نوال نصر

"الطاقة" في لبنان "لا حول ولا قوة"

ضعف في الرؤية وغباء لدى المستشارين

5 آب 2019

00 : 46

"كهرباء لبنان في خدمتكم"
في 22 آذار نبهتنا وزيرة الطاقة والمياه ندى بستاني الى أن "عدم تنفيذ خطة الكهرباء بعد أسبوع (في آخر آذار 2019) يُرتب على الدولة تكاليف تزيد عن 150 مليون دولار شهرياً! عمرُ خطة الكهرباء هذه، لمن لا يعلم، تسعة أعوام! هي خطة الوزير جبران باسيل في 2010...فماذا تغيّر بين الأمس واليوم؟ ماذا تغيّر لنثق بخطةٍ ماتت وقامت بعد أكثر من مئة شهر؟ ماذا تغيّر لنثق بأن الكهرباء قد تأتينا 24 على 24؟ وأن الهدر الى نهاية و"العجز" لن يدوم ويدوم ويدوم؟ أرشيفُ "الطاقة" في لبنان لا يُبشر خيراً... فماذا فيه؟ ماذا في تفاصيل غابت عن كثيرين و"غيّبت" الكهرباء والطاقة؟




أوّل ما قد يخطر في بالِك وأنت تجالس خبراء في الطاقة طرح هذا السؤال: ماذا يعني أن تُعرض نفس الخطة مرتين بفاصل مئة شهر وتبقى حال الكهرباء... حال؟

يبدأ خبراء الطاقة طرح الموضوع من الآخر، من سعي الكثيرين ممن يعملون على تحديد مؤشرات الطاقة العلمية الى نقل المعلومات، وسبل توفيرها، ومتابعة التفاصيل الدقيقة الى المراجع المعنية ولا سيما وكالة الإحصاء المركزي في لبنان ووزارة الطاقة لكن... "فالج ما تعالج"... وفي هذا الإطار، على سبيل المثال لا الحصر، جرى التعاون مع نزار درويش من وزارة الطاقة الذي انتقل الى أوروبا وحصل على كل المعلومات المطلوبة ويوم عاد اعترضت وزارة الطاقة معتبرة أن متابعة المؤشرات العلمية خارجة عن صلاحياته. أما وكالة الإحصاء المركزي فقالت إنها تفتقر الى القدرة على التنفيذ.


الشمعة... أنفع



مشكلة وزارة الطاقة عدم قدرتها، بحسب خبراء الطاقة أنفسهم، على الإنفتاح. فهل يعود سبب هذا الإفتقار الى الكفاءة العلمية أو البيئية؟ يجيب خبير في الطاقة: الإثنان معاً. ويستطرد: أوقفت الدولة اللبنانية التوظيف، ولا "دم جديداً" يجري فيها، وعدم التوظيف هذا يفيد بعض الوزراء الذين يعتمدون على المستشارين برواتب مرتفعة تتجاوز بكثير المبالغ التي يفترض أن يتقاضاها المهندسون. وزارة الصناعة مثلاً احتاجت الى مهندسين، وتقدم الى مجلس الخدمة المدنية عشرات الشباب والشابات من مختلف الجامعات. تقدم 84 مهندساً الى وظيفة مهندس معماري وهم يحتاجون الى واحد فقط لا غير، ونجح في الإمتحان الخطي 34 مهندساً، واكتشفنا في الإمتحان الشفهي المعايير العالية والكفاءات التي يملكها كل المشاركين. ووزارة الصناعة أصبحت، بعد إنجاز هذه التوظيفات، من أهم الوزارات. وكم تمنينا لو أن الطاقة حذت حذوها. لدينا كفاءات عالية جدا لو سُمح لها بالعبور الى وزارة الكهرباء لكانت بدّلت أفضل تبديل، لكن، بعد الطائف، صار كل وزير ملكاً على مملكة (وزارة)، هو "الآمر الناهي" فيها مفضّلاً الإعتماد على "المستشارين" الذين لا يرتبطون بالوزارة مباشرة ولم يأتوا بموجب امتحانات في مجلس الخدمة المدنية ولا أحد، غير الوزير، يعترف بكفاءاتهم. والملفات تنتهي بانتهاء ولاية الوزير ومستشاريه. والمدراء العامون، في غالبية الوزارات، في عزلة. وكل المعاملات "بإمرة" الوزير. فلنأخذ مثلاً ما حدث مع المدير العام للإستثمار في وزارة الطاقة غسان بيضون، الذي عُرف بدقته واستقامته واحترامه التشريعات القانونية، وأجبر على اخذ إجازة قسرية حين سُئل أيام الوزير سيزار أبي خليل عن "المركز اللبناني لترشيد الطاقة" فأجاب: لا دخل لنا به. عوقب غسان بيضون لأنه نفى ما ادعاه وزير الطاقة والمياه حينها أن المركز تحت إمرة بيضون. غريبٌ حقا هذا.


