوستاريكا»، يسلّط ماركوس هوخمولر وماركوس مايكل مولر الضوء على الجرائم المتزايدة في البلد والدعوات إلى توسيع صلاحيات وحدات خاصة ومسلّحة من الشرطة مثل «عملية القوة الخاصة». هذا الوضع يؤكد على احتمال خطر: حتى بنية الأمن البسيطة قد تصبح مسلّحة في مرحلة معيّنة.

في المقابل، تُعتبر هايتي مثالاً تقليدياً على الشلل الداخلي الذي يصيب الدول منزوعة السلاح بسبب العصابات المحلية المسلّحة. وافق مجلس الأمن في الأمم المتحدة مجدّداً على إرسال قوات أجنبية لمساعدة الحكومة على استرجاع الأحياء والبنى التحتية الأساسية التي استولت عليها عصابات إجرامية.

إذا لم توافق حركة «حماس» على اقتراح نزع السلاح ولم تتقبّل الجماعات المسلّحة الأخرى في غزة التسوية النهائية، تسود مخاوف مشابهة من استمرار الاضطرابات، لا بين تلك الجماعات وإسرائيل فحسب، بل بينها وبين السلطات في أي دولة فلسطينية مستقلة أيضاً.

كذلك، يثبت تأييد جزر سليمان لبكين أن الدولة قد تكون منزوعة السلاح، لكنها تستطيع اختيار حلفاء عسكريين عدائيين قد يعيدون تشكيل الظروف الأمنية العامة في أي منطقة. بقيت هذه الدولة الواقعة في منطقة المحيط الهادئ تحت تأثير الأمن الأسترالي لفترة طويلة. لكن بحلول منتصف العام 2023، اجتمع رئيس الوزراء ماناسيه سوغافاري مع نظيره الصيني ووقّعا على اتفاق لتعزيز التعاون الأمني بين البلدين، ما يسمح لبكين بتدريب ضباط الشرطة المحليين.

لكن تختلف الأراضي الفلسطينية بشدة عن أي من تلك البلدان، فهي تتعرض لتهديدات وشيكة من جارتها، وتفتقر إلى وحدة الصف بين سكانها في شأن مواصفات أي تسوية نهائية، وتقع ضحية أجندة إيرانية تهدف إلى توسيع نفوذ الإيرانيين في المنطقة.

من وجهة نظر إسرائيل، قد يؤدي غيابها الميداني في غزة إلى تكرار اعتداءات مشابهة لهجوم تشرين الأول على يد متمرّدين لا يعترفون بحق إسرائيل في الوجود.

يقول نائب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق إيران ليرمان إن إسرائيل ستتقبل حلاً يفرض قيوداً كبرى على الفلسطينيين ويمنعهم من تطبيق سياساتهم المستقلة في شؤون الدفاع.

يوضح ليرمان: «أولاً، يجب أن نحتفظ بشكلٍ من السيطرة على الحدود كي نتمكن من استباق ما سيحصل. ثانياً، يُفترض أن نوافق على أعداد وأنواع الأسلحة التي تستطيع فلسطين الاحتفاظ بها وحجم الشرطة وقوات الأمن فيها لمنع تحويلها إلى جيش متكامل مستقبلاً».

إقترح نتنياهو من جهته إنشاء «دولة منقوصة» تفرض قيوداً معيّنة على السيادة وتمنح الضمانات لإسرائيل بما يفوق إقامة دولة منزوعة السلاح. يظن المراقبون أن هذا الاقتراح هو أكثر تماشياً مع المزاج الإسرائيلي العام.

يتساءل دانيال شوامينثال، مدير المعهد العابر للأطلسي التابع للجنة الأميركية اليهودية في بروكسل: «هل ستتمكن أي دولة فلسطينية من عقد اتفاق عسكري مع إيران أو تنظيم تدريبات عسكرية مع «حزب الله»؟ يجب أن توافق فلسطين على عدم إبرام أي اتفاقات دفاعية مع أعداء إسرائيل مثلاً».

لكن تظن المحللة السياسية الفلسطينية نور عودة أن المسألة التي تهمّ الفلسطينيين لا تتعلق بوجود جيش داخل أي دولة مرتقبة، بل بمواصفات الحدود النهائية.

في إشارة إلى المخاوف الفلسطينية من رغبة إسرائيل في متابعة السيطرة على مساحات واسعة من الضفة الغربية وإبقاء الأراضي الفلسطينية مفككة، تساءلت عودة خلال اتصال هاتفي مع صحيفة «فورين بوليسي» من رام الله: «هل ستشبه المساحة الجديدة بانتوستان أم حدود العام 1967؟ هذه المسألة أهم من غيرها. إذا كانت إسرائيل تنوي الامتناع عن الهجوم والغزو وإذا طُرِحت ضمانات دولية لمنعها من هذه التحركات، لن يكون تشكيل الجيش من أولويات الفلسطينيين بحسب رأيي».

لكن لا يفكّر جميع الفلسطينين بالطريقة نفسها. يعرض شوامينثال نتائج استطلاع جديد أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، وهو يكشف أن 72 في المئة من الفلسطينيين يدعمون هجوم «حماس» في 7 تشرين الأول. يعتبر شوامينثال هذه النتيجة إثباتاً على دعم الفلسطينيين للحركات المسلّحة.

أخيراً، اقترح الرئيس المصري مراعاة المخاوف الأمنية التي يحملها الإسرائيليون والفلسطينيون معاً عبر نشر قوات أمنية متعددة الجنسيات لتسهيل هذه العملية الانتقالية، فقال في تشرين الثاني: «يمكن تقديم الضمانات المطلوبة عبر نشر قوات من «الناتو»، أو الأمم المتحدة، أو دول عربية، أو الولايات المتحدة، إلى حين إرساء الأمن لصالح الدولتَين معاً: الدولة الفلسطينية الناشئة، والدولة الإسرائيلية». دعم بعض المفكرين الإسرائيليين فكرة الاستعانة بقوة ملتزمة ومتعددة الجنسيات، لكنهم يريدون تجربة هذا الخيار أولاً في غزة للتأكد من فاعليته. لكن يتطلب هذا النوع من الحلول في المقام الأول أن يفكّر نتنياهو، أو أي خَلَف محتمل له، بالموافقة على إقامة دولة فلسطينية من أي نوع.

MISS 3