خليل كارافيلي

المعارضة التركية لن تفوز إذا خسرت دعم الأكراد

20 آذار 2024

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

عمدة إسطنبول أكرم إمام أوغلو خلال تجمّع حاشد | 27 أيار 2023

ستكون الانتخابات التركية المرتقبة في 31 آذار فرصة كي يتحدى التقدميون الأتراك («حزب الشعب الجمهوري» المعارِض و»حزب المساواة وديموقراطية الشعوب» الموالي للأكراد) هيمنة «حزب العدالة والتنمية» الحاكم. حتى أن فوزهم قد يزيد احتمال أن يصبح عمدة اسطنبول أكرم إمام أوغلو، خَلَفاً للرئيس رجب طيب أردوغان حين ينتهي عهده في العام 2028، شرط أن يوحّد هذا المعسكر أهدافه. ستكون نتيجة انتخابات اسطنبول، أكبر مدينة تركية، في 31 آذار، حاسمة كونها تؤثر على مسار السياسة التركية عموماً. نجح أردوغان شخصياً في فرض سيطرته على المستوى الوطني بعدما كان عمدة اسطنبول خلال التسعينات.



يجب أن يوحّد إمام أوغلو صفوف الناخبين المختلفين سياسياً وعرقياً كي يفوز في اسطنبول، ويُفترض أن يحقق الهدف نفسه كي يخلف أردوغان. سيكون فشله في استمالة الناخبين الأكراد وجمع ناخبي «حزب المساواة وديموقراطية الشعوب» مع قاعدة «حزب الشعب الجمهوري» إثباتاً على استحالة بلوغ أي شكل من الوحدة بين التقدميين. لا يحتاج إمام أوغلو إلى أصوات الأكراد لتحقيق الفوز فحسب، بل لتجسيد معنى التغيير الديموقراطي الحقيقي.

كان إيجابياً أن تطلق قيادة «حزب الشعب الجمهوري» مساراً ديموقراطياً اجتماعياً عبر دعم الحركة العمالية والدعوة إلى تطبيق الإصلاحات لمعالجة مشكلات الفقر واللامساواة. يتعارض هذا الموقف مع نهج كمال كليجدار أوغلو الذي أبعد نفسه عن اليساريين وتبنّى السياسات اليمينية ودعم شركاءه اليمينيين. أبرم كليجدار أوغلو اتفاقاً مع «حزب النصر» اليميني المتطرف خلال المرحلة التي سبقت الانتخابات الرئاسية في السنة الماضية، وتعهد بإبقاء المسؤولين الأكراد المُنتَخبين خارج السلطة.

في المقابل، دان زعيم «حزب الشعب الجمهوري» الجديد أوزغور أوزيل، قمع الحقوق الديموقراطية للأكراد. أقام كليجدار أوغلو تحالفاً مع خمسة أحزاب يمينية تستبعد الأكراد والاشتراكيين، بينما أطلق أوزيل تحالفاً انتخابياً مع «حزب العمل التركي» الاشتراكي، لكنه لم ينجح في عقد اتفاق مشابه مع «حزب المساواة وديموقراطية الشعوب».

مع ذلك، فشل أوزيل في فرض سلطته على حزبه، وبدأ زملاؤه في أنحاء البلد يتحدّونه صراحةً. في 6 آذار، تعهدت بورجو كوكسال، مرشّحة «حزب الشعب الجمهوري» لرئاسة البلدية في محافظة «أفيون قره حصار»، بأن تفتح أبواب البلدية، في حال انتخابها، لكلّ الأحزاب، باستثناء «حزب المساواة وديموقراطية الشعوب» الموالي للأكراد. كان أوزيل حاضراً حين أدلت كوكسال بتعليقاتها المعادية للأكراد، فاعتبر موقفها «زلة لسان بسيطة».

لكن اعترف إمام أوغلو بأن كوكسال قضت على فرصه لكسب أصوات الأكراد وطلب منها أن «تبحث عن عمل جديد أو حزب جديد». تشير استطلاعات الرأي أصلاً إلى احتدام السباق الانتخابي في اسطنبول قبل صدور ذلك الموقف.

بدأت القومية التركية الفوقية المنتشرة في صفوف «حزب الشعب الجمهوري» تُضعِف صدقية الحزب كقوة تقدمية وتمنع وحدة اليساريين. لا يُصِرّ «حزب المساواة وديموقراطية الشعوب» من جهته على عدم سعيه إلى ضمان حقوق الأكراد السياسية والثقافية في تركيا فحسب، فهو يطمح أيضاً إلى إحداث تغيير ديموقراطي وتقدّمي عام في المجتمع التركي. يطرح البيان الانتخابي الصادر عن «حزب المساواة وديموقراطية الشعوب» في اسطنبول أجندة تقدمية تشمل وعوداً بإرساء ديموقراطية مبنية على المشاركة عبر إنشاء مجالس في الأحياء والمدن ودعم مشاركة النساء في التخطيط الحضري.

