باسمة عطوي

من أين يأتي لبنان بـ18 مليار دولار سنوياً لتمويل إستيراده؟

18 آذار 2024

02 : 00


محمد شمس الدين: الدولارات التي تدخل لبنان قد تتراوح بين 18 و25 مليار دولار سنوياً من المغتربين ومن السياح والصادرات وهناك أموال تهريب المخدّرات والمال السياسي

باسم البواب: أحداث غزة والجنوب تؤدّي دوراً سلبياً إذ تتراجع عائدات السياحة ودخول الدولار والرهان على المغتربين الذين سيأتون خلال عيدَي الفصح والفطر ثم الصيف

عدنان رمال: معظم التداولات الداخلية صارت بالدولار ودولارات التجار تتأمّن من زبائنهم ويتمّ تدويرها للإستيراد شهرياً وفصلياً من جديد من دون اللجوء الى السوق السوداء

هدى علاء الدين: قدّر البنك الدولي إقتصاد الكاش بـ9,9 مليارات دولار أي 45,7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي ولذلك دور محوري في تمويل فاتورة الإستيراد




يجمع المتابعون على أن أرقام استيراد لبنان للسلع الاستهلاكية من الخارج قاربت ما كانت عليه ما قبل الأزمة أي نحو 19 مليار دولار، فيما اللبنانيون غارقون في دوامة الانهيار للعام الخامس على التوالي. صحيح أن لا أرقام دقيقة، وأن المشهد غير مفهوم بسبب انخفاض قيمة رواتب معظم اللبنانيين ونسب التضخم العالية التي تسجّل، لكن هناك ثابتة لا ريب فيها هي أن العجز التجاري الكبير (الفارق بين الاستيراد والتصدير) مستمرّ، نتيجة لعوامل متعدّدة خارجية مثل ارتفاع معدّلات التضخم العالمية والداخلية والتهرّب الضريبي والتهريب عبر الحدود، والاستهلاك الباذخ الذي يمارسه الميسورون والأغنياء الجدد الذين أفرزتهم الأزمة. علماً أن المحللين النفسيين يفسّرون استمرار ارتفاع استهلاك جزء من اللبنانيين على الرغم من مداخيلهم المتواضعة، بأنهم قرّروا العيش لحظة بلحظة، لأنه تبيّن لهم أن الأموال التي ادّخروها ذهبت لغيرهم وصاروا يسألون أنفسهم ما نفع أن ندّخر من جديد.

كلّ ما تقدّم يجعل السؤال عن كيفية تأمين لبنان هذه الدولارات للاستيراد، مشروعاً، خصوصاً أن أرقام البنك الدولي تشير الى أن دخول الدولار الى بلاد الأرز يتمّ من عدة مصادر، أوّلها تحويلات المغتربين والتي تقدّر بـ7 مليارات دولار، تضاف اليها أموال الدعم للمجتمع المدني واللاجئين بنحو ملياري دولار، ما يعني أن هناك مصادر أخرى تغطي حاجة لبنان الى الدولارات الفريش، فما هي؟



محمد شمس الدين



دولارات تدخل عبر الحقائب والجيوب

يجزم الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين لـ»نداء الوطن» أن «أموال المغتربين التي تدخل الى لبنان سنوياً تقارب الـ25 ملياراً وليس 8 مليارات كما يتوقّع البنك الدولي»، موضحاً أن «هذا الأخير يرصد ما يدخل الى لبنان من دولارات عبر المصارف والمؤسسات أي بالطرق الرسمية، في حين أن هناك أموالاً تدخل الى لبنان بالحقائب والجيوب، من مغتربي أفريقيا والخليج وهي غير مرصودة ولا يمكن تحديد رقمها وكميّتها بشكل دقيق. كما يجب احتساب الدولارات التي تدخل عبر الموسم السياحي وهناك أموال تهريب المخدّرات بالإضافة الى دولارات الصادرات الصناعية والزراعية والتي تقدر بـ3 مليارات دولار»، مشدداً على أنه «لا يجب أن ننسى الدولارات التي تدخلها الأحزاب عبر الرواتب والمساعدات لعناصرها ومناصريها (حزب الله على سبيل المثال)، بالإضافة الى جمعيات المجتمع المدني وتجارة المخدرات التي تؤمّن للسوق اللبنانية نحو 2 مليار دولار، وهذا ما يجعل الدولار موجوداً بكثرة في السوق اللبنانية».

ويختم: «لبنان بلد صغير وكل ما يحصل فيه يعرف بسرعة، ولذلك يمكن القول إن ما يدخل الى لبنان بين 18 و25 مليار دولار ولا خوف من شحّ الدولار».



