وليد شقير

فرصة الهدنة واستنزاف "الحزب"

28 شباط 2024

02 : 04

هل حان وقت إعادة تكوين السلطة في عدد من دول المنطقة بناء على التطورات الميدانية التي يشهدها الإقليم؟ أم أنّ على شعوب دول عدة، منها لبنان... الانتظار كثيراً قبل أن تشهد تغييراً يقودها إلى بعض الاستقرار؟

حتى إسرائيل، قيل بعد 7 تشرين الأول الماضي أنها ستشهد تغييرات في حكومتها وتركيبة الحكم فيها، وأن بنيامين نتنياهو سيسقط ويذهب إلى المحاكمة والسجن وتنتهي حياته السياسية. لكن هذا الاستنتاج عرضة لكثير من التساؤلات والتشكيك. فالمجتمع الإسرائيلي بأكثريته وفق آخر استطلاعات الرأي يغلب فيه الرأي القائل باستمرار الحرب سواء ضد غزة أو ضد «حزب الله» في جنوب لبنان، ناهيك عن تأييد ما ينفذه المتطرفون في حكومة نتنياهو من قمع ومصادرة أراضٍ وتهجير لفلسطينيي الضفة الغربية. المفارقة تكمن في أنّ الأكثرية الإسرائيلية التي تريد رحيل نتنياهو هي نفسها التي تريد استمرار الحرب. ونتنياهو يقول لهؤلاء «أنا رجلها».

يتزامن الرهان على تغيير في إسرائيل مع تحضيرات لتغيير تركيبة السلطة على الصعيد الفلسطيني، بدأت ملامحه بقبول استقالة رئيس الحكومة الفلسطينية محمد اشتية، في سياق ترتيب تسعى إليه الولايات المتحدة الأميركية على أن يكون جزءاً من مرحلة تتبع الهدنة المؤقتة شرط أن يتم التفاهم عليها قبل بداية شهر رمضان المبارك، وتمتد إلى ما بعده، أي ستة أسابيع.

يراهن كثر على أن تنتج فسحة الوقت التي تستغرقها الهدنة المرتقبة تكثيفاً للبحث في تسوية هنا وهناك، فتنقل الأزمات في بعض هذه الدول إلى مرحلة جديدة. وقد تكون الهدنة بهذا المعنى مخرجاً لأطراف مثل «حزب الله» الذي ربط وقف النار على جبهة جنوب لبنان بوقف إطلاق النار في غزة، كي يعيد النظر في عملياته العسكرية المضبوطة، بعدما أقرّ أنّه هو الذي فتحها لمساندة غزة.

فالحزب، على رغم أنه أعطى إسرائيل نموذجاً لما يمكن أن يكون عليه توسيع الحرب في ردوده النوعية على تعميق إسرائيل ضرباتها جغرافياً، وقع في إحراج حيال المعادلة التي كانت قيادته ترددها ضد تهديدات اسرائيل، وهي أن بإمكان الأخيرة بدء الحرب لكنها لا يمكنها أن تتحكم بنهايتها. بات الأمر ينطبق على «الحزب» نفسه. فقد صار صعباً عليه أن يتحكم بنهاية المواجهة التي أطلقها في 8 أكتوبر، وبات لزاماً عليه أن ينتظر وقف العمليات القتالية من قبل إسرائيل في القطاع.

لكن الافتراض المتفائل بأنّ نجاح الهدنة المؤقتة يفتح الباب على إحداث تقدم في معالجة الأزمة السياسية في لبنان ولا سيما مشكلة الشغور الرئاسي، يخضع للكثير من التأويلات والتكهنات والتشكيك:

أولاً: حتى لو توقفت العمليات العسكرية في غزة فإنّ وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت شدد على أنه لن يشمل جنوب لبنان، مهدداً بأن يواصل ضرباته لـ»حزب الله». وهذا سيستدرج الأخير للرد، ما قد يبقي لبنان مسرحاً للعمليات، حتى أثناء الهدنة الغزاوية.

ثانياً: ثمة تقديرات لدى بعض الجهات الدولية بأنّ حكومة نتنياهو ستستفيد من هدنة غزة من أجل التفرغ لمزيد من التسخين على جبهة جنوب لبنان بهدف انتزاع التنازلات حول ترتيبات انسحاب «حزب الله» إلى ما وراء نهر الليطاني، في إطار الجهود الأميركية الفرنسية من أجل صيغة لتطبيق القرار الدولي 1701، من دون أن تقدم الدولة العبرية أي تراجع عن مواصلة خروقاتها الجوية للسيادة اللبنانية.

ثالثاً: يتطلب انتخاب الرئيس تفاهماً خارجياً تصر أوساط سياسية بارزة على وجوب حصوله بين إيران وأميركا... وهذا يخضع لشتى التأويلات. إما أنّ طهران تسهل حلولاً في الإقليم لتحصل على انتخاب رئيس يرضى عنه «الحزب»، أو أنّها قررت قطع الطريق على نوايا تل أبيب بإعفاء «حزب الله» من مزيد من الاستنزاف الإسرائيلي الذي أتعبه. في هذه الحال تبدي ليونة حيال انتخاب رئيس تسوية، إشارة منها الى الاستعداد لاستكمال تبريد جبهة الجنوب عبر تطبيق القرار 1701 بالوسائل الدبلوماسية لا العسكرية.

MISS 3