يصحّ القول في حضرة النائب العام التمييزي، وفق أحد الحقوقيين المخضرمين، إنّ «كل جديد له رهجة... والأيام كفيلة بإيضاح ما إذا كان سيتلقّف «كرة النار» بحزم ليعيد «العدالة» إلى قصورها، أم أنّ «التسوية» التي مهّدت لتكليفه بهذا الموقع المرموق، تحمل في طيّاتها اجتهادات قانونية تبعده قدر الإمكان عن الحسم في مقاربة الملفات الحسّاسة وأبرزها المرتبط بملف المرفأ «المتفجّر»؟!. ويندرج هذا التوصيف بعد انقضاء أسبوعين على تكليف القاضي جمال الحجار بمهمات النائب العام التمييزي خلفاً للقاضي غسان عويدات. أسبوعان كانا كفيلين بإعادة الحديث عن إمكانية استئناف المحقق العدلي في قضية 4 آب القاضي طارق البيطار عمله، عقب لقائهما أول من أمس (الخميس)؛ قبل أن تضع أوساط حقوقيّة مطلعة اللقاء في الإطار الروتيني بين أركان العدليّة، على غرار اللقاء الذي جمع أمس (الجمعة) المدعي العام التمييزي بالنائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون، بعد أن سبق واتّخذ قرار صرفها من القضاء قبل أشهر معدودة.
وإذ أحيط لقاء «الحجار – البيطار» بالسرّيّة المرافقة للإجراءات التي يمكن اعتمادها لإعادة التحقيق العدلي إلى العدليّة وإبعاده عن «الشخصنة والتسييس» اللذين طغيا على الإجراءات التي اتّخذها القاضي عويدات؛ علمت «نداء الوطن» أنّ لقاء الحجار – عون أكّد أنّ القرارات التي يصدرها النائب العام التمييزي، ومنها تلك المرتبطة بـ»البحث والتحري» التي سجّلت القاضية عون اعتراضاً إعلامياً عليها، لا تهدف إلى «تقييد» النواب العامين والمحامين العامين بقدر ما تهدف إلى الحدّ من التعارض بين التعاميم التي يصدرها النائب العام إلى المحامين المعاونين له في دائرته، وتلك التي تعمّمها النيابة العامة التمييزية على جميع الدوائر، بما يترك للنواب والمحامين العامين صلاحية تعميم قرارات «البحث والتحري» من دون المرور بالتمييزية. ونُقل أنّ القاضية عون أبدت ارتياحها الى تعاون القاضي الحجار عقب اجتماعهما وتطرّقهما إلى بعض الملفّات الشائكة من بينها تلك المرتبطة بالمصارف.
أما لجهة لقاء الحجار – البيطار، فتردّد أنّ النائب العام التمييزي متمرّس في إصدار القرارات والأحكام بعد التمحيص الدقيق في حيثياتها، ولا يهوى مقاربة الملفات والإجراءات التي يمكن اعتمادها في القضايا الصغيرة قبل الكبيرة ما لم تسلك مسارها القانوني إليه. ويلفت عارفوه إلى أنّ العِبرة تبقى في القرارات التي سيقدم على اتّخاذها وليس ما يُنقل من نوايا إيجابيّة تصبّ في خانة إرضاء هذا الطرف أو ذاك. وفي السياق، توضح أوساط حقوقية متابعة، أنّ دور النيابة العامة التمييزية والقاضي جمال الحجار في قضية 4 آب، متشعّب، ولا يقتصر فقط على إبداء التعاون مع شخص المحقق العدلي القاضي طارق البيطار؛ بل يمكن أن يبدأ من إعادة النظر في الأخطاء التي ارتكبت في دائرته وليس آخرها استرداد مذكرات التوقيف الغيابية الصادرة عن المحقق العدلي في حق الوزيرين السابقين يوسف فنيانوس وعلي حسن خليل؛ وذلك من خلال الطلب من الضابطة العدلية اعتبار قراري القاضيين صبوح سليمان وعماد قبلان، وبعض القرارات التي اتّخذها القاضي غسان عويدات وأدّت إلى الإفراج عن الموقوفين في ملفّ يضع المحقق العدلي يده عليه، بحكم غير الموجودة، باعتبار أنّها صدرت عن أشخاص غير ذوي صلاحيّة وصفة قانونية، وسط التذكير بأنّ القرارات التي اتّخذها القاضي عويدات أتت من قاضٍ سبق له وتنحّى عن الملف لوجود قرابة عائليّة مع أحد المدّعى عليهم (النائب غازي زعيتر).