باسم البواب


الحرب عائق

في ميزان الخبراء الاقتصاديين أيضاً، يشير الخبير الاقتصادي الدكتور باسم البواب لـ»نداء الوطن» إلى أنه «يمكن تقسيم مصادر الدولارات التي تغطي كلفة الاستيراد الى عدة جهات، أوّلها تحويلات المغتربين والتي تقدّرها الأرقام الرسمية بـ8 مليارات دولار، و2 مليار مساعدات المؤسسات الدولية و3 مليارات من عائدات التصدير، ونحو مليارين من الكاش الذي يتداوله اللبنانيون في ما بينهم، علماً أن القطاع السياحي (الصيفي والشتوي) يدخل تقريباً نحو 5 مليارات»، مشدداً على أن «هذه الخريطة تنطبق على العام 2023 وليس العام الحالي، حيث تؤدّي أحداث غزة والجنوب اللبناني دوراً في تراجع عائدات السياحة، وتقلّص الاستهلاك وزيادة الجمود في الأسواق. وبالتالي هذا السيناريو لا يمكن ألّا يتحقق في العام الحالي جرّاء الحرب الدائرة والرهان على المغتربين الذين سيزورون لبنان في فترة عيدي الفصح والفطر، الأكيد أن هناك لبنانيين سيزورون لبنان لكنّ عددهم قليل مقارنة مع الموسم الماضي، وعلينا انتظار حزيران لمعرفة وضع الحرب كونها المقياس لمعرفة ما إذا سيُدخل القطاع السياحي أموالاً الى البلد أم لا».

يؤكّد البواب أن «لا شح في الدولارات، بل يدخل الى لبنان بالقدر الذي نحتاجه للاستيراد ولا مشكلة في ذلك، مع الأخذ في الاعتبار أن سحوبات المودعين من المصارف (عبر التعاميم)، تساهم في تأمين الحاجة الداخلية». ويختم: «كما أن جزءاً من الأموال يبقى مخزّناً في المنازل (15 مليار دولار)، ولكنه يستعمل حين تشحّ الأموال الآتية من الخارج».



عدنان رمال



دولارات التجار تتأمّن من الزبائن

يوافق ممثل القطاع التجاري في المجلس الاجتماعي الاقتصادي عدنان رمال على أن تقديرات البنك الدولي حول الأموال التي يرسلها المغتربون الى لبنان سنوياً تقارب نحو7 مليارات ويؤمّن القطاع السياحي نحو 4 مليارات. ويقول لـ»نداء الوطن»: «هناك حركة دولار في البلد، لأنه تمّت دولرة كل الأسعار حتى أنّ موظفي الدولة باتوا يتقاضون رواتبهم بالدولار. وهذا يعني أن هناك دولارات موجودة في السوق الداخلية سواء في القطاعات الاقتصادية لأنها تدولرت، أو بين أيدي المواطنين الذين بات لديهم إنتاج محلّي بالدولار»، موضحاً أن «هناك عدة مصادر ترفد البلد بالدولار، أولها المغتربون وهم الأساس والمنظمات الدولية والحركة السياحية. لكنّ الاستيراد بالدولار لا يتم دفعة واحدة، بل يتم تدوير البضائع في السوق الداخلية، أي أن التجار يستوردون بحجم معين وحين يتمّ بيع بضائعهم يتمّ الاستيراد من جديد»، ويشرح أن «دولارات الاستيراد يتم تدويرها بين 3 و4 مرات في العام بالحد الأدنى، في حين أن هناك سلعاً سريعة البيع والاستهلاك ويتمّ تدوير الأموال اللازمة لاستيرادها شهرياً، وتشمل المواد الغذائية والأدوية والمحروقات أما السلع المعمّرة فيتمّ تدوير أموالها بالحد الأدنى 4 مرات في العام (4 مواسم في العام)».

يلفت رمال الى أن «البنك الدولي يقدّر أرقام الدولارات الآتية عبر قنوات رسمية، وجميعنا يعلم أن قسماً منها يدخل بالحقيبة ومن مصادر متعدّدة. علماً أن الدولارات في بداية الأزمة كانت شحيحة بالنسبة للتجار الذين يريدون استيراد بضائع غير مدعومة وكان يتمّ تأمينها من السوق السوداء»، لافتاً الى أن «الأمور اختلفت حالياً وصار هناك توازن بين العرض والطلب للدولار، ووصلنا لمرحلة أن مصرف لبنان زاد احتياطياته بحدود المليار دولار، ويمكنه دفع التزاماته بالدولار لموظفي القطاع العام (120 مليون دولار شهرياً)».

ويشير الى أن «قرار وزارة الاقتصاد في العام 2023 بدولرة الأسعار حوّل كل التداولات الداخلية للبنانيين بالدولار ما عدا رسوم الدولة وخدماتها. ودولارات التجار تتأمّن من زبائنهم ويتمّ استعمالها للاستيراد من جديد دون اللجوء للسوق السوداء، كل ذلك ساهم في اختفاء أي عائق لتأمين الدولار، وهناك توازن بين العرض والطلب إن لم نقل زيادة في العرض بالدولار»، لافتاً في المقابل «الى أن التجار يواجهون صعوبة بتحويل أموالهم قبل استلام البضائع، علماً أنه قبل الأزمة كانوا يشترون البضاعة بموجب اعتمادات وهو إجراء آمن، أما اليوم فيتمّ تحويل الأموال لشراء البضائع وهذا إجراء يضرّ بالاقتصاد لأنه يفتح باباً للتهرّب الجمركي».



