جنى جبّور

تحف فنية من شظايا الحرب

محمد ناصيف: أحوّل آلات القتل إلى مجسّمات تشعّ حياةً

20 شباط 2024

02 : 00

في رصيده نحو 10 آلاف تحفة

بينما تتساقط الشظايا من كل حدب وصوب في الكثير من القرى الجنوبية اليوم، تخيلوا أنّ تتحول آلات القتل هذه بظرف ساعات قليلة اإلى مجسمات فنية تشّع أملاً وحياة. هذا العمل لا يولده الذكاء الإصطناعي الذي اخترق كل المجالات بشكل خيالي جعلنا لا نفرق بين ما هو حقيقي أو افتراضي، بل يصنعه محمد ناصيف ابن شبعا بكل براعة منذ نحو 16 سنة. وفي جبل الشيخ تحديداً تمكن من جمع أكثر من 30 طنّاً من القذائف ومخلفاتها الحديدية... وبين الشظية والأخرى، تولد تحفة فنية على شكل صليب أو أرزة أو شعار الجيش اللبناني وغيرها تعكس روح التحدّي والسلام.



بدأت رحلة الرجل الخمسيني الفنية في 2008، بينما كان يعمل مع الكتيبة النمسوية ضمن قوات «الأندوف» في جبل الشيخ، وفي الوقت نفسه مندوباً سياحياً يصطحب السياح الى قمة جبل الشيخ خصوصاً في 6 آب في عيد التجلّي، والى المعبد الروماني المتواجد في هذه النقطة. هو حفظ هذا الجبل وما فيه عن ظهر قلب. وخلال زياراته المتكررة اليه، استوقفه عنصر من الكتيبة النمسوية كان يجمع الشظايا المتناثرة على الأرض منذ حرب 1973 بين الجيشين السوري والإسرائيلي، ليحولها الى مجسم صليب. جذبته الفكرة، وقال بينه وبين نفسه: «لماذا لا أجمع هذه الشظايا التي أعرف مكانها بالضبط وأحوّلها بدوري الى مجسمات فنية». وهكذا كان. تمكن من جمع أطنان من المخلفات الحديدية في جبل الشيخ على ارتفاع 2814 متراً، استحوذت القوات الدولية على قسم منها، بينما نقل القسم الآخر الى معمله المنزلي.



مجسّم للجيش اللبناني


أرزة وصليب

لم يواجه محمد صعوبةً في تسويق تحفه. فالفكرة مميزة وفريدة لا يصنعها أحد سواه في لبنان. يعود بالذاكرة في حديثه لـ»نداء الوطن» الى أول مجسمين صنعهما: أرزة وصليب. ويقول: «بينما كنت ارافق أحد السياح من السفارة الكندية، لفتته مجسماتي واشترى عدداً منها وعاد بها الى بيروت. وسرعان ما اتصل بي، ليخبرني أنّ تحفي اثارت اعجاب مجموعة من الناس، ترغب في لقائي في بيروت اذا أمكن. لم أتردد، والتقينا في اليوم التالي حيث اصطحبني الى الكسليك، الى شركة «مفتاح الشرق» التي تهتم بالأعمال اليدوية. عرضت أمام المعنيين أعمالي فأعجبتهم وبدأنا العمل سوياً منذ ذلك الوقت حتّى الآن».



الشظايا الحالية ملوّثة


الهدف من عمله واضح: تحويل شظايا الموت والرعب الى تحف فنية ترمز الى الحياة والأمل. ولكن ليس هذا فحسب، بل يحمل أيضاً هدفاً آخر، اذ يجمعها من أماكن يقصدها الناس وبالتالي يمكن أن تؤذي محبي «الهايكينغ» ورعاة الماشية. نسأله عن الخطر الذي يرافق عمله، ولا سيما اذا كانت هذه المخلفات ملوثة بمواد اشعاعية، فيجيب: «كما ذكرت سابقاً تعود هذه الشظايا الى حرب 1973، اي انها مدفونة تحت الثلوج وعوامل أخرى منذ زمن، وبالتالي فقدت المواد السامة فعاليتها في حال كانت ملوثة بها. أنا واثق من هذه النقطة لانني فحصت بالفعل هذه المخلفات»، مضيفاً: «أجمع الشظايا من مختلف الأحجام، شرط أنّ تكون قد سبق وانفجرت طبعاً، واحتفظ فيها على طريقتي الخاصة بغية تنسيقها في ما بعد وتحويلها الى تحف فنية. ولا اقترب نهائياً من الشظايا التي تتناثر حالياً في قرانا لانها ملوثة».




10 آلاف تحفة


في رصيده حالياً نحو 10 آلاف تحفة فنية تتنوع بين الصليب والأرزة وشعار الجيش اللبناني «شرف، تضحية وفاء» وشعار الأمم المتحدة ومجسم «العقرب»... وفي مستودعه أكثر من 7 أطنان من الشظايا يكمل عمله من خلالها. وبين الرسم والتنظيف والتلحيم والرش والتنسيق، تحتاج كل تحفة من ساعة الى 3 ساعات لانجازها. يقول محمد: بتّ انجزها «عن الغايب»، مشيراً الى أنّ «هذا العمل تعترضه صعوبات مختلفة ولا يمكن لأي كان ينجزها سوى المخضرم». أمّا بالنسبة لنسبة الاقبال على هذه المجسمات التي يتراوح سعرها بين الـ50 و200 دولار (حسب حجمها وتفاصيلها) فيلفت الى أنّ «المهتمين كثر ولا سيما ضباط الجيش اللبناني الذين غالباً ما يسعون الى شراء شعار الجيش أو الأرزة على حد سواء».



أكثر من 70 طنّاً من الشظايا في معمله


MISS 3