د. نبيل خليفة

أشجار الزيتون في بلاد البترون... من بشعله إلى حدتون

21 آذار 2024

02 : 00

من زيتون بشعله

لم يكن من باب الصدف ظهور خبرين في الاعلام العالمي عن الزيتون في لبنان عامة وفي قضاء البترون بشكل خاص. فقد صدر تقرير عن علماء اختصاصيين في المأكولات في الغرب جاء فيه: إنّ زيت الزيتون في لبنان هو أجوَد أنواع الزيت في العالم. ونشرت صحيفة النيويورك تايمز الأميركية تقريراً حول أشجار الزيتون في بلدة بشعله البترونية تحت عنوان «هذه ربما تكون أقدم أشجار الزيتون في العالم».

بعيداً عن المشاحنات الفارغة التي تملأ الأجواء اللبنانية حالياً، ما الذي تقدّمه أمثولة الزيتون، شجراً وزيتاً، في تأكيد وتجديد صيغة لبنان الحضاري بلداً مجلّياً في الأقدميّة والنوعيّة في آن وذلك على مستوى مقومات الحياة في تجلياتها الفكرية والاجتماعيّة والزراعية والغذائيّة؟

أولاً: حول أشجار الزيتون في بشعله

1 - إنّ الاهتمام بأشجار الزيتون المعمرة في بلدة بشعله بجرد قضاء البترون ليس جديداً. فقد كتبت عنها تعليقات متنوّعة خاصة وأنها تكتسب طابعاً تراثياً مهمّاً من جانب، وتقع إلى جانب الطريق العام من جانب آخر، وترتفع عن سطح البحر أكثر من ألف متر من جانب ثالث، وجرى الاهتمام بها وإحاطتها بالعوازل الطبيعية وسواها من جانب رابع. وكانت موضوع دراسات واهتمامات المعنيين بهذا الموضوع كونها تمثل حالة خاصة واستثنائية في تاريخ الأشجار المثمرة، ليس على صعيد لبنان فقط، بل ربّما على صعيد العالم.

2 - ولعلّ آخر ما كتب في الموضوع، هو ما أوردته صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية يوم السبت في الأسبوع الأول من آذار الحالي 2024. ومع أنّ أشجار الزيتون منتشرة في لبنان من شماله إلى جنوبه، فإنّ لزيتون بشعله وقعه الخاص، إذ تبيّن بجلاء أنّ هذه الأشجار هي قديمة بكل ما تحمله كلمة القدم من معنى، إذ إنّ عمرها يعود إلى أكثر من ألف عام. وخلاصة ذلك أنّ هذه الأشجار أطلق عليها لقب «زيتون نوح»، في الإشارة إلى ما ورد في الكتاب المقدس حول الطوفان. وكيف أنّ النبي نوح أطلق حمامة بعد توقف الطوفان، فطارت فوق اليابسة التي عادت تظهر مع أشجارها من جديد. وعادت إلى النبي نوح، بحسب المعتقد المسيحي وهي تحمل في فمها غصن زيتون. وربطاً بهذا المعتقد، وبأقدمية أشجار الزيتون أطلق عليها تسمية «زيتون نوح».

3 - وتؤكد الصحيفة في تقريرها أنّ مجموعة من الباحثين زاروا بشعله عام 2018 وأخذوا عينات من أشجار الزيتون المعمّرة لاحدى عشرة زيتونة. وأجروا تحليلات كيميائية بهدف استبيان أعمار الجذوع المقطوعة. وقد تبيّن لهم أنّ من أول أربعة جذور فإنّ ثلاثة منها يتراوح عمرها بين 500 إلى 700 سنة، بينما عمر الجذر الرابع حوالى 1100 سنة. واستشهدت الصحيفة بعالم زراعة بجامعة قرطبة الاسبانية كونسيبسيون مونيوزدييز الذي رأى أنّ هذه الأعمار منطقية. ولكنه طرح موضوع احتمال التطعيم لجذوع أشجار موجودة سابقاً. وهذا احتمال يزيد من زمن عمر أشجار الزيتون ولا ينقصها.

ثانياً: حول أشجار الزيتون في حدتون

1 - تقع بلدة حدتون – البترون واسمها من السريانية ويعني المحيدثة، إلى الجنوب من بشعله وهي معروفة أيضاً بزيتونها.

2 - ذلك أنّ البلدة تقع على تلة تنبسط إلى جهة الغرب منها واد يعرف بوادي الزيتون. وفي أعالي الوادي وقريباً من المنازل السكنية للبلدة تم اكتشاف جذع شجرة زيتون معمّرة تعود ملكيتها إلى وقف مار الياس في حدتون. وقد قام مسؤولون في البلدة من لجان الوقف بالاهتمام بهذا الأمر نظراً لضخامة جذع الشجرة الذي يكاد يملأ جلاً بكامل دائرته، ولدى قياس قطر الدائرة لشجرة الزيتون تبيّن أنّه في حدود 580 سنتيمتراً أي أكثر من 19 قدماً.

3 - الملفت في الأمر أنّ القسم الشمالي - الشرقي من جذع الشجرة وبسماكة محدودة لا يزال حياً. وأكثر من ذلك فهو وبمعرفتنا وباختبارنا كمسؤولين في الوقف، لا يزال يعطي زيتوناً وزيتاً، بالطبع في حدود امكاناته المحدودة.

4 - حتى تاريخه لم يقم أي مشروع أو مخطّط أو دراسة لكشف حقيقة هذه الشجرة الدهريّة وخاصة لقيام تحليل كيميائي يبرز مدى عمرها كما حصل لزيتونات بشعله. وبعيداً عن أي سعي أو فكر لصرف النظر هنا، فإنّ المقصود لدينا هو تبيان القيم التاريخيّة لزيتون بشعله كما لزيتون حدتون، لا من باب المنافسة بل من باب التكامل. ولا نفشي سراً إذا قلنا وأكدنا أن أبناء حدتون وبشعله هم أخوة وأخوات وأصهرة وأنّ الزيتون هو تراث مشترك بين البلدتين الجارتين.

5 - إنطلاقاً مما تقدم نودّ في هذه العجالة، وعبر صحيفة «نداء الوطن» أن نوجه رسالة مفتوحة إلى معالي وزير الزراعة وفيها الدعوة إلى اعطاء هذا الموضوع حقّه من الأهمية والاهتمام وذلك بتأليف لجنة من المسؤولين والاختصاصيين والمسؤولين الزراعيين للإحاطة بكافة المعلومات المتعلقة بزيتونة حدتون الدهرية: واقعاً وتاريخاً وعمراً ونقطة مضيئة في تاريخ لبنان الحضاري.

إنّه موضوع يتعلق بوجودنا وتراثنا في هذا الشرق: في البشر والتراب والحجر. إنه قضيّة تتخطى مظاهر الثرثرة السياسية. إنّه قاعدة لبناء جدّية التاريخ الإنساني على أرضنا! ولعل أطيب المذاق يتمثل بزيت الزيتون. ولعلّ أشرف السلام يتمثّل بغصن الزيتون!

MISS 3