هدى علاء الدين


إستيراد بـ19 ملياراً في 2023

تسجّل الخبيرة الاقتصادية الدكتورة هدى علاء الدين عدة ملاحظات في ما يتعلّق بتأمين الدولار لتلبية عمليات الاستيراد التي تحصل، وتقول لـ»نداءالوطن: «لبنان، الذي يعتمد على الاستيراد لتأمين 80 في المئة من احتياجاته، يشهد ارتفاعاً متواصلاً لفواتير الاستيراد لتصل إلى حوالي 17 مليار دولار سنوياً. وعلى الرغم من تراجع الناتج المحلي الى ما دون 18 مليار دولار، إلا أن الاستهلاك يُظهر نوعاً من التحسّن، وذلك بفضل توافر المصادر لدفع فاتورة الاستيراد»، لافتة الى أنه «مع انهيار القطاع المصرفي اللبناني منذ عام 2019، فقد لبنان المصدر الأساسي لتمويل الاستيراد في البلاد، حيث كان القطاع يؤدّي دوراً رئيسياً في توفير التمويل للشركات والمؤسسات لتغطية احتياجاتها من السلع والخدمات من الخارج. وعليه، أدّى الانهيار إلى تحوّل مصادر التمويل إلى الجهات التي تملك الدولار فقط، بعدما تمّت دولرة الاقتصاد بالكامل. وفي عام 2023 وحده، استورد لبنان أكثر من 19 مليار دولار، أو 109 بالمئة من الناتج المحلي، بحسب بيانات البنك الدولي».

تضيف: «يغطّى جزء كبير من هذه الاحتياجات من خلال تحويلات المغتربين، التي تُعدّ من أهم مصادر التمويل الخارجي، حيث تُقدّر بنحو 7 مليارات دولار سنوياً. وبحسب البنك الدولي، يُصنّف لبنان في المركز الثالث إقليمياً خلف مصر والمغرب. وفي العام 2022، شكّلت التحويلات حوالي 46 في المئة من حجم الاقتصاد النقدي وهي لا تزال حتى اليوم تشكّل النسبة الكبرى من حجم الكتلة النقدية المتداولة في السوق بالدولار»، جازمة بأن «قطاع السياحة يُعدّ من أهمّ القطاعات الاقتصادية في لبنان، حيث يدرّ عليه عائدات تُقدّر بنحو 3 مليارات دولار سنوياً، ويسهم بأكثر من 40 في المئة من الناتج المحلي. ومع شحّ الدولارات لزوم الاستيراد، أصبح الاعتماد على إيرادات قطاع السياحة كمصدر رئيسي ثانٍ لتمويل الاستيراد، خاصة بعد انهيار القطاع المصرفي اللبناني. كما تقدّم المنظمات غير الحكومية مساعدات مالية وإغاثية للبنان، وتساهم بشكل مباشر في سداد جزء من فاتورة الاستيراد».

توضح علاء الدين أن «رفع قيمة الدولار الجمركي، أبرز ظاهرة جديدة في لبنان، تتمثّل في ازدياد اعتماده كمورد مالي سريع لخزينة الدولة، ومصدر أساسي لتمويل الاستيراد، ومساهم في سدّ العجز في ميزان المدفوعات. وعليه، بات الدولار الجمركي آلية مساندة لتمويل الاستيراد في ظلّ شح العملات الأجنبية»، مشدّدة على أن «اقتصاد الكاش يُقدر من قبل البنك الدولي بـ 9,9 مليارات دولار، أي 45,7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وكان له دور محوري في تمويل فاتورة الاستيراد. تجدر الإشارة إلى أن هذه الفاتورة ظلّت ثابتة بعد الأزمة مقارنة بما كانت عليه قبلها، الأمر الذي وضع لبنان في دائرة الاستفهام من قبل مجموعة العمل المالي (فاتف)».

وتشير إلى «أن مصرف لبنان أدّى دوراً محورياً في دعم الاستيراد خلال الأزمة اللبنانية الراهنة، وذلك من خلال مساهماته المباشرة وغير المباشرة، حيث قدّم المركزي الدولارات للدولة والتجار من خلال منصة «صيرفة» قبل إيقافها، كما أصدر تعاميم محدّدة لدعم استيراد بعض المواد الأساسية». وتختم: «استخدم لبنان جزءاً من أموال حقوق السحب الخاصة، التي حصل عليها من صندوق النقد الدولي لتمويل فاتورة الاستيراد، ما ساعد في تخفيف الضغط على احتياطيات النقد الأجنبي لدى المصرف المركزي».