سيلفانا أبي رميا

يحوّل جذوع الأشجار الميتة إلى قطعٍ فنيّة

النحات أيمن الأسدي: أختار الأشجار اليابسة والمضرّة

26 أيلول 2023

02 : 00

بمنشارٍ صغير وأحلام ٍكبيرة، يحوّل أيمن الأسدي في ورشته المتواضعة ببلدة طورا الجنوبية، أشجاراً ميتة إلى تحف فنية لا مثيل لها باتت تلقى صدى وطلباً كبيراً في لبنان وخارجه. ويجد النحّات الموهوب مادته الأولية في الأشجار اليابسة التي لم تعد تثمر أو في الأغصان المهملة أو الجذوع التي احتلّها السوس، فهو قبل كل شيء صديق البيئة ومدافع عنها. وفي حديث لـ»نداء الوطن»، روى الأسدي حكايته مع هذا العالم الفني الذي دخله من باب الصدفة، شارحاً مراحل النحت التي تتطلّب أشهراً وسنوات من الصبر والتحضير.



كيف دخلت عالم النحت؟

من باب الصدفة. كنت أعمل في مجال الصخر وتلبيس الحجارة لمدة 25 سنة، لأنتقل بعدها إلى النحت بالرمل. برعت في هذا المجال، وحصدت بطولة لبنان أكثر من مرّة. وفي يوم من الأيام، طلب مني أحدهم نحت رأس حصان وذيل سمكة من الخشب ليضعهما على سفينة خاصة به. وما ولد من بين يديّ حينها جعلني أُغرم بالحفر على الخشب، فتركت مهنتي وانطلقت في مشوار جديد.

ما هي الأشجار التي تستخدم جذوعها؟

الشجرة المفضّلة لديّ هي الزيتون لسهولة التعامل مع جذوعها والحفر عليها بالإضافة إلى جمال خشبها الطبيعي. في وقتٍ تعتبر شجرة الصنوبر الأسوأ على الإطلاق وأحاول قدر الإمكان إبعادها عن لائحة أعمالي، فنسبة الصمغ العالية فيها تجعل العملية برمّتها أصعب وأكثر تعقيداً.








هل تحتاج الى ترخيص لقطع هذه الأشجار؟


طبعاً، فقطع الأشجار غير المثمرة مثل الليلندي والأرز والكينا والسرو والسنديان وغيرها ممنوع ويحتاج إلى ترخيص وإذن من المحميات والبلديات تحت طائلة العقوبة والملاحقة القانونية. كذلك، أنا صديق للبيئة ومناصر للطبيعة، ولا أسمح بتعريض الثروة الحرجية لأي ضرر. وأحرص دائماً على اختيار الأشجار اليابسة أو تلك المريضة التي تشكّل خطراً على التربة وعلى بقية الأشجار والنباتات من حولها.



ما أنواع التحف التي تقوم بصنعها؟



ما أقوم بنحته وإنتاجه لا يمتّ إلى الأثاث بصلة، فأنا لا أُصنّع غرف النوم وطاولات السفرة والمطابخ وغيرها، بل حرفيات وقطع مميزة. وهذه التحف كثيرة ومتنوّعة منها للاستخدام المنزلي وخصوصاً المطبخي وغيرها للزينة والعرض. تخطّت منحوتاتي حتى اليوم الـ4000 قطعة موزَّعةً بين ثُريّات وأطباق وصمديّات وطاولات زينة وصواني ضيافة وفناجين قهوة وأكواب متّة وساعات حائط ومرايا وإنارة وغيرها.




إبداع من جذوع ميتة





ما كانت تحفتك الأولى؟


خريطة لبنان وأخذت مني الكثير من الوقت والمجهود، لتخرج تحفةً هائلةً ما زلت أفتخر بها وأخبر عنها، وهي تمثّل لبنان بقلاعه ومعالمه وصخرة الروشة. كما تأتي في المرتبة الثانية، قطعة عزيزة على قلبي تمثّل جناحاً من خشب السنديان مرصّعاً بالذهب، بطول 3 أمتار، صنعته خصّيصاً بطلب من إحدى كبرى الشركات في الإمارات العربية المتحدة التي لا يمكنني الإفصاح عن هويتها. كذلك أعتزّ بحفر وإنتاج أكبر مجسّم لريشة من خشب الكينا الطبيعي والذي بلغ طوله مترين ونصف المتر.