أغلاط بالجملة

الأغلاط لا تنتهي، وتفاصيلها تجعلنا على يقين أن الكهرباء "فالج". فلنأخذ الأعمال التي يقوم بها الوزير ومستشاروه من دون الركون الى "الإجراءات التنظيمية والقانونية". المناقصة في معمل دير عمار أحد الأمثلة حيث أصرّت وزارة الطاقة على إدارة المناقصة، بواسطة مستشاري الوزير، ورست المناقصة على شركة تبيّن لاحقاً أن المستشارين لم يتنبهوا الى أنها قد قدمت سعرها من دون الضريبة على القيمة المضافة! أتتصورون؟ وطبيعي أن يدخل الموضوع في دعاوى عالمية طوال ستة أعوام مذيلة بتوقيع: غباء مستشارين!

يتعب الخبراء حين يتحدثون عن الطاقة، ونتعب نحن، ويتعب المواطنون.

أموالٌ هائلة مُنحت الى جمعية سمتها وزارة الطاقة والمياه "وكالة ترشيد الطاقة" والغريب أن الوزارة قدمت هذه الجمعية على أنها هيئة حكومية، علماً أنها "جمعية غير حكومية" أسسها جبران باسيل ومنحها زياد بارود العام 2011 الترخيص مخالفاً بهذا القانون الذي لا يسمح بإنشاء جمعية مقرها وزارة ما. خبراء الطاقة يلومون بارود في هذا، ويلفتون الى محاولة مماثلة قام بها الوزير نهاد المشنوق بطلبه الترخيص لجمعية مركزها وزارة الداخلية لكن قراراً ألغى طلبه. في أي حال، لا ضير أن تعرفوا أن هذه الجمعية أسسها 11 شخصأ، بينهم أربعة من جماعة جبران باسيل المقربين جداً، وهناك شخص ينتمي الى حركة أمل وقاض أساسي في لجنة اختفاء موسى الصدر ومدير مكتب الوزير محمد فنيش وسكرتيرة...

يكرر خبراء الطاقة مسؤولية اتفاق الطائف الذي جعل من الوزير "سلطاناً" في وزارته! وعرف وزير الطاقة والمياه الفعلي أو الوصي (وزير الخارجية) كيف يستفيد من هذه الثغرة. 

والحلّ؟
لا بُدّ من تعيين الهيئة الناظمة للكهرباء. لكن "فالج"! وزيرة الطاقة ندى بستاني تعتبر أن "تعيين الهيئة الناظمة الآن سيعيد الأمور الى نقطة الصفر لأن كلّ البنود التي أقرّت في الخطة ستعود الى الهيئة". يعني؟ يعني لا هيئة ناظمة. أُجّل الموضوع!


مشهد يدوم ويدوم ويدوم (فضل عيتاني)


ضعف الرؤية

أكثر ما نعانيه في قطاع الطاقة في لبنان هو "ضعف الرؤية" وإصرار البعض على "أكل البيضة والتقشيرة". فلنأخذ مثلا "إنتاج الكهرباء من الرياح" الذي جرى تكليف وزير الطاقة السابق سيزار أبو خليل مباشرة بالتفاوض حوله مع الشركات. ورست دفاتر الشروط على ثلاث شركات، إلتزمت وزارة الكهرباء شراء الكيلواط منها بسعر 9,3 سنتات، ويرتفع السعر مع "تي في آ" الى عشرة سنتات، وذلك لمدة عشرين سنة، علما أن سعر الكيلواط في مصر من "الرياح" لا يتعدى الثلاثة سنتات وفي البرتغال أربعة سنتات. وعلى الرغم من أن هذا السعر يناسب الشركات لم تبدأ العمل بها حتى اللحظة، لأنها لم تستطع تأمين مصادر التمويل اللازمة، لأن الشركات الممولة رأت أنه لا يحق لأي وزير أن يلتزم مدة عشرين سنة، والإلتزام يحتاج الى ضمان من مصرف لبنان وقانون من مجلس النواب خشية حصول طعن في المستقبل. وهذا ما صدر عن المدير العام للوكالة الفرنسية للطاقة.

مشكلتنا مشكلة. أزمتنا أزمة. وكهرباؤنا لا تُشبه أي كهرباء في هذا الكون.

وماذا بعد؟

الخطة الجديدة لكهرباء لبنان تعتمد على 1450 ميغاواط تغذية من البواخر، وهذا يُشكّل تعديلا لخطة 2010 التي أجازت الإعتماد على 340 ميغاواط تغذية من البواخر. عشرة أعوام تنقص عدة أشهر، وما زالت الخطة تدخل من الباب وتخرج من الشباك ثم تحاول أن تعبر من الطاقة. والسبب؟ منظومة مصالح تتداخل في "كارتل الفيول" ضدّ الطاقة المتجددة في العالم. إنها لعبة المصالح التي تعيق كلّ تطور.

أمرٌ آخر يُفاجئ خبراء الطاقة وهو أجور العاملين المرتفعة جداً في منشآت النفط خصوصاً من يفترض بهم التأكد من مواصفات الفيول المستورد. ثمة أجور تزيد عن 14 مليون ليرة لبنانية. لماذا؟ خمّنوا.


MISS 3