نيكولا بورسييه وأنجيل بيار

مظاهر الأسلمة تجتاح المدارس الحكومية في تركيا

9 آذار 2024

المصدر: Le Monde

02 : 00

طالبات خلال عرض بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية - اسطنبول 29 تشرين الاول 2023

لجأ أهالي الطلاب، والمعلمون، وسكان الحي، إلى الوقفات الاحتجاجية اليومية، والتظاهرات، والدعاوى القضائية التي فازوا بها أحياناً، لكن بلا جدوى! تحوّلت مدرسة «إسماعيل تارمان» الحكومية، على الطرف الأوروبي من اسطنبول، إلى مؤسسة دينية مع مرور الوقت. إنها واحدة من المؤسسات المُصمّمة لتدريب الدعاة والأئمة في إطار مدارس «الإمام خطيب» المعروفة في تركيا. بدأ البلد كلّه يشهد انتشار هذا النوع من المدارس بدعمٍ من الحكومة الإسلامية المحافِظة في أنقرة. يوم الإثنين 19 شباط، تجمّع حوالى 15 محتجاً مجدداً أمام مدخل المدرسة وهم يحملون لافتة قديمة لدرجة أن تصبح شبه صفراء وكُتِب عليها: «نريد استرجاع مدرستنا!».

مرّت أكثر من 7 سنوات على بدء هذه التحرّكات. عَلِمت مجموعة من العائلات في ربيع العام 2016، أن وزير التربية في أنقرة قرّر تغيير طبيعة تلك المؤسسة التي كانت معروفة بمستواها التعليمي العالي. سرعان ما اكتشفوا أن ثلاث مدارس مجاورة في تلك المنطقة من «بشكتاش» المعروفة بعلمانيتها وانفتاحها على العالم تواجه الوضع نفسه.

جيل متديّن

أمام هذا الوضع، تحرّكت أكثر من 950 عائلة على صلة بـ1140 تلميذاً في مدرسة «إسماعيل تارمان» للاعتراض على ما يحصل. انضمّ إلى التحرك أيضاً سكان الحي، بمن في ذلك أشخاص ليس لديهم أولاد. توضح بنغو دوغان، أم مراهِق وناشطة منذ بداية الاحتجاجات: «هذا التحرّك أوقف طموحات السلطات بدرجة معيّنة، فهي احتاجت إلى سنة كاملة قبل أن تغيّر مدير المدرسة، ثم فرضت عدم اختلاط الجنسَين في الصفوف وأطلقت حصصاً دينية بدءاً بالصف السادس قبل أن تضيفها إلى الصفوف العليا على مرّ السنين».

اليوم، يقصد أقل من 500 طالب تلك المدرسة. تبقى بعض القاعات فارغة، وقد حُذِفت بعض النشاطات أيضاً. قصد معظم طلاب مدرسة «إسماعيل تارمان» مدارس حكومية أخرى تقع على مسافة أبعد من المنطقة، أو فضّل الأكثر ثراءً إدخال أولادهم إلى المدارس الخاصة. تقول فرح كوبان أوغلو التي تشارك في التحركات الأسبوعية أمام مدرسة ابنتها السابقة: «لقد اضطررنا لإيجاد مدارس أخرى حيث يشمل كل صف أكثر من أربعين تلميذاً. أنا لستُ ضد مبدأ «الإمام خطيب»، لكن يعرف الجميع أن هذا النموذج يُخفّض المستوى التعليمي العام لأنه يحذف حصص العلوم والأدب ويُركّز على تعليم القرآن وحياة النبي محمد. ترفض الغالبية الساحقة من الأهالي تسجيل الأولاد هناك».


اردوغان مع طالب يقرأ القرآن في مدرسة رجب طيب اردوغان الامام الخطيب في اسطنبول - ايلول 2017


في العامين 2018 و2019، أمرت محكمة إدارية في اسطنبول المسؤولين في مدرسة «إسماعيل تارمان» بالعودة إلى مواصفاتها الأصلية، لكن لم تُطبَّق هذه القرارات يوماً. عندما حضر وفد إلى وزارة التربية في أنقرة، في العام 2020، للتأكد من تنفيذ الأحكام الصادرة بحق المدرسة، أجرى مسؤول رفيع المستوى اتصالاً مع مديرها لمطالبته بتنفيذ تلك القرارات. في اليوم نفسه، عَلِم أهالي الطلاب أن ذلك المسؤول أُقيل من منصبه أثناء عودتهم إلى اسطنبول بالحافلة.

تعكس قضية مدرسة «إسماعيل تارمان» قوة السلطات الإسلامية المحافِظة في تركيا وقدرتها على «تسهيل إنشاء جيل متديّن»، انطلاقاً من الصيغة المعتمدة منذ أكثر من 10 سنوات بدعمٍ من رجب طيب أردوغان الذي كان تلميذاً قديماً في إحدى مدارس «الإمام خطيب». على مرّ القرن الماضي، كانت هذه المؤسسات مصدراً للمشكلات والخلافات بين داعمي قواعد العلمانية التي ترسّخت في البلد عند تأسيس الجمهورية في العام 1923 والأوساط الدينية التي تدعم الإسلام السياسي. خلال الثلاثينات والأربعينات، أصبح الدين حكراً على حصص تعليم القرآن.