كرة النار
ووسط التشديد على أنّ ملف تفجير المرفأ مع ما يحمل من ارتباط وثيق بقوى سياسيّة فاعلة يعدّ بمثابة «كرة نار» تتطلّب فدائياً يلاقي المحقق العدلي طارق البيطار في تلقّف وهجها الحارق، تساءلت جهات حقوقية متابعة ما إذا كان النائب العام التمييزي في صدد أخذ «كرة النار» هذه بصدره والتشدّد في تأمين ظروف إعادة الانتظام إلى هذا الملف داخل العدليّة، أم أنه سيعمد إلى تسيير الأمور بحدّها الأدنى والسير بين «الألغام» المزروعة في طريقه، والتي تربط استئناف المحقق العدلي عمله باجتماع الهيئة العامة لمحكمة التمييز وبتّ طلبات ردّ المحقق العدلي، الأمر المستبعد حصوله خلال السنتين المتبقّيتين للمدعي العام التمييزي في القضاء قبل إحالته على التقاعد. ولعلّ من المناسب التذكير بأنّ المحقق العدلي طارق البيطار بعد أن ارتكز على دراسة قانونية خوّلته في 23 كانون الثاني 2023، استئناف عمله بعد انتظار الهيئة العامة لمحكمة التمييز 13 شهراً للاجتماع وبتّ المراجعات المرفوعة في وجهه، علّق في 6 شباط 2023 عمله من جديد، وأجّل جلسات الاستجواب التي حدّدها، وقال حينها: «هناك دعاوى ضدي باغتصاب السلطة يجب حلّها وإجراء تحقيق بشأنها، فإذا ثبت أنني مغتصب للسلطة يجب أن أحاسب، وإذا ثبت العكس يجب استكمال التحقيق». وإذ قصد البيطار حينها الدعوى التي رفعها النائب العام التمييزي غسان عويدات عليه في 24 كانون الثاني 2023، بجرم «انتحال صفة محقق عدلي»، فإنّ الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف القاضي حبيب رزق الله المُكلّف الاستماع أو التحقيق مع البيطار، سبق له أن أصدر قراراً طالب بموجبه القاضي عويدات بتصحيح الادّعاء على المحقق العدلي وإسناده إلى نصّ قانوني يتيح كفّ يد المحقق العدلي عن عمله. وعلى الرغم من أنّ استئناف عويدات القرار أتى أمام هيئة اتّهامية لم تشكّل بعد، تلفت أوساط متابعة إلى أنّ إمكانية استئناف البيطار عمله بعد بتّ شكوى النيابة العامة (القاضي عويدات) تعود له وحده، بالتوازي مع تقدّم الحديث عن سلسلة طلبات يتحضّر فريق الادّعاء عن أهالي الشهداء والضحايا إلى التقدّم بها لـ»فكّ أسر» التحقيق، إلّا أنها تصطدم بتعارض الآراء حول المسار المطلوب اعتماده، وتحديداً لجهة إمكانية الطعن في القرارات التي أصدرتها النيابة العامة، أو التروّي وحضّ النائب العام التمييزي على التعاون مع المحقق العدلي حيث يمكن أن تبرز أول معالم هذا التعاون من خلال استرداد قرار منع السفر المقيّد لتحرّكات القاضي البيطار، وإسقاط القرارات الشخصية التي سبق أن اتّخذها عويدات.