كيف تتراوح أسعار القطع؟


هناك تفاوت كبير في الأسعار التي تختلف حسب حجم القطعة ونوع الخشب وكمية الجهد والدقة الموضوعَين فيها، بحيث تبدأ من 5 دولارات لتصل إلى 12 ألف دولار أميركي.



أدوات منزلية غير تقليدية



النحت بأدق تفاصيله



لا حدود للاحتراف في محترف الأسدي



ما المراحل التي تمرّ بها الخشبة قبل أن تُصبح قطعة فنية؟

في البداية يجب أن أقول إنّ المراحل طويلة وليست سهلة أبداً. فبعد تقطيع الأشجار، أنقلها إلى محترفي وأتركها لتجفّ حوالى الثلاث سنوات مع رشّها شهرياً بمبيدات للحشرات، ثم أقوم بتشريحها (عندما يصبح لونها بنياً من الداخل) وحفظها في غرفة خاصة لمدة سنة. بعدها أُخرجها إلى الضوء لأقوم بفحصها، فإذا كانت خالية من الشوائب أبدأ العمل عليها فوراً، أما إذا لاحظت تشوّهات في خشبها فألجأ حينها إلى صبّ الـ»إيبّوكسي» عليها لحمايتها من التسوّس.

وفي ما يخصّ الأدوات التي أستخدمها فأغلبها أدوات نجارة تقليدية، ما عدا المنشار الدقيق الذي أقصّ فيه الخشب ويتميز بكونه صُنع محلّياً بأياد أرمنية، وهو نادر وعمره فوق الـ100 عام. كذلك، غالباً ما أُنجز القطع الصغيرة في يوم واحد فقط. إلا أنّ القطع الضخمة والكبيرة كالطاولات مثلاً فهي تحتاج إلى مدة يومين أو أكثر حيث تمرّ بمراحل عدة أهمها التشريح والتجفيف والنحت والدهان. أما المجسّمات الكبيرة فتحتاج بين 5 و10 أيام على الأقلّ.

هل من منافس لك في لبنان؟

في كل المهن هناك منافسات ومضاربات، لكنّني شخصياً لم أشعر يوماً أنّ هناك من ينافسني محلياً وعربياً، فأنا على كامل الثقة بأنّ القطع التي أصنعها لا يكرّرها شخص غيري لا بالشكل ولا بالدقة ولا بجمالية النحت. أحاول اليوم حماية حرفتي هذه عبر نقلها إلى أولادي الذين يهوون الرسم وهو ما سيساعدهم كثيراً في تعلّمها وتطبيقها مستقبلاً.

هل فكرت في إقامة معرض؟

تمّت دعوتي إلى المشاركة في الكثير من المعارض لكنني لا أملك الوقت أبداً، فجدولي دائم الإنشغال ولديّ الكثير من المنحوتات لأُنجزها. لكن ذلك لا يمحو نيّتي ورغبتي بتنفيذ الحلم وهو عبارة عن صالة عرض كبيرة تحتضن كل أعمالي وتكون متاحة أمام كل الناس.

ما سرّ النجاح الذي وصلت إليه اليوم؟

في بلدٍ مثل لبنان تتآكله الأزمات وتتوالى عليه المحن والضربات والفساد، ينجح من يأبى الإستسلام ومن لا يفقد الأمل بسرعة. فأنا آمنت بحرفتي وتمسّكت بها على الرغم من كل الظروف الصعبة التي عاكستني. الحمدلله، ها أنا اليوم أملك عدداً لا يُحصى من الزبائن، 90% منهم لبنانيون وما تبقّى عرب وأجانب يُغرمون بالقطع لدرجة أنّهم يأخذون على عاتقهم دفع كلفة شحنها إلى بلادهم.










MISS 3