خلف الأبواب الموصدة تكمن إذاً أم المواجهات! أن تواجه نفسك في بيتك فيما الوقت ينتظر مرور الوقت! شخصياُ ولمن يعرفني جيداً ما كان هذا يوماً مشقّة علي، فأنا جارة الحائط! في بيتي لي زاوية خاصة أجلس فيها يحدّها من شرقها الحائط. هي الزاوية الوحيدة التي ما سمحتُ لزوجي بأن يعلق عليها لوحاته الاحب إلى قلبه. "خذ البيت كله واترك لي هذا الحائط".. ففعل!
ثمة زاوية تؤاخينا، وقد رأيت ذلك عند الجنرال ميشال عون قبل الرئاسة إذ أن له زاوية خاصة في الرابية لا يقبل بأن يجلس أحد فيها وقد حدث أني حين زرته لإقناعه بأن يكون ضيفاً على طاولتي قد جلست فيها، فانتفض مساعده قائلا هذا ركن الجنرال. لجميعنا اظن زاوية ترافقنا.. وهي هناك على حالها في حياتنا وفي لحظات متغيّرة كالفصول. ففي زاويتي تلقيت أسوأ الأنباء ولم يكن قد مضى على زواجي سوى بعضِ بسماتِه. عند ركنها كان أول بكاءاتي، وفي رحابها الضيقة استقبلت أجمل الأنباء وتدوالنا معا الأيام صعودا وهبوطاً فكانت الزاوية عينها تحتضن رقص الإحساس و تشقق الأنفاس حتى خفت من تصدّع الجدار!! أنا صاحبةُ الجدار بحق ولطالما غمز كل أحبتي عن علاقتي به، أما أجمل التعليقات فكانت من إحدى صديقات العمر" لقد ابيض وجهك كثيراً...حلّ عليه لون الحائط"!
عند حائطي ثمة فنجان قهوة، يرافقني صباحاً وأنا أقرأ الصحف. وحين ينتهي...أتركه حتى أنتهي. يتغير الفنجان كل يوم لوناً وحجماً وتتغير الأخبار بتغيّر الفنجان لكن إجمالا ليس نحو الأفضل.. كورونا فتكت ايضا بكل الاخبار وغيرت كل شيء.. وقد لمحت في ما لمحت أيضا اني تغيرت.. قلّت قراءاتي للصحف، ظلّت على ثباتها للكتب ، هفُت اسلوبي في الكتابة لهجرها فيما حجمي آخذ في التضاؤل.. وللحق فإن الملاحظة الأخيرة اتت من المرآة المواجهة للحائط ولم يتكرّم بها علي أحد ذلك اني اكاد لا آكل في زمن الكورونا... والاهم من هذا كله كرهت الحائط ... ! أحلم اليوم بكون من حضنٍ .. لي صديق اقسم بأنه بعد انتهاء هذا "الشيء" سيقبّل الغرباء بل راهنني أنهم سيفعلون الشيء نفسه !! وصديقة ندرت أن ترقص على الطريق ! و أخرى بانها لن تعود قبل شهر الى بيتها! ثمة أم أعرفها قالت بأنها لن تطبخ لسنة! وزوجان أقسما على عدم الاستحمام لشهر! أما انا فأريد طاولة كبيرة يجتمع حولها الاهل مع صحن فول ..فعلا لا أكثر.. لا حلم اكبر !!! ربما معه بعض الأصدقاء..ولم لا المعارف.. ولم لا حتى الغرباء..!!! اي وجه يوحي بأننا انتصرنا على الجدار.. وشوية خضار لزوم صحن الفول!
