سحر الخطيب

كتابات تستحق النشر

14 تموز 2020

02 : 00

هكذا و دون انتباه دخلنا في مفرِق ذكريات الحرب.. لا ندري في أي ساعة تحديداً أضعنا الطريق لكن مذ عُقد العزمُ في مبنانا الكريم على إراحة المولّد الكهربائي بعد لهاثه لأكثر من عشرين ساعة متواصلة فيما تطلّ كهرباء "الدولة" لأقل من ساعتين، أدركت شخصياً أننا اخطأنا المسير. بدل التوجه إلى الغد سلكنا طريق الأول من أمس الأول!!





ومولّد مبنانا هذا ما كان يوماً بهذه الأهمية كما سكبت عليه من فضلها حكومة حسان غياب فأعطته ما لم يكن يملكه حتى في أيام صاحبه وزير أحلام الضوء، صاحب شعار leban/on/off ٢٤/٢٤ جبران باسيل! وهكذا بعدما كان مرذولاً في أسفل سافل المبنى تحوّل المولّد مقرراً أساسياً في حياتنا، حتى لتخال أنه لا بدّ وأنه الحجر الأساس في المبنى بل أن صاحب الإنشاءة قد فكّر بشراء المولّد اولاً ثم حين تدبّر، استقرّ به الرأي على استثمار المولّد فأنشأ له مبنى!!!!! وكمصائر الأسرى ظهر لنا هذا الهادر الكبير -الموتور- في بلد الهدر الأكبر ليقرر عنا كيف نحيا! نستيقظ قبل الوقت لنستحم بوجود الكهرباء ونرتبّ اعوجاج وجه وقد استطال بعد ذوبانٍ في حرّ الليلة السابقة التي مرت دون تبريد. نخلع ثيابنا كيفما اتفق، ونفضّل مؤخراً القطع الخفيفة التي لن ترهق فم الغسالة في ما بعد وهي تهدر على هدير كهرباء الهادر الكبير! تتجرّع النسكافيه قبل وقتها لأن الغاز الكهربائي الذي ارضى الغرور حين شرائه ما عاد ينفع ولو التصقت ببابور جدتك لكان ذاك أنفع يا صاحب وهم القرن الواحد والعشرين!!! تنسّق مع من في المنزل للتجسس على الساعات المثلى لاقتناص المولّد، "دار تعا" "ارجعي قبل ما تطلعي ٨ طوابق"، "اطلب الدليفري الآن سينام المولد بعد قليل"!! وهكذا.. ستعبر بين ساعات التقنين كما كنت تعبر على الحواجز، سيُكتب لك العيش برفاهية الكهرباء بالصدفة كما كتبت لك الحياة بالصدفة بعدما اخطأتك رصاصة قنص، بالتحايل... عمرك أساساً كان تحايلاً على الموت! ولتتجذر في التحايل على العيش سيطرأ عليك هوس شراء الأشياء قبل أن يتورّم سعرها بعد أو تفقدها.. ستنزل السلالم كابن عشرين وتتباطأ في العودة كابن ثمانين حتى يدور الهادر الكبير، وستهرم في يوم واحد، وتدرك انك انت الذي ما عشت يتملكك غضب عن أعمار كثيرة لم تعشها!!

وتدرك أيضا وأيضا أنه حتى في انقطاع كهرباء الدولة كان الطقس الظلامي أكثر وقاراً في أيام الحرب. كانت الكهرباء ذات مكانة، بنت عايلة، تأتي على رأس الساعة.. الثالثة، أو السادسة أو التاسعة، أما الآن فالتقنين شرشوح لا يُعرف له موعد يأتي في السابعة والربع يذهب في الثامنة والنصف، كمن دخل خلسةً بعدما اقترف معصية، فلا يعطيك سوى وقت بالكاد يسمح لك أن تقرأ نصف مقال ترثي فيه صحيفة لوموند الفرنسية بلادك وتسميها البلاد "الآيلة إلى الضياع" فيما تفاجئك أخبار منقولة عن مصادر حسااان بأن هناك مؤامرة خارجية للانقلاب على حكومته!!!


MISS 3