سناء الجاك

ليالي الأنس من الضاحية إلى الرابية

9 آذار 2024

02 : 00

لا تصعب قراءة أسباب زيارة وفد من «حزب الله» إلى الرئيس السابق ميشال عون، لا سيما بعد ظهور بوادر توحيد الساحة المسيحية في لبنان ضده، اعتراضاً على فتح جبهة الجنوب وربط مصير اللبنانيين بحرب غزة. من هنا كانت الزيارة التي استرجعت «زمان الوصل»، بهدف تعويم شراكة استمرت 18 عاماً، وأعطت «الحزب» ما يحتاجه ليتمكن من مصادرة سيادة لبنان ورهنها لمصالح رأس محوره الإيراني، وذلك مقابل حصول الجنرال وصهره على ما يشاءان ويتمنيان من خيرات السلطة والنفوذ في الجمهورية اللبنانية. لذا كان لا بد من إعادة مد الجسور وردم فجوة تردي العلاقات، واطلاع «التيار» على «تفاصيل الأوضاع الميدانية الدقيقة والموضوعية، بعيداً عما يتم من تراشق من هنا وهناك»، وتحديداً بعدما لوّح رئيس «التيار الوطني الحرّ» جبران باسيل باستعداده لركوب موجة «المزاج المسيحي»، وإن ضمن معادلة «مع، ولكن»، لحفظ طريق الرجعة. وفي هذا الإطار، جاءت الزيارة لبعث «الطمأنينة والسكينة في نفوس اللبنانيين على اختلاف مناطقهم وطوائفهم، نظراً لتاريخ التعايش والشراكة الحقيقية التي نعيشها في ما بيننا في مقاربة القضايا الوطنية»، ما يؤكد أنّ الهدف منها هو سعي لاستعادة الشريك المسيحي الذي يؤمن له غطاءً بمواجهة اللبنانيين الرافضين مواصلته انتهاك الكيان اللبناني، لذا كان لا بد من «سؤال الخاطر»، وإن في الشكل مع استمرار المضمون لجهة مواصلة تخريب لبنان خدمة لرأس المحور الإيراني ومصلحته العليا.

وهذا ما تكرسه التسريبات عن أنّ «المقاومة لم تستخدم أكثر من 10 في المئة من قدراتها»، مقرونة بما نقل عن الرئيس السابق ميشال عون لجهة اطمئنانه وارتياحه لمجريات الوضع في الجنوب وطريقة إدارة «الحزب» للمعركة. أما التكرار بأنّ «الحزب» يفصل ما بين تطورات الجبهة من جهة، والملف الرئاسي ومجريات الوضع الداخلي، فهو حشو لغوي لا أساس له على أرض الواقع. وكأنّ الهدف الوحيد للزيارة هو تذكير عون وصهره الغالي بأنّ تطورات الساحة اللبنانية تؤكد حاجة كلا الطرفين إلى هذه الشراكة. بالتالي، يفترض أن تتجاوز العلاقة بينهما كل الخلافات على الملفات الداخلية والخارجية، إن لجهة الاستيلاء على استحقاق انتخاب رئيس للجمهورية، والسماح بانتهاك حقوق الموقع المسيحي الأول من خلال إطلاق يد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، أو لجهة كيفية مقاربة الحرب على قطاع غزة، والوضع على الجبهة الجنوبية، والاستئثار بقرار الحرب والسلم ورهن مصير اللبنانيين لجبهة مفتوحة ونسف القرار 1701. فكل ما سبق ذكره، يبقى تفاصيل تافهة ليس من شأنها أن تفسد الود والوصل واللقاء الإيجابي الذي يعزز «الوحدة الوطنية»، وكأنّ «الحزب» بزيارته هذه لبى دعوة باسيل فسارع إلى «تحصين نفسه في الداخل قبل أن يحصّن جبهته الخارجية»، وأدرك أنّ «هناك شعباً، ليستطيع التضامن معه، يجب أن يكون حياً وليس مكسوراً ومهدداً كل يوم بلقمة عيشه».

وعليه، حصل اللقاء ليس ليمسح هموم هذا الشعب، ويرفع عنه التهديد بلقمة عيشه، ولكن ليستكمل نقاط تقارب تعيد للصهر الغالي نفوذه وتمنحه ما يريد «ضمن المقدور عليه»، شرط الالتزام بأجندة «الحزب» لمصادرة السيادة. فالمهم استمرار الشراكة بتعويم تفاهم «مار مخايل» لما هو في مصلحة الطرفين، وليس لمواجهة الانهيار الاقتصادي وانقراض أسس وجود لبنان واستمرار نهب مقدّرات الدولة ومنع المساءلة والمحاسبة، وبإجرام متواصل عن سابق تصور وتصميم... فإذا شبع باسيل وتبددت هواجسه، يجب أن يشبع اللبنانيون ويتوقفوا عن «النق» والاعتراض، ويرضخوا لكل ما يجسد مناعة المحور الممانع، ويتابعوا السهر على ضوء شموع ليالي الأنس الموعودة من الضاحية إلى الرابية.

MISS 3