ريتا ابراهيم فريد

بين العمق والسلاسة...

"كأنو مبارح" يُعزّز التواصل مع الذاكرة

26 شباط 2024

02 : 05

الإعلامي جان نخّول

«من زمن الكبار»، «صارو مية»، حلقات تلفزيونية لمست المشاهدين في أعماقهم، وزرعت في داخلهم بصمة العودة الجميلة إلى الماضي. هذان البرنامجان اللذان حملا توقيع الإعلامي جان نخّول، تميّزا بتقديم المادة الأرشيفية بأسلوبٍ عصريّ يحاكي الجيل الجديد، مع نصّ جذّاب يجمع بين العمق والسلاسة في آن. واليوم يضاف إليهما برنامج «كأنو مبارح» الذي اِنطلق عرضه منذ فترة عبر شاشة الـMTV.



«كأنو مبارح» هو سلسلة وثائقيات تعود بالمُشاهد الى التاريخ الحديث وتسلّط الضوء على أحداث فنية واجتماعية وسياسية من مختلف جوانبها. البرنامج من إعداد وتنفيذ جان نخّول وإخراج تدي ريشا. وهو أيضاً من إعداد محمود الزيباوي، ومن تقديم ريتا بيا أنطون التي تخوض تجربة جديدة في هذا المجال، فأثبتت بسرعة قياسية حضورها المحبّب الذي ترافق مع إطلالة لطيفة.

بدوره، أتقن جان نخّول اختيار المواضيع مدرجاً إيّاها في توقيتها المناسب. فكانت انطلاقة البرنامج مع حلقة عن السيدة فيروز والقدس. ومع بداية السنة الجديدة، عرض حلقة عن أحداث سنة 2023، وتوالت الحلقات التي حملت في عناوينها أسماء فنانين كبار مثل زكي ناصيف، أم كلثوم وعبد الوهاب، أبو سليم، سعاد حسني، الى جانب حلقات تطرّق فيها الى رقصتي «التويست والروك»، وأخرى عن ظاهرة الأعمال الفنية الخفيفة.




يحاوط نخول مواضيعه من جميع جوانبها. يعبر بالمُشاهدين نحو الماضي مثل دليل سياحي ملمّ بكلّ تفاصيل الأمكنة، وكأنّه ينتمي الى مراحل سابقة أو تاريخٍ رغم أنه لم يكن موجوداً فيه. في هذا الإطار يشير نخّول في اتصال مع «نداء الوطن» الى أنّ هذا التاريخ هو جزء من هويّتنا. ويضيف أنّه لطالما اهتمّ بالوثائقيات والأرشيف وبكلّ ما هو قديم. وحيث إننا نعيش في وطن يحمل إرثاً ثقافياً كبيراً، تعلّق أكثر بالأحداث التاريخية، وباتت حاضرة بقوّة في حياته المهنية.



من حلقة فيروز والقدس



تحدّيات رافقت إطلاق البرنامج

بعد النجاح اللافت لبرنامج «صارو مية» وعرض أكثر من 50 حلقة منه ضمن أكثر من موسم، كان التحدّي كبيراً في إعادة إطلاق برنامج جديد يتمحور كذلك حول الذاكرة والأرشيف. يشير نخّول في هذا الإطار الى أنّ برنامج «صارو مية» حقّق نجاحاً شعبياً كبيراً بعكس التوقّعات، وبعكس النظرية التي تشترط تقديم محتوى سهل وخفيف للجمهور لتحقيق نسبة مشاهدة. ويوضح قائلاً: «من هُنا قرّرنا السير في خطوة أكبر والعمل على تقديم مادّة معمّقة أكثر، حتى لو شكّل ذلك تحدّياً. وانطلاقاً من مبدأ نجاح «صارو مية»، كنّا على يقين بأنّ «كأنو مبارح» سينجح أيضاً وسيكون له جمهوره. وحتى لو اعتُبر نخبوياً في مكانٍ ما، إلا أنّ نسبة المشاهدة المرتفعة التي حقّقها تخطّت أيّ منافسة أخرى».



البرنامج من تقديم ريتا بيا أنطون



تجدر الإشارة الى أنّ نخّول شكّل مع الإعلامية نبيلة عواد ثنائياً ناجحاً في برنامج «صارو مية»، لكنّهما انفصلا اليوم حيث توجّهت عواد لتقديم برنامج «نقطة تحوّل» على الشاشة نفسها. وهُنا يؤكّد نخّول على أن لا حصرية في العمل، وأن البرنامجين لا يتعارضان رغم بعض نقاط التشابه. فنبيلة التي تميل أكثر الى القضايا السياسية البحتة انطلاقاً من عملها في الأخبار، اختارت في برنامجها أن تركّز على الأحداث السياسية، فيما توجّه جان أكثر نحو الثقافة والفنّ. لكنّ هذا لا ينفي أنّ نجاحهما في برنامج «صارو مية» شكّل أساساً لنجاح برنامجيهما اليوم، مشدّداً على أن لا خلاف بينهما وقد يجتمعان في برامج مقبلة.

من جهة أخرى، تضمّنت بعض الحلقات أحداثاً سياسية تحمل اختلافاً في وجهات النظر حولها، لكنّ البرنامج عرضها بطريقة موضوعية. ويلفت نخّول هُنا الى أنّ «كلّما توسّعت المسافة بيننا وبين الحدث، نجحنا برؤيته عن بُعد بشكلٍ أفضل. مثلاً في حلقة التويست، عرضتُ الأمور تماماً كما هي من دون أن أبدي رأيي أبداً. وتكرّر ذلك في حلقة سعاد حسني رغم أنني أمتلك قناعة شخصية حول ظروف وفاتها، لكني اكتفيتُ بعرض وجهات النظر المختلفة حول الموضوع، وتركتُ الحكم للمشاهدين. مع الإشارة الى أنّ أحد الأخطاء التي يقع البعض فيها أثناء سرد التاريخ، هي حين يعرضه من وجهة نظره الخاصة».

التواصل مع الماضي نوع من المقاومةالبرنامج يسلّط الضوء على أهمية تعزيز العلاقة مع الذاكرة في زمن يحاصرنا فيه الإحباط من جهات عدّة. ويشير نخّول في هذا الإطار الى أنّ الأزمات المختلفة تركت تأثيرها على الذوق العام والأجواء العامة. فإذا أطلّ أحدهم عبر تيكتوك وأثار الجدل حول مسألة ما، قد تنال مادّته أقصى اهتمامات الجمهور مهما بلغت سطحيّتها. ويتابع: «حين نعود قليلاً الى الماضي لتسليط الضوء على الإرث الثقافي الذي نمتلكه، لا بدّ من أن نشعر باندفاع جديد للإرتقاء في مختلف المفاهيم. وفي بلدٍ يعاني من أزمة اقتصادية، من الطبيعي أن يعاني مواطنوه من اختلال في المعايير التي تشمل المعايير الثقافية والفنية. بالتالي، التواصل بهذا الشكل مع الذاكرة هو نوع من المقاومة التي نعيشها».

*برنامج «كأنو مبارح»: يُعرض الإثنين 9,30 مساء عبر شاشة الـMTV

MISS 3