لين أودونيل

"طالبان" تريد جزءاً من باكستان

13 آذار 2024

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

معبر تورخام الحدودي بين أفغانستان وباكستان | 15 كانون الثاني ٢٠٢٤

كادت حملة إعادة انتخاب محسن دوار في البرلمان الباكستاني تتوقف قبل أن تبدأ في بداية كانون الثاني، حين وقع موكبه في كمين شائك في بلدة تقع على بُعد دقائق من منزله في ميران شاه، في منطقة شمال وزيرستان، بالقرب من المناطق الحدودية الخارجة عن القانون مع أفغانستان. عندما تعرضت سيارته للهجوم على يد عناصر مدججة بأسلحة آلية، وبنادق قنص، وقذائف صاروخية، وصل هو وفريقه إلى مُجمّع حيث وعده السكان بحمايتهم. لقد وقعوا في فخ مُحكَم. بعد إغلاق البوابات وراء دوار، اشتدّ الهجوم. بقي دوار ومرافقوه في مكانهم طوال ساعة تقريباً. وصل عناصر من الشرطة والجيش الباكستاني أخيراً بعد إصابة عنصرَين من فريق دوار بطلقات نارية.

أصبحت هذه البلدة مجدداً ساحة معركة لما يسمّيه دوار «مشروع طالبان»: إنها حرب ضد الدولة الباكستانية.

بدأت طموحات «طالبان» العابرة للحدود تُهدد الأمن خارج أفغانستان، ويتّضح هذا التهديد في شمال غرب باكستان، حيث بدأ وجود المسلّحين يتوسّع منذ عودة هذه الحركة إلى السلطة في آب 2021. نتيجةً لذلك، زادت الاعتداءات ضد المدنيين، والجنود، والشرطة. كذلك، تعجّ المنطقة بنقاط التفتيش والقواعد العسكرية في أعلى التلال، وتشهد دوريات مكثفة براً وجواً من جانب الجيش الباكستاني وشرطة الحدود المسلّحة.

تعود جذور التطرف والإرهاب في وزيرستان إلى الحقبة الاستعمارية، حين اعتُبِر السكان المنتمون في معظمهم إلى جماعة البشتون من المقاتلين الشجعان الذين استُعملوا خدمةً للبريطانيين. استمر النمط نفسه في المراحل اللاحقة، فأصبحت المنطقة مركزاً لتجنيد الشبان وتدريبهم على محاربة السوفيات بعد غزو موسكو لأفغانستان في العام 1979.

وبعدما قادت الولايات المتحدة عملية غزو أفغانستان في العام 2001 رداً على هجوم 11 أيلول، انتقل قادة «طالبان» و»القاعدة» إلى ما وراء الحدود واستفادوا خلال 20 سنة من حماية وكالة الاستخبارات الباكستانية.

أرادت هذه الوكالة أن تكبح أفغانستان بقيادة «طالبان» طموحات عدوتها اللدودة، الهند، بالتحول إلى قوة إقليمية طاغية. لكن حملت «طالبان» أفكاراً مختلفة. ألهمت عودة الحركة إلى السلطة مجموعات تحمل العقلية نفسها عالمياً، فتحوّل النظام المتطرف إلى ملجأ آمن لعشرات الجماعات المسلّحة، وفق مصادر مجلس الأمن في الأمم المتحدة. في الوقت الراهن، تستعمل تلك الجماعات أفغانستان علناً كقاعدة لتدريب المقاتلين الراغبين في إسقاط الحكومات، بدءاً من الصين وطاجيكستان وصولاً إلى إيران وإسرائيل. كانت «حركة طالبان باكستان» واحدة من تلك الجماعات، ويعتبرها النائب الباكستاني السابق أفراسياب خطاك، الذي أصبح محللاً سياسياً اليوم، «مرادفة لطالبان ولا فرق بينهما».

في وقتٍ سابق من هذا الشهر، كررت «طالبان» موقفها حول الحدود الدولية بين أفغانستان وباكستان حين قال وزير الخارجية شير محمد عباس ستانيكزاي، إن الحكومة لا تعترف بخط ديورند الذي يفصل البلدين منذ العام 1893. يمرّ هذا الخط بالمناطق القبلية ويفصل بين جماعات البشتون العرقية وأبناء قبائل البلوش. غالباً ما كانت الاضطرابات الثنائية الأخيرة تتركز في المناطق الحدودية، وقد أثّرت عمليات الإغلاق المتبادلة على التجارة العابرة للحدود.

