رماح هاشم

الخبير المالي وليد أبو سليمان: يستحيل أن يُصحّح الفاسد اعوجاجه ويُحاسب نفسه

الإجرام متواصل والسياسة المتّبعة غايتها تذويب الودائع

4 آذار 2024

02 : 00

هناك تضليل حول أسباب الخسائر في مصرف لبنان... وهدف التضليل تحميل الدولة المسؤولية

المصارف مسؤولة أولاً ولم تحترم إدارة المخاطر وانكشفت على «عميل» واحد 70 إلى 75%

إعتمدت الحكومة مرة جديدة الهروب إلى الأمام وأخرجت أرنب زيادات الرواتب بثلاث دقائق

يجب تشريح الودائع بين مشروعة وغير مشروعة... وعلى مصرف لبنان إعلان أرقامه بشفافية





فيما تغيب المعالجات الجديّة لمختلف الأزمات الإقتصاديّة، يستمرّ سوء الوضع الإقتصادي بالتفاقم لتأتي قرارات الحكومة الأخيرة وتغامر بزيادات رواتب وتعويضات للموظفين غير مدروسة وغير عادلة مع رهان على تمويلها بالدولار من مصرف لبنان، فضلاً عن تداعيات مثل احتمالات تفلّت الأسعار وتبخّر الزيادات التي نالها الموظفّون. ووسط هذه الضبابيّة تتجدد أهميّة وضع الأمور في نصابها لجهة من يتحمّل مسؤولية تبخّر ودائع الناس. هذه الهواجس الإقتصاديّة والمالية والمصرفية تحدّث عنها الخبير الإقتصادي والمالي وليد أبو سليمان لصحيفة «نداء الوطن»، وسلّط فيها الضوء أولاً على مسؤولية المصارف في تسديد أموال المودعين.



وليد أبو سليمان



جدلٌ حول قانون النقد والتسليف

بدايةً ماذا يقول الخبير أبو سليمان عن ادعاء المصارف بأن المادة 113 من قانون النقد والتسليف تُجبر الدولة على تغطية خسائر مصرف لبنان: «هناك عقد وديعة بين المصارف والمودعين حول الودائع المقومة بالدولار وقيمتها تقريباً 91 مليار دولار، أي أن المصارف على تماس مع المودعين. المصارف لم تحترم قواعد إدارة المخاطر حيث أنها تعاملت مع عميل واحد وهو المصرف المركزي وأودعت ما لا يقل عن 80 مليار دولار لديه، بالتالي أقرضته نسبة تتراوح ما بين الـ 70 إلى الـ 75% من الأموال المؤتمنة عليها وهي الودائع. بالتالي، هناك تسلسل في المسؤوليات وترابط بين المصارف وبين مصرف لبنان والدولة اللبنانية، إنما علاقة المودع هي مع المصرف ولا يمكن أن يكون جواب الأخير: فلترد الدولة أو أي جهة أخرى أموالك. ولنفترض مثلاً أنها كانت أودعت الأموال في مصرف أجنبي وأفلس، على مَن كانت ستقع المسؤولية في هذه الحالة؟ هل يمكن للمصارف أن تقول للمودع أموالك أصبحت مع مصرف آخر وهو يواجه مشاكل؟ هل كان على المودع محاسبة المصرف المفلس؟».