في العام 2021، دعا صلاح الدين دميرتاش، الرئيس السابق لـ»حزب الشعوب الديموقراطي» الموالي للأكراد والمعتقل منذ العام 2016، المعسكر اليساري في تركيا إلى تشكيل «كتلة يسارية قوية» لبناء الديموقراطية بعد عهد «حزب العدالة والتنمية». برأي دميرتاش، لن تصبح تركيا دولة ديموقراطية من دون وجود اليساريين و»صوت العمال». من وجهة نظره، «يمكن بناء كتلة يسارية قوية من دون مراعاة أي مصالح شخصية أو حزبية». لكن لم يُعبّر دميرتاش، الذي يبقى مسؤولاً مؤثراً في السياسة الكردية، عن اهتمامه بالمنحى اليساري الذي يتخذه «حزب الشعب الجمهوري».

لم يعد دميرتاش يقترح أن ينضم الحزب إلى كتلة يسارية مع الديموقراطيين الاجتماعيين والاشتراكيين، بل إنه يوصي «حزب المساواة وديموقراطية الشعوب» بطرح نفسه كقوة ثالثة، ما يعني أن يكون على مسافة متساوية من «حزب العدالة والتنمية» و»حزب الشعب الجمهوري»، كما أنه يُشجّع حزبه على التحاور مع «حزب العدالة والتنمية» لحل مشكلة الأكراد وإرساء الديموقراطية في تركيا. قال دميرتاش حديثاً: «لستُ متأكداً من وجود أي نقاط مشتركة بين «حزب المساواة وديموقراطية الشعوب» و»حزب العدالة والتنمية». لكن سيواجه الحزبان نقصاً كبيراً إذا لم يجدا ما يجمعهما».

للتقرب من أردوغان، أشاد دميرتاش بهوية تركيا الإسلامية، فقال خلال آخر جلسة استماع في محاكمته، في كانون الأول 2023: «الحضارة الإسلامية هي التي تُميّزنا في هذه الأراضي. لا يدرك جزء من الاشتراكيين في تركيا هذا الواقع، وهم يعجزون عن التواصل مع المجتمع بسبب جهلهم».

من المعروف أن اليسار التركي تعثّر تاريخياً بسبب التزامه المفرط بالعلمانية، فأبعد عنه شريحة واسعة من الشعب. لكن تعني مواقف دميرتاش عن الإسلام أنه لا يريد بكل بساطة أن يغيّر صورة اليساريين لزيادة شعبيتهم. هو لا يدعو إلى نشوء يسار مسلم، بل يبدو أنه تخلى عن اليساريين واستنتج أن المصالح الكردية لا يمكن تحقيقها إلا عبر الاصطفاف مع المحافظين الإسلاميين.

من المنطقي أن ننسب هذا التحوّل في مواقف دميرتاش إلى قناعة مستجدة حول مكانة «حزب العدالة والتنمية» الراسخة في السلطة، ما يعني أن الأكراد مضطرون للتفاهم مع أردوغان. أو ربما اقتنع دميرتاش باستحالة الوثوق بـ»حزب الشعب الجمهوري» بعد الاتفاق الذي عقده كليجدار أوغلو مع اليمين المتطرف في السنة الماضية.

في وقتٍ سابق من هذه السنة، قال أحمد تُرك، مسؤول مخضرم في الحركة الكردية في تركيا، إن أردوغان هو الزعيم الوحيد القادر على حل مشكلة الأكراد لأنه «يسيطر على كلّ مؤسسات الدولة».

لكن يظن تُرك أن مشروع «حزب الشعب الجمهوري» سينهار إذا حاول هذا الأخير حل المشكلة. هذا ما حصل في آخر مرة حاول فيها الحزب أن يتحدى سلطة اليمينيين الاستبدادية. عندما حاولت حكومة «حزب الشعب الجمهوري» خلال السبعينات، أن تدعم المساواة الاقتصادية وتزيد حقوق العمال، ردّت الدولة التركية بعنف وأحبطت تلك المحاولة سريعاً. لكن لا يستطيع أردوغان فعل كل شيء. قوبلت مساعيه لحل المشكلة الكردية بين العامين 2013 و2015 بمقاومة قوية من داخل مؤسسات الدولة، ما قد يفسّر فشل تلك المحاولة.

لكن من الواضح أن تياراً قوياً داخل الحركة السياسية الكردية يعوّل اليوم على إعادة إحياء نسخة معيّنة من الصفقة الإقطاعية القديمة التي نشأت بين الدولة التركية وقادة القبائل الكردية. بموجب ذلك الاتفاق، سيطر قادة القبائل الكردية، بين الخمسينات وأواخر السبعينات، على المنطقة الكردية في البلد، اجتماعياً واقتصادياً، مقابل تحويل أصوات قبائلهم إلى الأحزاب المحافِظة الحاكمة، أي أسلاف «حزب العدالة والتنمية». إنه السبب الذي جعل «حزب العمال الكردستاني» يبدأ مسيرته على شكل حركة ثورية ماركسية تعارض الإقطاعية الكردية والدولة التركية في السبعينات.