أدلى ستانيكزاي بتعليقات اعتبرها وزير الخارجية الباكستاني لاحقاً «غير واقعية» و»تخدم المصالح الشخصية»، وهي تشدد على العدائية المتزايدة بين باكستان و»طالبان»، فقال ستانيكزاي: «لم يسبق أن اعترفنا بخط ديورند ولن نعترف به يوماً. اليوم، لا تزال نصف مناطق أفغانستان منفصلة وهي تقع على الجانب الآخر من خط ديورند. إنه الخط الذي رسمه الإنكليز على قلب الأفغان».

ذكر مجلس الأمن في العام 2022 أن «حركة طالبان باكستان» كانت تشمل حتى 5500 مقاتل في أفغانستان. ارتفع ذلك العدد على الأرجح برأي دوار، إذ يعجز البلدان الغارقان في الأزمات وسوء الإدارة الاقتصادية عن تقديم سبل عيش بديلة للشبان. يظن دوار أن الانتصار أنتج القوة، وأن «طالبان» تستطيع أن تستميل الشبان لأن المال والنفوذ هما أكثر ما يجذب هذه الفئة من الناس.

يُهدد هذا الصراع المتفاقم بإعادة شمال غرب باكستان إلى الأرض القاحلة التي كانت قائمة منذ أقل من 10 سنوات، حين كانت «حركة طالبان باكستان» تسيطر على المنطقة: كان المنشقون يتعرضون للقتل دوماً. حوّل الإرهابيون المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية، التي أصبحت الآن جزءاً من إقليم «خيبر بختونخوا» بعد عملية دمج إدارية في العام 2018، إلى منطقة موت. تهجّر ملايين الناس لأن من استطاعوا الرحيل هربوا بحثاً عن السلام والأمان.

في المقابل، عاش كل من بقي في المنطقة في حالة من الخوف والفقر إلى أن تحرّك الجيش أخيراً في العام 2016 وأنهى حُكم «حركة طالبان باكستان» الذي امتد على 10 سنوات عبر قتل عناصرها بكل بساطة خلال اعتداءات أسفرت عن مقتل المدنيين في معظم الأوقات، أو عبر دفعهم نحو الحدود المتفلتة في اتجاه أفغانستان، حيث انضموا إلى قوات «طالبان» لمحاربة الجمهورية المدعومة من الولايات المتحدة حتى انهيارها في العام 2021.

تريد «حركة طالبان باكستان» أن تنشأ دولة مستقلة في تلك المناطق الحدودية. هي اخترقت اتفاق وقف إطلاق النار مع الحكومة في تشرين الثاني 2022، وطالبت بالتراجع عن قرار دمج المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية مع إقليم «خيبر بختونخوا». في غضون ذلك، زادت الاعتداءات ضد الجيش والشرطة بدرجة مقلقة، فباتت تطرح ما اعتبره مسؤول حكومي بارز «تهديداً وجودياً على الدولة وعامة الناس أيضاً». إنه اعتراف آخر بأن «مشروع طالبان» الذي تكلّم عنه دوار لا يجازف ببلوغ الشمال الغربي فحسب، بل إنه قد يطرح تهديداً محتملاً على الدولة الهشة ما لم يتم احتواؤه بالشكل المناسب.

لكن لا يوافقه الرأي رئيس الوزراء الباكستاني الموَقت أنور الحق كاكار، فهو صرّح أمام الصحافيين، قبل انتخابات 8 شباط، بأن الجيش يفرض سيطرته في المنطقة من الناحية العددية فقط. ثم أضاف قائلاً: «لا أظن أنهم يطرحون تهديداً وجودياً على دولة باكستان، مع أن نشاطاتهم تشكّل تحدياً كبيراً لا يمكن معالجته على الأرجح قبل سنوات».

قد يكون كاكار محقاً. بعد فشل محادثات السلام، التي لعب فيها وزير الخارجية في حكومة «طالبان» سراج الدين حقاني المُدْرَج على لائحة الأمم المتحدة للإرهاب، دور الوساطة، كثّفت باكستان ضغوطها على «حركة طالبان باكستان». يظن أسفنديار مير، خبير في الشؤون السياسية والأمنية في جنوب آسيا، أن تلك الخطوة أحدثت فرقاً «هامشياً» على ما يبدو.