جذور الأزمة

ويُتابع أبو سليمان «المصرف المركزي مؤسسة مستقلة، ولولا ذلك لحجز المقرضون في الخارج المكتتبون في سندات اليوروبوندز تلقائياً على الذهب في المركزي. قانون النقد والتسليف الذي ينص على أن الدولة عليها التعويض فيه جدل كبير عملياً. فالتقارير الدولية مثل «الفاريز اند مارشال» وغيرها، تشير إلى أن الخسائر في النظام المالي تتخطّى الـ 70 مليار دولار. لا شك أن جزءاً من المسؤولية يقع على كل الأطراف بالتراتبية والتسلسل. انما هناك تضليل حول كيفية تكبد المصرف المركزي خسائر بقيمة 70 مليار دولار، فهو يقول إن الحكومات المتعاقبة بذّرتها، أنا لا أدافع عن الحكومات الفاسدة وعن الهدر وعجز الموازنات، إنما الدولة اللبنانية كانت تصدر سندات خزينة بالعملات الأجنبية وهي اليوروبوندز على مدى عقود لإدخال الدولارات. سياسات تثبيت سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار والهندسات المالية أدت إلى تكبّد مصرف لبنان خسائر تتراوح بين 55 و60 مليار دولار أي ما نسبته 80 إلى 85% من إجمالي الخسائر»، لافتاً إلى أن «مصرف لبنان كان المسؤول عن السياسة النقدية، إنما بتغطية سياسية، لأن كافة البيانات الوزارية كانت تؤكد ثبيت سعر صرف الليرة، هذا النوع من التثبيت خاطئ عندما يستمر لأكثر من سنتين من دون وجود مداخيل بالدولار. والسياسة التي كانت تعتمد وأقل ما يقال عنها أنها أكثر من خاطئة تترتب عليها مسؤولية، إذ كان من المفترض اتخاذ إجراءات معينة في هذه الحالة مثل التعويم التدريجي. وفي النتيجة نرى اليوم المودع يتحمل الأعباء الناتجة عن كل هذه الخسائر والأخطاء، خصوصاً أن الأمور عادت إلى ما كانت عليه، إذ تخطت الدولة الخسائر عائدةً إلى الصرف وحصلت تنفيعات منذ أيام، من دون أن تتم محاسبة المسؤولين عبر توزيع الخسائر بطريقة عادلة».

الودائع غير المشروعة

بالإنتقال إلى الودائع التي تشكل قيمتها 90 مليار دولار، يشير أبو سلميان إلى «الودائع غير المشروعة. أن المودع الذي يدفع ضرائبه من أمواله الخاصة ومن جنى عمره لا يجب موازاته مع شخص فاسد حقق ثروة بطرق غير مشروعة. المشكلة في الأموال «غير النظيفة». المطلوب هو تشريح الودائع لتفريقها والعمل على رد «النظيف» منها وشطب الآخر، وهنا مكمن الإصلاح في موضوع الودائع. أي مودع أو شخص تقاضى فوائد تفوق قيمتها الدين السيادي الذي كانت الدولة تدفعه على اليوروبونذز يجب استعادة الفوائد منه عبر تطبيق الـ claw back. بالدرجة الثانية يأتي الأشخاص المكشوفون سياسياً والذين يعملون في الشأن العام، بعضهم نزيه وبعضهم فاسد، وقد يكون الفاسد من بين المودعين ويجب أن تشطب أمواله. كذلك، بالاستناد إلى القانون 44/2015 حول التهرب الضريبي ومكافحة تبييض الأموال، يمكن التدقيق بالودائع لتحديد مصدرها، وحتى يمكن مراسلة بلدان أخرى أودعت فيها أموال لمعرفة ما إذا كانت هذه الأموال دفعت ضرائب أم لا... هذه الإجراءات كلها لم ولن تتخذها الدولة، لأن من غير الممكن أن يصحح الفاسد الإعوجاح ويحاسب نفسه. بالتالي، منذ أربع سنوات ونحن نضحك على أنفسنا في حين أن كل ثانية لها قيمة في الأمور المالية. في ظل غياب الإصلاحات وغرق المؤتمن على الإصلاح في الفساد، تنفذ جرائم في حق المودع والمواطن اللبناني».

الغاية تذويب الودائع

ويذكّر وليد ابو سليمان بـ «خطة حكومة حسان دياب التي رغم الثغرات الكثيرة التي كانت تحتويها كانت تهدف إلى حماية 98 % من الودائع حتى 500 ألف دولار، في حين أننا اليوم نتحدث عن تعويض ودائع الـ 100 ألف و36 ألف دولار من دون القدرة على ذلك. الإجرام متواصل مع إستمرار إضاعة الوقت لأن السياسة المتبعة متعمّدة، والغاية منها تذويب الودائع عبر دفع المودع إلى فقدان الأمل».

