كييف تستعدّ لحرب طويلة الأمد: تتزوّد بالمسيّرات وتُشيّد التحصينات

02 : 00

تُراهن أوكرانيا على الإستخدام المكثّف للمسيّرات الحربية الصغيرة (أ ف ب)

تزداد التحدّيات العسكرية صعوبة على صانع القرار الأوكراني، خصوصاً مع تعثّر إقرار حزمة مساعدات أميركية ضخمة ما زالت عالقة في الكونغرس، في وقت بدأت تخسر فيه كييف «المبادرة الميدانية» مع اعتمادها «سياسة تقشفية» على صعيد استخدام القذائف المدفعية، الأمر الذي جعلها تُراهن على الاستخدام المكثّف للمسيّرات الحربية الصغيرة الحجم للتعويض عن ندرة القذائف وتقويض القدرات القتالية الروسية. كما بدأت أوكرانيا بتشييد تحصينات على طول خط الجبهة مع روسيا التي سبقتها في هذه الخطوة منذ عام، في إشارة إلى أنها تستعدّ لحرب طويلة الأمد.

يرى خبراء أن الاعتماد على الطائرات المسيّرة الصغيرة لن يُغيّر ميزان القوى بشكل جذري، لكنّها تبقى ضرورية لكلا الطرفين. تملأ هذه المسيّرات الحربية الصغيرة، خصوصاً تلك التي يُمكن اقتناؤها في المتاجر، ساحات القتال، بالإضافة إلى تلك التقليدية الشبيهة بالطائرات التي تُستخدم في تنفيذ هجمات على بُعد مئات الكيلومترات. تُتيح هذه الأجهزة الحديثة لمسيِّرها عن بُعد تلقّي صور من ساحة المعركة مباشرة، فضلاً عن أنّها تُتيح تحديد مواقع العدو أو قصفها بذخائر متفجّرة في دائرة تتّسع لعدّة كيلومترات.

وقالت الباحثة في مركز الأبحاث الأوروبي للعلاقات الخارجية أولريكه فرانك لوكالة «فرانس برس»: «نُشاهد حاليّاً في أوكرانيا استعمالاً مكثفاً جدّاً للمسيّرات، حيث تملأ عشرات أو حتى مئات الآلاف منها ساحات القتال»، فيما خصّصت كييف 1.15 مليار يورو للتزوّد بمسيّرات ضمن موازنتها للعام 2024. كما أعلن الرئيس فلوديمير زيلينسكي أن بلاده سوف تُنتج «مليون» مسيّرة هذا العام، علماً أنه أسّس في شباط شعبة متخصّصة في هذه الأسلحة داخل القوات المسلّحة الأوكرانية.

بالتوازي، يعمل حلفاء كييف على تعزيز مخزونها من المسيّرات، إذ يرتقب أن تُزوّدها بريطانيا بأكثر من 10 آلاف وحدة، حوالى 1000 منها من طراز المسيّرات الانتحارية، فيما تستعدّ فرنسا لطلب نحو 2000 وحدة من هذا الطراز، جزء منها موجّه لأوكرانيا. ويُقدّر مسؤولون أوكرانيون احتياجهم لما بين 100 ألف و200 ألف مسيّرة شهريّاً. ويرى الخبيران مايكل كوفمان وفرانتس ستافان كادي في مقال بمجلّة «المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية» أن «بإمكان أوكرانيا تقليص احتياجاتها من ذخائر المدفعية عن طريق زيادة مهمة في إنتاجها من المسيّرات الهجومية».

يكتسي ذلك أهمية كبرى في ظلّ عجز البلاد عن الحصول على احتياجاتها الشهرية من قذائف المدفعية، المقدّرة ما بين 75 ألفاً و90 ألفاً، اللازمة فقط لخوض حرب دفاعية، علماً أنها تحتاج أكثر من ضعف هذا العدد إذا أرادت تنفيذ هجمات كبيرة، وفق الخبيرين. وأوضح الباحث في مركز الأبحاث الأميركي «أتلانتك كاونسيل» ميكولا بيليسكوف أن المسيّرات «تستطيع الاضطلاع بعدد من وظائف المدفعية والصواريخ، مقابل سعر أقلّ بكثير»، إذ يبلغ ثمن مسيّرة تجارية صغيرة بضع مئات من اليورو، بينما يُعادل عدّة آلاف بالنسبة إلى الصواريخ المضادة للدبابات أو القذائف أو المسيّرات الانتحارية.

عمليّاً استطاعت المسيّرات إلحاق ما بين 65 إلى 85 في المئة من الخسائر التي تكبّدتها المواقع العسكرية الروسية، بحسب مصدر عسكري فرنسي. لكنّ أولريكه فرانك اعتبرت أن الأوكرانيين «يستعملون المسيّرات فقط لأنّهم يستطيعون صناعتها أو شراءها، لكنّها ليست الخيار الأمثل». فهذه الآليات الموجّهة عن بُعد لا تتوفر سوى على قدرة شحن ضعيفة، لا تتعدّى بضع مئات غرامات من المتفجّرات، أو في أحسن الأحوال بضعة كيلوغرامات بالنسبة إلى المسيّرات التجارية الأكبر حجماً.

زيادةً على ذلك، فإنّ ثلث الضربات التي تُنفّذها هذه المسيّرات فقط يُمكنه بلوغ الأهداف، كما أفاد تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» في أيلول، بسبب التشويش ووسائل الصدّ الإلكترونية، في وقت كان لافتاً بالأمس ما كشفه وزير الدفاع الكوري الجنوبي شين وون سيك أن كوريا الشمالية زوّدت روسيا بنحو 7 آلاف حاوية أسلحة منذ تموز لعملياتها العسكرية في أوكرانيا.

وعلى صعيد التحصينات الأوكرانية، تحدّث زيلينسكي في 11 من الحالي عن «2000 كيلومتر من الأشغال لتعزيز التحصينات القائمة وإنشاء تحصينات جديدة». معلومات كانت الدفاع البريطانية قد كشفت عنها قبل يوم من ذلك، حيث أفادت بوجود خنادق مضادة للدبابات وخنادق للمشاة وحقول الألغام والمواقع الدفاعية المحصّنة، موضحةً أن إنشاء مواقع دفاعية رئيسية يدلّ على «صراع استنزاف»، ويعني أن أي محاولة لاختراقها ستُصاحبها على الأرجح «خسائر فادحة».

سيكون المشروع بمثابة ردّ على «خط سوروفيكين» الروسي الذي أُنشئ عام 2023 في شرق أوكرانيا، والذي يتضمّن 3 طبقات دفاعية في العمق، تهدف إلى إنهاك قوات العدو وزيادة صعوبة السيطرة على منطقة ما بعد اختراق عسكري. وهذا المشروع بدوره يستجيب بشكل عاجل لنقص الذخيرة لدى كييف التي باتت في موقع دفاعي في مواجهة القوات الروسية، بعدما انتهى الهجوم المضاد في الخريف، بالفشل مع خسائر هائلة ومكاسب ميدانية محدودة.

لكنّ كييف لم تُغيّر أهدافها العسكرية حتّى اللحظة، وأبرزها تحرير إقليم دونباس، فضلاً عن شبه جزيرة القرم، بيد أنّه يبقى عليها أن تأخذ في الاعتبار حقائق الصراع، في حين يرى محلّلون أن هذه التحصينات قد تُصبح «حدوداً» بحكم الأمر الواقع بانتظار اتفاق سياسي شامل يُنهي الحرب.

MISS 3