يوضح مير: «لم يقع أي هجوم معقّد أو انتحاري على يد «حركة طالبان باكستان» مثلاً أو أحد فروعها منذ شهرَين. يبدو أن «طالبان» تتأثر بالضغوط إذاً، مع أن الاعتداءات المحصورة ومظاهر استنزاف سلطة الدولة الباكستانية في أجزاء من الشمال الغربي لا تزال مستمرة. قد تتغير الظروف طبعاً بعد تشكيل حكومة جديدة وقد تعيد درجة من الاستقرار إلى المشهد السياسي».

بدأ سكان وزيرستان يعطون الأولوية مجدداً للسلام، فهم يتخبطون لتجاوز مشكلات البطالة، وغياب التنمية، وإهمال الحكومة لأبسط الخدمات مثل الطرقات، والكهرباء، والمياه النظيفة، والتعليم، فضلاً عن تراجع العمليات التجارية الأساسية عبر الحدود مع أفغانستان. يوضح المحلل السياسي أفراسياب خطاك: «انطلاقاً من تجربة الحرب المريرة والمدمرة، استنتج السكان المحليون المعنى الحقيقي لعودة «طالبان». تخوض المؤسسة الأمنية لعبة خطرة، فهي تتساهل مع «حركة طالبان باكستان» كي يصبح السكان المحليون يائسين لدرجة أن يرغبوا في حضور الجيش لمساعدتهم».

نظّم مئات آلاف الناس مسيرات في شوارع وأسواق شمال وزيرستان وجنوبها خلال السنة الماضية للمطالبة بالتحرك ضد الإرهاب وإنهاء عنف الدولة. لكن لا تزال هذه المشكلات قائمة. قال رجل في الثلاثينات من عمره إن أحداً ليس آمناً والجميع بات مستهدفاً، ثم راح يُعدّد لائحة بالضحايا المحتملين: السياسيون، رجال الأعمال، المعلّمون، الأطباء، الصحافيون، الناشطون المدنيون، المدافعون عن حقوق المرأة وكل من يُعتبر «غير إسلامي». وحتى أن الحلاقين ليسوا بمنأى عن مخاطر المتطرفين الذين يمنعون الرجال من حَلْق لحيتهم. في اليوم الذي سبق الهجوم على موكب دوار في 3 كانون الثاني، وُجِدت جثث 6 حلاقين شباب في بلدة مير علي المجاورة.

يتكلم شخص آخر من سكان المنطقة عن حاجز التفتيش التابع لـ»طالبان» على الطريق الواقعة بين ميران شاه وبلدة بانو الصاخبة. يضع شبان مسلحون بشعر طويل وكحل في العيون قبعات مطرزة على رؤوسهم ويقفون خارج مركزهم على جانب الطريق، في ظل مركز للجيش، في أعلى التلة. يقول ذلك الرجل إنهم يوقفون السيارات عشوائياً على مدار الساعة لتفتيش السائقين. الأمر يقتصر على المال والنفوذ برأيه.

لكن يظن عامل حكومي غادر ميران شاه مع عائلته في ذروة النشاطات الإرهابية التي ارتكبتها «حركة طالبان باكستان» أن المسألة تتعلق أيضاً بقتل الناس يومياً. زار هذا الرجل البلدة في بداية شباط وجاء مع زوجته من بيشاور للتصويت لصالح دوار. تهدف هذه العمليات إلى نشر جو من الخوف كي يرحل الناس ويستولي المسلحون على المنطقة.

يقول دوار إن انقلاب «طالبان» على باكستان كان متوقعاً: «تطرح «طالبان» اليوم تهديداً على آسيا الوسطى، وهي تُهدد إيران، وباكستان، وحتى الصين في الوقت الراهن. ظنّ جميعهم أننا نستطيع السيطرة على «طالبان» بعد عودتنا. لكن لم يحصل ذلك».

في العام 2011، حذرت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، قادة باكستان من عجزهم عن إبقاء «الثعابين» في جوارهم (في إشارة إلى «طالبان»)، وتوقعت أن تلدغ تلك الثعابين جيرانها يوماً.

يقول دوار: «في مرحلة سابقة، كان الناس ينتقلون من هنا إلى أفغانستان، لكنهم بدؤوا يعودون الآن ويلدغون المحيطين بهم».

MISS 3