أبرز مخالفات المصارف

وعن أهم وأبرز المخالفات التي ارتكبتها المصارف، يجيب أبو سليمان بأنه مثلاً «لا يمكنها إقراض عميل واحد (مصرف لبنان والدولة) حتى 70% من دون وجود إدارة للمخاطر. هناك قاعدة عالمية بأن الأموال الموظفة لا يجب أن تتخطى الـ15% لكل عميل وإلا المخاطر تصبح مركزة. كذلك، كانت المصارف على علم بمدى تأزم الوضع، ورغم ذلك استمرت في إغراء المودع. وفي حال كانت ادعاءات المصارف بأن المركزي كان يرغمها على إدانته صحيحة، فكان يجب عليها ربط النزاع معه في تلك الفترة واللجوء الى سلطة قضائية مختصة لمحاسبته ومعالجة المشكلة».

أما عن مشروع إعادة هيكلة المصارف، فيعلّق بأنه «تم التنصل منه. وسمعنا أن حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري قال إن هذا القانون غير نافع. الجهات المسؤولة لا تتحمل تكاليف الهيكلة «.

زيادة الرواتب «تهريبة»

وعلى صعيد زيادة الرواتب والأجور للقطاع العام يصف ابو سليمان هذا القرار بـ «التهريبة»، حيث اعتمدت الحكومة مرة جديدة سياسة الهروب إلى الأمام وأخرجت الأرنب بثلاث دقائق. هنا نعود إلى موضوع الإنفاق الجاري والرواتب التي تشكل ما بين 45 إلى 47% من مجمل نفقات الموازنة. تمت زيادة بقيمة ما يقارب الـ 30 مليون دولار شهرياً لدفع الرواتب، لا شك أنه من الضروري إنصاف الموظفين المنتجين والمؤهلين، لكن الإنصاف يتم عبر الإصلاح وأول خطوة هي إعادة فتح الدوائر العقارية والمرافق التي تدر الأموال للخزينة. كان الناتج الاقتصادي يتخطى الـ 54 مليار دولار عام 2018 ويشكل التهرب الضريبي 10% منه أي 5 مليار دولار. اليوم في ظل اقتصاد الكاش توسع التهرب الضريبي كثيراً. ولا يتم تحسين الجباية عبر تحصيل الضرائب والرسوم. نقطة الارتكاز الأهم في أي اقتصاد وفي تكبير أي مداخيل هي عندما يتم تكبير حجم الاقتصاد، لكن لا رؤية اقتصادية لتحقيق ذلك في لبنان، حتى أن الانفاق الاستثماري لا يتخطى الـ 6% فكيف يكبر حجم الإقتصاد؟».

ويواصل حديثه عن وسائل تأمين الـ 30 مليون دولار، موضحاً أنه «بالإرتكاز إلى الأرقام يتبين أن آخر بيان صدر عن المصرف المركزي في 17/8/2023 يؤكد أن الدولة اللبنانية لديها 275 مليون دولار. ذلك كان آخر تصريح منذ 7 أشهر، ولا نعرف كم انخفض هذا الرقم. إذا لم يكن لديه ما يكفي من الأموال كيف ستؤمن الرواتب بالدولار؟ هل مصرف لبنان سيعيد فلش الكتلة النقدية بالليرة لشراء دولارات وتأمين هذا المبلغ؟ علماً أن ذلك يعيدنا بالذاكرة إلى سياسية إقرار سلسلة الرتب والرواتب عام 2017 ويضعنا أمام برنامج تضخّمي بامتياز يساهم بإقرار ضرائب مقنعة على كافة الشعب اللبناني، وهنا توضع علامات استفهام حول العدالة الاجتماعية وإنصاف القطاع العام دون الخاص، ونكون دخلنا في دوامة جديدة».

مصرف لبنان

وعن تقييمه لأداء الحاكم بالإنابة سليم منصوري، يؤكد أبو سليمان أنه ليس في موقع تقييم أو إعطاء رأي بأي شخص «لكن سياسة نشر الأرقام جيدة، وهذا ما يحصل في الأوضاع الطبيعية. المطلوب من منصوري عدم الخضوع للسطلة التشريعية بموضوع إقراض الدولة أو إعطاء الحكومة أموالاً غير موجودة لديه. كذلك نتمنى عليه تفعيل لجنة الرقابة على المصارف لتحقيق نوع من الإنصاف للمودعين في ظل السياسات المعتمدة حالياً».


MISS 3