رفيق خوري

"الممانعة" المعاكسة و"التكفير الوطني"

22 تموز 2020

02 : 00

العيش قبل التفلسف، يقول المثل الفرنسي. ولا أولوية في الواقع، تتقدم على إخراج لبنان من هاوية الأزمات النقدية والمالية والاقتصادية، وضمان الحد الأدنى من شروط العيش للبنانيين. ولا مخرج من دون خطوات ملحة وعاجلة على مسارين متلازمين: مسار الاصلاح المالي والإداري والسياسي. ومسار "النأي بالنفس" الفعلي عن صراعات المحاور الاقليمية والدولية، لا فقط في موقف السلطة المعلن بل ايضاً في تركيبة السلطة. وهذا ما صار من الثوابت عند الذين نطلب مساعدتهم ويريدون مساعدتنا. وهم قادرون.

لكن الخائفين من المسارين على مصالحهم ونفوذهم وما سطوا عليه من المال العام والخاص، والقلقين على المشروع الاقليمي الذي يعملون له، يمنعون الانطلاق على المسارين. وما نراه ونسمعه هو تجاهل معاناة اللبنانيين والغرق في جدل جيوسياسي واستراتيجي ودعوات الى التوجه نحو خرائط فقيرة ومزروعة بالألغام او نحو "شرق" مفيد لكنه ليس بديلاً من العرب والغرب.

ذلك ان الطريق الى حياد لبنان على الطريقة السويسرية طويل ومملوء بالعقبات ان لم يكن مسدوداً. وهذا ما يعرفه الملتفون حول دعوة البطريرك بشارة الراعي والمعترضون عليها في الأوساط الشيعية وأوساط المتحالفين مع " الثنائي الشيعي". والطريق الى نجاح المشروع الايراني في العراق وسوريا ولبنان واليمن طويل ايضاً ومتشعب وكثير الأعداء الأقوياء ومهدد بالقطع من البداية او الوسط. وهذا ما تعرفه طهران وميليشياتها برغم المكابرة، وما يراه كل من يتحدث عن صفقة اميركية - روسية في سوريا. لكن الطريق صار قصيراً جداً الى إعلان لبنان "دولة فاشلة". وهذا ما يجب ان يشغل الجميع للحؤول دون حصوله.

ولا فائدة من سلاح "التكفير الوطني" الذي يستخدمه أصحاب مناصب في السلطة ضد المعارضين، وكان ولا يزال صاحب السلطة يستخدمه ضد من يرفض "خصخصة" الدفاع عن لبنان ويطالب باستراتيجية دفاعية. فليس من حق اي طرف او حزب احتكار العداء لاسرائيل، ولا تحميل لبنان مسؤوليات أكبر منه. والكل يعرف ماذا فعلت بالعرب معادلة الأنظمة القائلة: كن ضد اسرائيل وافعل ما تشاء. من الظلم والقهر والفقر والديكتاتوريات والحروب الداخلية الى تسلط اسرائيل وايران وتركيا على الارض العربية. فكيف اذا كان لسلاح المقاومة الاسلامية ضد اسرائيل، الى جانب المقاومة بالردع، دور في المشروع الاقليمي الايراني الذي عنوانه "محور الممانعة والمقاومة"؟ وكيف اذا لم يرافق المقاومة وتحرير الارض مشروع نهوض وطني وتحرر المواطن؟

لا شيء تكراراً، يتقدم حالياً على إنقاذ لبنان. وليس مشروع الحياد، سواء تحقق او لا، سوى نسخة من "الممانعة" المعاكسة لضم لبنان الى "محور الممانعة والمقاومة".