في العام 1949، حين كان حزب داعم لمبادئ أتاتورك يحكم البلد، اقتصر عدد من يحملون الشهادات لتعليم مبادئ مدرسة «الإمام خطيب» على 50 شخصاً. لكن بدأ عدد المدارس التي تُعلّم هذا المنهج بالتوازي مع التعاليم العلمانية يرتفع خلال العقود اللاحقة. على عكس مدارس تعليم القرآن، كانت هذه المؤسسات تُعلّم المواد العامة أيضاً، ما سمح للطلاب بتعلّم مواد مختلفة عن الدين بدءاً بفترة الثمانينات.

على المستوى الرسمي، تُعتبر هذه الثورة البطيئة والتدريجية في قطاع التعليم في تركيا انعكاساً لمطالبات الشعب. سمحت الحكومات المحافِظة بدرجة معيّنة بإحداث التعديلات وسهّلت التنقل بين مختلف المناهج قبل أن تتسارع هذه النزعة بوتيرة فائقة خلال السنوات الأخيرة. في العام 2002، تزامناً مع وصول «حزب العدالة والتنمية» إلى السلطة وبدء عهد رجب طيب أردوغان، كان البلد يشمل 450 مؤسسة تابعة لمدارس «الإمام خطيب». لكن يصل هذا العدد اليوم إلى 5147، ما يعني أنه ارتفع بإحدى عشرة مرة.

تقول محامية أهالي الطلاب، أرزو بيجيريك: «نحن نواجه شكلاً من الضغوط العامة، وهي تزداد قوة مع مرور الوقت. بدأت نقطة التحوّل الحقيقية في العام 2012، حين أطلق «حزب العدالة والتنمية» إصلاحات كبرى في المدارس. في تلك السنة، كان أردوغان رئيس الحكومة، فأطلق سلسلة من التحرّكات لصالح مدارس «الإمام خطيب» وأشاد بمنافعها في النظام التعليمي. وبعد فشل الانقلاب في العام 2016 وتحالف الدولة مع اليمين القومي المتطرف لاحقاً، تسارعت التطوّرات في هذا المجال. كانت الأحداث لتتسارع بوتيرة متزايدة لو لم تتحرّك العائلات».

في وجه هذه المعارضة، استعملت السلطات أدوات أخرى، فعيّنت مستشارين «روحيين» في كلّ المؤسسات التعليمية. سرعان ما ترسّخت مكانة المديرين والمسؤولين عبر مقابلات فردية من تنظيم الوزارة. حاول يوسف تكين، الخبير المخضرم في «حزب العدالة والتنمية» ووزير التربية الحالي، أن يقترح فكرة الفصل بين الجنسَين في المؤسسات العامة مراراً. حتى أنه قال في الفترة الأخيرة: «يمكن فتح مدارس خاصة بالفتيات».

في نيسان 2023، سمح بروتوكول مشترك بين مؤسسات التعليم الوطني ومديرية الشؤون الدينية بتحديد الخطوط العريضة لمشروع يهدف إلى تدريب طلاب المدارس والجامعات على «القيم الوطنية والروحية والمبادئ الأخلاقية والإنسانية». كانت هذه الخطوة تهدف إلى تسهيل دخول الأئمة والدعاة إلى المؤسسات العامة.

تدهور نوعية التعليم

تقول فيراي أيدوغان، معلّمة منتسبة إلى نقابة موظفي التربية والتعليم: «يجب أن يتذكر الجميع أن العسكريين هم الذين فرضوا حصص الدين الإلزامية، بعد الانقلاب في العام 1980. لكن زادت أهمية هذا التعليم منذ فرض الإصلاحات في العام 2012. نجحت السلطات في إدخال موظفيها إلى المدارس الحكومية وتغيرت في الوقت نفسه مواصفات المعلّمين. ثم تحوّلت معظم الدروس الأسبوعية الاختيارية إلى حصص دينية، لا سيما في المدارس البعيدة وتلك التي تتراجع فيها الموارد التربوية». يوافقها الرأي مصطفى سين، عالِم اجتماع وأستاذ في جامعة الشرق الأوسط التقنية، في أنقرة، فيقول: «بدأ محتوى الحصص يزداد تديّناً، حتى أنه اتّخذ منحىً متعصباً. تستمرّ هذه النزعة من دون مراعاة مبدأ العلمانية، وقد تدهورت نوعية التعليم في مختلف الاختصاصات».

في كانون الأول 2023، وجّه وزير التربية رسالة إلى المؤسسات الخاصة وأعلن فيها منع الاحتفال بأعياد الميلاد والفصح والهالووين باعتبارها «نشاطات تتعارض مع القيم الوطنية والثقافية».

MISS 3